حزب الله يلوح بمطالب حكومية وسياسية تناسب حجمه وإنتصاراته. فهل ولى زمن التواضع؟
لم يسبق لحزب الله أن لمح وبوضوح إلى أن زمن التنازلات في الداخل اللبناني قد ولّى، وربط ذلك بمعادلة مفادها أنه في حال أصرّ الطرف الآخر أي خصوم الحزب على انتظار أو توقع انتصار محورهم فعندها سيعيد الحزب النظر بحجمه الحكومي انطلاقاً من الوقائع الميدانية في المنطقة، وفي الأمر إشارات واضحة إلى إعادة العلاقات اللبنانية السورية إلى سابق عهدها.
تستمر أزمة تأليف الحكومة في لبنان وسط خلافات داخلية تستبطن الارتدادت الخارجية، وظاهرها تمترس كل فريق خلف مطالبه في الحصص الوزارية في حكومة الرئيس سعد الحريري المنتظرة.
لكن ما استرعى الانتباه إعلان الحريري وللمرة الأولى أنه لن يشكل حكومة تطبع العلاقات مع سوريا، ما استدعى رداً وإن كان غير مباشراً من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خلال الاحتفال بالذكرى الـ12 لانتصار لبنان في حرب تموز/ يوليو عام 2006، جاء على شكل نصيحة للأفرقاء السياسيين المختلفين بشأن العلاقة مع سوريا والموقف منها بأن "لا يلزموا أنفسهم بمواقف وإملاءات قد يضطرون نتيجة الظروف والتطورات والمصالح وضغط المصالح أن يتراجعوا عنها (...)، بالنهاية نحن في لبنان، لسنا جزيرة معزولة ولا يمكننا أن نعيش بمعزل عن كل ما يجري في منطقتنا".
كلام السيد هذا جاء بعد إعلان الحريري في معرض رده على سؤال عن "مطالبة البعض تضمين البيان الوزاري مطلب عودة العلاقات مع الحكومة السورية كشرط لتشكيل الحكومة فقال: "عندها لا تتشكل الحكومة، وهذا بكل صراحة".
إذاً كشف الرئيس المكلف تأليف الحكومة بعض المستور في أزمة التشكيل ما يعني أن العقد الداخلية التي تم تداولها ليست هي فقط التي تحول دون ولادة الحكومة بعد نحو 11 أسبوعاً على تسمية الحريري (منح 111 نائباً في 24 أيار/ مايو الفائت ثقتهم للحريري لتأليف الحكومة).
وقبل إعلان رئيس تيار المستقبل هذا الموقف اللافت كان الجدل ولا يزال في لبنان يتمحور حول إعادة العلاقات الطبيعية مع سوريا، وهو ما أعلنه صراحة وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل عندما قال إن "كل الطرقات بين لبنان وسوريا، سوريا والعراق، وسوريا والأردن ستفتح وسيعود لبنان إلى التنفس من خلال هذه الشرايين البريّة كما ستعود الحياة السياسية بين سوريا ولبنان".
مواقف باسيل تأتي منسجمة مع مواقف الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري ومعهم طيف وازن من القوى السياسية الداعية إلى التنسيق مع دمشق في أكثر من مجال، ولا سيما إعادة النازحين وعودة التواصل التجاري عبر معبر نصيب عند الحدود السورية الأردنية بما يشكله من شريان اقتصادي حيوي وأساسي للبنان. وفي المقابل يرفض الحريري ومعه رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط تطبيع العلاقات مع دمشق على الرغم من المتغيرات الميدانية على معظم الجبهات السورية والتي جاءت في مصلحة دمشق وحلفائها.
بيد أن المطالبة بإعادة العلاقات إلى طبيعتها مع سوريا ليس حكراً على حزب الله وحلفائه، حيث إن شريحة واسعة من الهيئات الاقتصادية والتجارية تسعى لذلك نظراً لحجم الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد اللبناني سواء من التصدير عبر البحر وبكلفة مرتفعة أو من جراء تداعيات النزوح السوري. من شأن ذلك أن يشكّل إحراجاً للفريق المعارض إعادة تطبيع العلاقات الثنائية على الرغم من حفاظ بيروت على علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق وتبادل زيارات بعض الوزراء، إضافة إلى تعيين الرئيس عون للمدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم موفداً رئاسياً إلى دمشق منذ فترة طويلة. للواء ابراهيم إنجازات إيجابية مشتركة للبلدين ومنها تحرير مخطوفين والاستمرار في تنظيم عودة النازحين السوريين إلى ديارهم، مع الإشارة إلى أن حزب الله والتيار الوطني الحر الذي أسسه الرئيس عون يواصلان تسجيل أسماء النازحين الراغبين بالعودة إلى سوريا عبر مكاتب لهما أعدت لهذا الغرض، إضافة إلى أن المبادرة الروسية لإعادة النازحين تتطلب تنسيقاً بين بيروت ودمشق.
أما عن تلويح حزب الله بإعادة النظر في مطالبه الحكومية ومن ضمنها الحصص الوزارية له ولحلفائه ضمناً، فإن موقف السيد نصر الله في إطلالته الأخيرة في ذكرى الانتصار في حرب تموز/ يوليو، سبقه موقف مشابه قد يبدو غير مباشر، أطلقه في 29 حزيران/ يونيو الفائت عندما قال "إن ما يجري الآن لا يعتمد معايير واحدة إذ إن كتلتي الوفاء للمقاومة والتنمية والتحرير مؤلفتان من 30 نائباً، وتحصلان على 6 وزراء في حين أن هناك كتلة من 20 نائباً تريد 7 وزراء"، داعياً " الجميع إلى التواضع"، وتحديد "الحصص الوزارية على أساس نتائج الانتخابات النيابية أو الحجم الشعبي الحقيقي للأحزاب".
لكن موقف الأمين العام لحزب الله الأخير يذكر من يعنيهم الأمر أن حجم الحزب وحلفائه أكبر بكثير مما ارتضوا به بشأن الحقائب الوزارية في الحكومة المنتظرة، ويتوجه لهؤلاء وعلى رأسهم الرئيس الحريري بأن أفق المناورة المفتوح في المراوحة وعدم تأليف الحكومة لن يستمر طويلا، وأن حقائق الأحجام ستوضع على الطاولة في المرحلة المقبلة، وعندها لن تكون الأحجام مشابهة لتلك التي ارتضى بها الحزب وحلفاؤه لتسهيل ولادة الحكومة.
وربطاً بهذه المعادلة فإن الحزب وحلفاءه لديهم الحق المشروع في تسييل نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في 6 أيار/ مايو 2018، والتي حققوا فيها نتائج لافتة تمظهرت في التصويت لنائب رئيس البرلمان إيلي فرزلي الذي حاز 80 صوتاً من 128 نائباً يشكلون البرلمان.
وفي المحصلة يبدو أن حزب الله يريد القول بأن سياسة التواضع قد ولّت وهي التي دأب الحزب على انتهاجها على الرغم من تحقيقه الانتصارات المتتالية سواء ضد (إسرائيل) عامي 2000 و2006 وكذلك في حربه على الإرهاب ولا سيما في جرود السلسة الشرقية اللبنانية الحدودية مع سوريا.