"انتفاضة" الحريري على تيّاره : تداعيات انتخابية أم تسديد حساب سعودي

لا تزال القرارات التنظيمية التي اتّخذها رئيس تيّار المستقبل في لبنان سعد الحريري تُرخي بظلالها على المشهد الداخلي ، وتطرح التساؤلات عن أسبابها وما إذا كانت مُرتبطة حصراً بالنتائج غير المُشجّعة التي حقّقها المستقبل في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، أم أنها تسديد لحساب سعودي مؤجَّل مرتبط بمواقف بعض مستشاريه خلال فترة احتجازه في السعودية.

ما مستقبل العلاقة بين الحريري والمشنوق بعد الاجراءات التنظيمية الاخيرة لرئيس تيار المستقبل

لم يتأخّر رئيس تيّار المستقبل ورئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري بترجمة قراراه المُعلَن غداة تراجع كتلته البرلمانية من 33 إلى 20 نائباً ، فأعلن عن سلسلة قرارات تنظيمية منها إعفاء عدد من مسؤولي تيّاره في العاصمة والمناطق فضلاً عن قبوله استقالة مدير مكتبه وإبن عمّته نادر الحريري .

فالحريري وغداة الانتخابات قال صراحة إن "هناك ثغرات كانت في تيّار المستقبل وكل واحد مسؤول عنها، ستتم محاسبته لا شك في ذلك"، وعلى الرغم من أنه أعاد تراجع عدد المقاعد النيابية التي حصل عليها إلى قانون الانتخاب الجديد القائم على النسبية بعد سنوات اعتمد فيها لبنان على النظام الأكثري ، إلا أن إدارة العملية الانتخابية من قِبَل مسؤولي الماكينات الانتخابية تتحمّل جزءاً من الخسارة، إضافة إلى التحالفات التي نسجها التيّار في أكثر من منطقة.

وإذا كان الحريري قد قرّر الاحتكام إلى النظام الداخلي في حزبه لإعفاء عدد من مسؤولي التيّار وبينهم قياديون حمّلهم المسؤولية عن الخسارة ، إلا أن قبول استقالة مدير مكتبه والمؤتمَن على أسرار كثيرة داخل المطبخ الفعلي للتيّار  نادر الحريري ، لم تأت في سياق المحاسبة على نتائج الانتخابات ، وبالتالي ليست  مسألة آنيّة وربما تندرج في سياق آخر أو تلبية لرغبات من خارج الحدود، فنادر الحريري وإن كان من أبرز عرّابي قانون الانتخابات التي جرت على أساسه الانتخابات البرلمانية وفق النظام النسبي للمرة الأولى في تاريخ لبنان ، فإنه من أبرز مهندسي التسوية الكبرى في البلاد والتي توّجت بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للبلاد في 31 تشرين أول / أوكتوبر عام 2016 ، وقبل ذلك كان المدير السابق لمكتب رئيس تيّار المستقبل أبرز مهندسي الحوار بين المستقبل وحزب الله خلال فترة كانت تشهد تعاظم التباعُد بين الطرفين على خلفيّة أزمات المنطقة وأبرزها الأزمة السورية ، ويسجّل لذلك الحوار الثنائي أنه ساهم كثيراً في تهدئة الشارع اللبناني وعدم ترجمة الخلاف بينهما في الداخل اللبناني ، وبدوره لعب وزير الداخلية نهاد المشنوق دوراً لافتاً في ذلك الحوار بتوجيهات من نادر الحريري.

وعليه قد توضع استقالة نادر الحريري في غير السياق المُعلَن وليس في الضرورة أن تكون كنتيجة لِما رافق الانتخابات والقانون الذي اعتُبر نادر عرّابه مع رئيس التيّار الوطني الحر الوزير جبران باسيل.

ولعلّ أداء نادر الحريري خلال فترة احتجاز رئيس حكومة لبنان في السعودية وإجباره على إعلان استقالته من هناك لم تعجب الرياض ، لا سيما أنه كان من المعارضين لنقل الزعامة إلى بهاء الحريري وهو ما ترجمه علانية الوزير المشنوق عندما قال من دار الفتوى خلال أزمة احتجاز الحريري في السعودية  إن " اللبنانيين ليسوا قطيع غنَم ولا قطعة أرض تنتقل ملكيتها من شخص إلى آخر"، وأضاف: "السياسة في لبنان تحكمها الانتخابات لا المُبايعات".

وفي حال صدقت التوقّعات بإقصاء المشنوق عن الحكومة المقبلة فإن الصورة ستتّضح وبالتالي تكون بعض إجراءات الحريري كجزء من تسديد حساب قديم طلبته الرياض ، ولا علاقة له بالانتخابات ونتائجها طالما إنها باتت تعوّل كثيراً على رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع ، وفي السياق يؤكّد الباحِث السياسي الدكتور وسيم بزّي للميادين نت إن " كل المتابعين والعارفين بدقائق الأمور يعرفون أن هناك حساباً قديماً بين نادر الحريري والسعودية ، وإن الرئيس الحريري بدأ بتسديده وأنه ينفّذ ما وعد به السعوديين عبر إقصاء مجموعة من مستشاريه تتّهمهم الرياض بأنهم قادوا حملة عليها خلال احتجاز الحريري، وأثاروا الإعلام اللبناني والعربي للتعاطف مع رئيس الحكومة المُحتجَز، وكذلك أداروا حملة التواصل مع حزب الله وسهّلوا جولة وزير الخارجية جبران باسيل الأوروبية ، وأيضاً تواصلوا مع البيت الأبيض والرئيس دونالد ترامب بهدف حشد أكبر حملة تعاطف مع رئيس الحكومة"، ويُضيف بزي " أنه خلال استدعاء بعض الشخصيات اللبنانية إلى الرياض رفضت عائلة الحريري وعلى رأسها النائب بهية الحريري وإبنها نادر زيارة السعودية لمبايعة بهاء، وأكثر من ذلك لعبت السيّدة بهية دوراً كبيراً ليس فقط في الاحتضان العاطفي لإبن شقيقها سعد وإنما في الاجتماع الشهير والحاسِم لكتلة المستقبل في بيت الوسط ومنعت أية أجندة تعارض رغبة مدير مكتب الحريري أي إبنها نادر".

أما عن ربط استقالة نادر الحريري بالانتخابات ونتائجها فيقول بزي  "هذا فيه الكثير من تسطيح الواقع وفيه سذاجة لأن أي متابع للأمور في الحلقة الضيّقة لرئيس تيّار المستقبل عِلماً أن نادر يمثّل الرئة التي يتنفّس منها الرئيس الحريري ، وهو رجل علاقاته الخارجية  بينما تتّسم علاقة الحريري بأشقائه وعلى رأسهم بهاء بالبرودة وبالتالي أضحت الحريرية مختصرة على الرئيس نفسه وعائلة عمّته بهية ما يعني أنه لا يمكن تبرير الحاصل الانتخابي ووضعه في كفّة موازية لما يمثله نادر عند الرئيس سعد".

لكن هل ما يقوم به الحريري بعد الانتخابات سيتواصل في سياق إبعاد كل مَن تعاطف معه خلال احتجازه في الرياض ، ويجيب بزي " إن الحريري يسدّد ما التزم به وينفّذ الأجندة التي تعهّد بها الرئيس الفرنسي إيمانيويل ماكرون لوليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان نيابة عنه ، والواضح أن هذه الخطوة تخفي خلفها عودة الحريري إلى البيت السعودي ، وهذا ما ستكشفه الأسابيع القليلة المقبلة خصوصاً أن القائد الفعلي للمحور السعودي الإماراتي في لبنان بات سمير جعجع ، وأن هناك دفتر شروط جديد مرتبط بالوقائع المقبلة لا سيما أن نادر كان من أبرز المعارضين لجعجع وعمل على عدم إتمام اللقاء بين الأخير والحريري ، واتهمه بالتحريض على رئيس الحكومة خلال فترة احتجازه ، وفي سياق متّصل ربما يكون دور الوزير نهاد المشنوق على سكّة الإبعاد لا سيما بعد إبعاد المستشار والوزير غطّاس خوري وربما يكون هناك مستشارون آخرون".

اخترنا لك