ما عجزت عنه الدول فعله الفنانون العرب.. هكذا توحدوا وطردوا الحكم الإسرائيلي
النجاح في طرد الحكم الإسرائيلي انعكس إيجاباً على علاقة الفرق فيما بينها، لدرجة أن فرقة الفنان فواز شهاب اليمنية التي استغرقت رحلتها 4 أيام للوصول إلى اوزبكستان بسبب الحصار المفروض على اليمن، لم تتمكن من تقديم عرضها بسبب النقص في الموسيقيين، فتبرع موسيقيون سعوديون وشاركوا بالزي اليمني إلى جانب الفنانين اليمنيين وتمكنت الفرقة على أثر ذلك بالفوز بإحدى جوائز المهرجان.
"أن تثبت وجوك وتدافع عن تراثك هو جزء من المواجهة مع العدو".. لعل ما قاله الفنان الكويتي عامر جعفر، الذي شارك في مهرجان ومسابقة "ماقوم" في أوزبكستان كعضو في لجنة الحكم، يختصر تجربة نادرة الحصول في عصر التفكك العربي، تجربة مجموعة من الفرق الفنية العربية اتحدت في الموقف والشجاعة، وتمكنت من فرض ارادتها على مهرجان فني دولي، ربما أراد منظموه وضع هذه الفرق تحت أمر واقع مشاركة حكم إسرائيلي في لجنة التحكيم.
ثماني فرق فنية آتية من خلفيات سياسية وثقافية مختلفة، اكتشفت في اليوم الأول من المهرجان وجود ناقد إسرائيلي من ضمن لجنة التحكيم، الأمر الذي استدعى استنفاراً بين أعضاء الفرق المختلفة، فكان لقاء سريع وقرار حاسم "ننسحب من المهرجان أو ينسحب الإسرائيلي".
سعود علان، مدير شركة "مقام" للانتاج الفني الأردنية، وهي الشركة المنظمة لمشاركة الفرق العربية في مهرجان "ماقوم" قال "للميادين" إن شركته كانت مكلفة من وزارة الثقافة الأوزبكية وإدارة المهرجان اختيار فنانين للمشاركة من عدد من الدول العربية، ووقع الاختيار على الفنانين والفرق التالية:
الفنانة مكادي نحاس وفرقتها والموسيقي يعرب سميرات من الأردن، وفرقة "زي زمان" برئاسة أحمد حسن من مصر، والفنان عماد محمد وفرقته من السعودية، والفنان فواز شهاب وفرقته من اليمن، ومن تونس التي فازت بالمرتبة الثالثة عالمياً الأخوين محمد وبشير الغربي، وعازف الايقاع نصر الدين الشبلي، ومن العراق الفنانة نوفا عماد وفرقتها، ومن لبنان حنين أبو شقرا وفرقتها، وفرقة "الجزيرة" من الجزائر.
ويقول علان، الذي كلفته الفرق العربية إبلاغ منظمي المهرجان موقف هذه الفرق أنه لمس تجاوباً وتفهماً من الإدارة للمطلب العربي، خصوصاً بعد الخروج الجماعي للفرق العربية وأحد أعضاء لجنة التحكيم (الكويتي عمار جعفر) من الحفل في الليلة الاولى، لتعود هذه الفرق للمشاركة في اليوم الثاني بعد التأكد من غياب الحكم الإسرائيلي الذي استبدل لاحقاً بآخر من الجنسية العراقية.
ويؤكد الفنان الكويتي د. عامر جعفر، أنه تفاجأ بوجود الحكم الإسرائيلي أثناء الاجتماع الأول للجنة التحكيم، وبادر لابلاغ المنظمين مباشرة أن "هذا" لا يمكن أن يكون في اللجنة إلى جانبه، أو عندما تقدم الفرق العربية عروضها، وأنه سيبلغ هذه الفرق بالأمر، وهذا سيضع المهرجان أمام مشكلة.
وأضاف جعفر "لا نستوعب كيف يمكن أن نتشارك مع الإسرائيليين نشاطاً ما وهم يقتلون أطفالنا"، مشيراً إلى أن توحد الفرق العربية في هذا الموقف خلق جوّاً من الألفة والمحبة، وهذه "الألفة بيننا حققت انتصاراً شارك الجميع في صنعه".
الفنانة الأردنية مكادي نحاس أكدت بدورها أن أهمية هذا الحراك الرافض للتطبيع الثقافي مع (إسرائيل) كمنت في صدور القرار بشكل جماعي ومتساوٍ من الفرق العربية المشاركة. واعتبرت أن ما يحدث عادة هو أن ينسحب العرب ويغيبون عن تمثيل بلدانهم، مشددة "نحن أصرينا على المشاركة وسحب مشاركة الإسرائيلي ولم نتنازل عن موقفنا بل طردناه من اللجنة".
النجاح في طرد الحكم الإسرائيلي انعكس ايجاباً على علاقة الفرق فيما بينها، لدرجة أن فرقة الفنان فواز شهاب اليمنية التي استغرقت رحلتها أربعة أيام للوصول إلى أوزبكستان بسبب الحصار المفروض على اليمن، لم تتمكن من تقديم عرضها بسبب النقص في الموسيقيين، فتبرع موسيقيون سعوديون وشاركوا بالزي اليمني إلى جانب الفنانين اليمنيين وتمكنت الفرقة على الأثر بالفوز بإحدى جوائز المهرجان.
نوفا عماد، المغنية العراقية، قالت بدورها إن أخلاقياتها وانتمائها لا يسمحان لها بالغناء أمام حكم إسرائيلي، أو المشاركة في قاعة واحدة مع فرقة إسرائيلية، و"لو عرفنا بوجود إسرائيلي في لجنة الحكم مسبقاً لرفضنا المشاركة من الأساس". تضيف نوفا "أشعر بفخر كبير، فلأول مرة تتخذ الفرق الفنية العربية موقفاً موحداً وتنجح بخلق قوة ضغط تفرض موقفها على مهرجان دولي بهذا الحجم".
ورأت أن ما حصل في أوزبكستان يمكن أن يكون رسالة للدول العربية بأن وحدة الموقف يمكن أن تحقق أهدافاً كبيرة.
أما الفنان التونسي بشير الغربي الذي شارك وفرقته "التوأم الغربي" فقال بدوره، إنه علم بوجود الحكم الإسرائيلي خلال رحلته من تونس إلى أوزبكستان، فأبلغ منسق الفرق العربية سعود علان بأنه يلتزم قرار الفرق بالمقاطعة "إن لم ينسحب الحكم الإسرائيلي".
وقال الغربي إن الفرق العربية شعرت بمحاولة وضعها أمام أمر واقع وجود إسرائيلي في لجنة الحكم، فرفضت، ونجحت بطرد الإسرائيلي من اللجنة أثناء تأدية عروضها أو تواجدها في قاعة العرض. وتساءل "كيف لنا أن نشارك بمسابقة فنية يحكم فيها إسرائيلي على عناصرنا الموسيقية والثقافية العربية، وفي الوقت ذاته يحتل أرضنا ويقتل الأطفال ويظلم الناس!".
وأضاف أنه لم يكن من مصلحة المنظمين أن تنسحب ثمان فرق عربية من أصل 28 فرقة هو عدد الفرق المشاركة في المهرجان، لذلك انصاع المنظمون لقرارنا".
وكما الفنانة العراقية، أشار الغربي إلى انعكاس هذا "الانتصار" على العلاقات بين الفرق العربية المختلفة، التي اندمجت بانسجام تام، وتشاركت بالتدريبات والتجهيزات الموسيقية والعازفين، وساند بعضها بعضاً، و"سقطت الحواجز المسبقة التي كانت قائمة فيما بينها".
مطالب الفرق العربية لمنظمي المهرجان لم تقتصر على طرد الحكم، بل طلبت أيضاً إنزال العلم الإسرائيلي من بين 74 علماً تمثل فرق الدول المشاركة في "ماقوم". وجاء الرد الرسمي للمهرجان بعد التشاور مع وزارة الثقافة الأوزبكية أن العلاقات الأوزبكية مع (إسرائيل) طبيعية، وأن وجود العلم يمثل فرقة إسرائيلية دعيت للمشاركة في المهرجان، وأن المهرجان سيرفض حكماً إذا ما طلبت فرق إسرائيلية إنزال علم عربي من بين أعلام المهرجان.
وشبهت الإدارة وجود العلم بما يحدث في المباني التابعة للأمم المتحدة أو المسابقات الرياضية العالمية، التي يجتمع فيها مندوبون وسفراء ودبلوماسيون من الدول العربية رغم رفع العلم الإسرائيلي فيها.
ونتيجة لقرار المنظمين عدم نزع العلم الإسرائيلي ووجود فرقة وحكم إسرائيليين في المهرجان، قررت الفرقة السورية مقاطعة كافة أعمال المهرجان، فلم يظهر أعضاؤها لا في المسابقات ولم يشاركوا بالعروض ولا حتى في دعوات المنظمين لتناول الطعام.
واتخذت الفنانة اللبنانية حنين أبو شقرا وفرقتها قراراً بمقاطعة المسابقة بسبب رفع العلم الإسرائيلي، واستبدلت عرضها على المسرح الرئيسي بالمشاركة في عروض على مسارح أخرى تابعة للمهرجان ولكن خارج إطار التنافس.
وكانت الفرقة البحرينية، التي شاركت من خارج مجموعة الفرق العربية، قد قدمت عرضها أمام الحكم الإسرائيلي في اليوم الأول من المهرجان.