في مقابلة خاصة مع الميادين نت.. زوجة الشهيد الزواري: مستعدّة للشهادة ولن أصمت!
زوجة الشهيد محمد الزواري في مقابلة خاصة مع "الميادين نت" تطالب الحكومة التونسية بعدم إغلاق ملف الشهيد وتكشف عن أسرار من حياته وتقول إنها مستعدة لنيل الشهادة مقابل ألا يطمس ملف زوجها.
بعد مرور عام على استشهاد المهندس محمد الزواري وما خلّفه الموضوع من ألغاز تحيط بقضيته وهو الإنسان الذي لطالما فضّل العيش في الظل والإنزواء بعيداً عن الأضواء مواظباً على استكمال مسيرته الاستثنائية والنبيلة قصد الوصول للأهداف المنشودة التي سطّرها عن حبّ وانتماء عال للقضية المركزية التي كانت ولا زالت وستظل حاضرة في قلب ووجدان كل مواطن تونسي.
من هنا لا يمكن التوقف البتّة عن طرح الأسئلة والبحث عن المزيد من الأجوبة في قضية لم تُبح بكل أسرارها بعد, لذلك كان من المنطقيّ اللجوء إلى زوجته السيدة ماجدة صالح التي مازالت تكابد جاهدة لنيل مطالبها المحقة والمشروعة التي يكفلها لها القانون التونسي دون تعقيدات أو تنصّل.
في هذا الحوار سنعود بها للوراء وفترة التعرف على الشهيد محمد الزواري الذي كان يحمل حينها اسماً آخر وعن المشروع الذي كان الشهيد يعمل عليه بعد طائرات "الأبابيل" كما تحدّثنا عن عرض حركة حماس لها بالقدوم لقطاع غزة بالإضافة إلى جديد سير التحقيقات من قبل السلطات التونسية والتردد الحاصل لمنحها الجنسية وتفاصيل أخرى مهمة في هذه الأسطر .
- سنعود بك للوراء لو سمحت سيدة ماجدة.. كيف تعرفت على الشهيد الذي كان يحمل آنذاك اسم مراد؟
تزوجنا أنا ومحمد سنة 1997, السبب في تعارفنا كان بعض أقاربي الذين جاؤوا معه وسبحان الله في نفس اليوم الذي التقينا فيه تم كل شيء بسرعة حيث قرأنا الفاتحة مساء السبت، وصباح الأحد عقدنا قراننا, لكن للتوضيح حينها كان للشهيد اسم آخر هو "الأسعد صالح شيبوب".
بعد أسبوع من فترة الخطوبة حددنا السبت المقبل موعداً للزواج وفي تلك الفترة تعرفت على محمد، الطيب والحنون والرائع, وبعد أسبوع من الزواج غادرنا سوريا باتجاه السودان.
وأثناء إقامتنا هناك تعرفت على أناس تونسيين وجزائريين ومن مختلف الجنسيات كانوا على تواصل مع محمد.
وفي العامين الأوليين لزواجنا تعرّض محمد لأزمة صحية حادة حتى أن الطبيب صارحنا بخطورة وضعه وفي تلك الأثناء أخبرني أنّ اسمه الحقيقي هو "محمد الزواري".
ورغم أنني لم اكتشف الحقيقة إلا بعد مرور كل تلك المدة فإنني لم أغضب منه وقلت له "ما يهمني أن تشفى وتعود لي سالماً".
وبعد أن تجاوز محنة المرض روى قصته في الهروب من تونس أثناء نظام بن علي الذي كان يطارده لذلك اضطر لتغيير الإسم.
ومنذ سنة 1997 حتى عام 2002 لم أرَ أهلي في سوريا رغم إصرار محمد على ذهابي لرؤيتهم لكنني رفضت أن أتركه وحيداً ولأنني متعلقة جداً به لدرجة لا توصف.
وفي تلك السنة زارني أمي وأبي رحمه الله وهي ذات الفترة التي نال فيها محمد الجنسية السودانية باهتمام خاص من الرئيس عمر البشير.
ووجب التذكير أنه بعد سفرنا للسودان الكل هناك يعرف محمد باسم "مراد" رغم أنّه يحمل اسماً آخر بالوثائق هو "الأسعد صالح شيبوب" كما ذكرت في البداية ومنذ تلك الفترة تعودت على مناداته بمراد حتى رحيله.
في سنة 2006 تركنا السودان رسمياً وعدنا إلى سوريا رغم الإصرار على بقائه هناك, حيث أسسّ "مدجنة" وضع فيها كل رأسماله لكنه لم يوفّق في المشروع وعشنا وضعاً مادياً صعباً وفي 2007 بدأ محمد يسافر كثيراً ويقول لي إنّ سفره يتعلق بحضور مَعَارض وأمور متعلقة بالهندسة وأنا صدّقته ولم أحاول التدقيق في الموضوع. - كم سنة وأنتِ الآن في تونس؟ ولماذا لم تحصلِ على الجنسية التونسية حتى اللحظة كما وعدتك السلطات؟
جئت إلى تونس في آب/ أبريل من سنة 2011 بعد سقوط نظام بن علي حيث عاد محمد وأغلب أصدقائه ممن أجبروا على الخروج, لكننا غادرنا لفترات متقطعة لمصر وسوريا قبل أن أستقرّ نهائياً في حدود 2014.
لكن مسألة الحصول على الإقامة ظلّت تؤرّق محمد حيث قوبل بتأخير كبير لفترة تصل لستّ سنوات حتى تاريخ استشهاده.
فمرة يقولون له إنّ الملف جاهز في صفاقس ومرة أخرى بالعاصمة تونس وظلّ الحال على ما هو عليه حتى رحيله. - لماذا برأيك هذه المماطلة في الموضوع؟ ومَن يتحمل المسؤولية تحديداً؟
بعد استشهاد محمد أعطوني الإقامة على أن أحصل على الجنسية بعد شهرين لكن لا شيء من ذلك حصل, حتّى أنهم روّجوا لفترة أنّ ملف القضية لم يصل للدوائر المطلوبة وهذا طبعاً ليس صحيحاً ولدينا ما يُثبت عكسه. - قبل فترة قليلة أعلنت حركة حماس عن نتائج التحقيقات في قضية استشهاد الزواري.. كيف تنظرين للموضوع؟ وهل صحيح أنّ الحركة عرضت عليك الاستقرار في غزة؟
قبل الإجابة لابد من الإشارة إلى أنني بعد استشهاد محمد كنت منهارة للغاية لكن حين وصلني خبر انتمائه لحركة المقاومة الإسلامية حماس شعرت بفرحة عارمة وأنّ زوجي ضحّى بحياته من أجل فلسطين وهذا شرف كبير لا يعادله أيّ شرف.
بخصوص طلب الاستقرار والذهاب إلى غزة فالأمر فعلاً صحيح وهم مشكورون على عرض هذا الموضوع لكنني وفاءً لزوجي لن أغادر تونس وسأظلّ فيها.
ماذا عن سير التحقيقات في تونس؟ ألم يرد أيّ جديد بعد مرور كل هذه الفترة؟
منذ استشهاد محمد لا جديد سوى ما أعلنته حماس مع العلم أنّ يوم الحادثة كان هناك استقالات عديدة من قبل مسؤولين كبار.
و قبل خمسة أشهر قال لي شقيق الشهيد إنّ ملف القضية سيكون عند رئيس الحكومة يوسف الشاهد وأنّه طلب الإطلاع عليه لكن لم يحدث أي جديد حتى سيارة محمد لم نتمكن من استعادتها بالإضافة إلى الأغراض التي أُخذت من المنزل.
والآن مع تواجد هيئة محاماة أخرى بعد المشاكل التي واجهتنا مع السابقة وعدني الأستاذ عبد الرؤوف العيادي والأستاذة حنان الخميري بالكشف عن تفاصيل جديدة مهمة في القضية قريباً.
الشهيد كان قلقاً قبيل اغتياله بساعات
- سبق وصرّحت أن هناك شخصاً ما يلاحقك منذ فترة سيدة ماجدة وأنك اتصلت بالأمن التونسي لإيقافه.. ما الموضوع بالضبط؟
كان يراقبني بعد أن سافر محمد بثلاثة أيام ولمدة شهر كامل حتى اكتشفه الشهيد رحمه الله بعد شهرين من ذلك, وبعد حادثة الاغتيال وبالضبط الفترة التي تلت المقابلة التي أجرتها معي قناة الجزيرة التقيت به صدفة وأنا أتسوق من أحد الدكاكين وعرفته فتظاهرت بأنني أتحدث في الهاتف كي أنجح في تصويره.
وقمت بالحديث للأمن ورفضوا وقتها الإنصات لي حتى جاء يوم استمعت له بعد أن كان يلاحقني وهو يقول لأحدهم إنها مرّت بجنب "الكاروسة " {تعني باللهجة التونسية العربة التي تباع فيها الخضار} فقمت بالاتصال بالمحامي الذي اتصل بدوره بالأمن فحضروا وطلبوا مني أوصافه وتفاجأوا حين اخبرتهم أنني قمت بالتقاط صورة له.
وعلى فكرة مازال الشخص نفسه يلاحقني أينما أذهب حتى قبل أيام ولم أره منذ 15 يوماً الأخيرة منذ قدومي للعاصمة تونس والمؤكد أنّ الأمر يحمل معنى أكبر لأنه حينما يراني يسرع بالتخفي وإخفاء وجهه ولازلت أجهل سبب إصراره على مراقبتي.
والغريب أنه حين سُئل من قبل الأمن واسمه "محمد الصغير" ماذا تفعل هنا؟ ردّ بجواب غير مقنع.
ولا أخفي عليكم أنني أشكّ أن له علاقة بالأمن وكل ما يشاع على أنه "درويش على باب الله" ليس صحيحاً. - ما هي الأغراض الشخصية التي كانت بحوزة الشهيد ومازالت في ذمة السلطات التونسية وتطالبين بالإفراج عنها؟
بعد استشهاده دخلت عناصر من الشرطة المنزل ولم يتركوا أيّ جهاز حاسوب أو أدوات الطيران من ريموت كونترول وغيرها من اللوازم والهواتف كذلك حتى حاسوبي الشخصي الكبير، لدرجة أنهم أخذوا حتى 200 دولار كانت بجيبه وضعتها أنا بنفسي له لشراء بعض مستلزمات نادي الطيران.
حتى الألعاب الصغيرة أخذوها وأشياء أخرى كثيرة لا أتذكرها وما زلت أكتشف فقدانها حتى اليوم. - من المعلوم أن الشهيد كان شخصاً كتوماً ولا يحب الحديث كثيراً.. لكن ما هي المشاريع التي عَمِلَ عليها وكان يودّ تحقيقها بعد مشروع الطائرات بدون طيار "أبابيل" ؟
الشهيد كان شخصاً كتوماً فعلاً, لذلك لم أعرف أين بالضبط بدأ مشروع الطائرات.. ما أعرفه أنّه عند وصولنا إلى تونس أخبرني بتأسيس "نادي الطيران"، مؤكداً أنّه سيكمل مساره الدراسي {نال شهادة الدكتوراه بعد أن توقّف عن الدراسة لفترة 22 سنة} بالإضافة إلى تعليم الشباب.
أمّا عن الغواصات فأنا عرفت متأخرة أنها للمقاومة وللتصدي للعدو وهذا مصدر فخر عظيم, كما أنني أتذكر جيداً أنّ محمد أخبرني مرة أنه بعد الانتهاء من مشروع الغواصات سيستهل مرحلة جديدة وسينكبّ على عمل جديد سيبهر العالم بأسره وكان تلك المرة الوحيدة التي يكشف لي فيها عمّا يدور في مخيّلته حتى أنني ظننته يُمازحني. - ما هي طبيعة هذا المشروع بالذات؟
للأمانة لم يذكر لي تفاصيل أخرى سوى ما ذكرته.. وكان الأمر قبل سنتين ونصف تقريباً حتى أنه بعد أن وجدني مهتمة بمعرفة المزيد قال لي إنها فعلا مجرّد مزحة فقط! - هل كان يشعر بوجود شيء مريب قبل اغتياله بأيام؟ أو هل تلقّى تهديدات مثلاً؟
قبل استشهاده بثلاثة أيام وتحديداً بعد عودته من لبنان كنت أشعر به وكأنه منزعج وحاولت معرفة سبب قلقه لكنه رفض الإفصاح وطوال ذلك اليوم كان يطلّ من الشرفة رغم أنّ الجو كان بارداً جداً في تلك الفترة. - هل تتواصلين مع أهلك في سوريا؟ وهل تطمحين لزياتها قريباً؟
الحمد لله أتواصل معهم بشكل مستمر وتحديداً منذ الأشهر الأربعة الأخيرة بالذات.. لكن عبر تسجيلات صوتية فقط.
إن شاء الله سوف أزورهم حين أستطيع لكن ليس خلال هذه الفترة فحتى جواز سفري السوري انتهت صلاحياته منذ ستة أشهر, ولكنني لا أنوي الاستقرار في سوريا لانني سبحان الله أشعر براحة كبيرة في تونس بلد زوجي ولن أغادرها. - الملاحظ أنّ الشارع التونسي يقابل اسم الشهيد باحترام وإعجاب وتقدير.. كيف تصفين لنا علاقتك بأهل تونس؟
الحمد لله في أي مكان أذهب إليه الكل يتحدث عن الشهيد محمد الزواري بفخر واعتزاز كونه ينتمي لبلدهم وضحّى بحياته من أجل فلسطين وأشكرهم على حبّهم والدليل تلك المسيرة المليونية التي خرجت من أجل الشهيد, وقبل أيام قليلة فقط كانت هنا مسيرة أخرى، صحيح أنها ليست بنفس الكم لكنني أشكرهم وكل من ساهم في إحياء الذكرى الأولى لاستشهاده.
وصلتني تهديدات تطالب بإغلاق ملف الشهيد
- ما هي الرسالة التي توجهها السيدة ماجدة صالح للحكومة التونسية والشعب التونسي؟
أطلب من الحكومة ألا تغلق ملف استشهاد محمد الزواري وهذا الأهم عندي رغم أنني وصلتني تهديدات تطالبني بالكفّ عن الحديث في الموضوع مما يزكّي الطرح على أنّ هناك سعياً ملموساً لإغلاق الملف وأنا لن أسكت عن ذلك بالطبع.
كما أطالبهم بمنحي الجنسية التونسية لأنها حقي كزوجة لمواطن تونسي حتى قبل أن يكون محمد الزواري شهيداً. - ما هي طبيعة هذه التهديدات؟
قبل عيد الأضحى بعشرة أيام جاءني اتصال نتيجة إصراري الدائم على المطالبة بأنّ قضية محمد الزواري يجب ألا تموت كما أنني أطالب باستعادة كلّ أغراضه من حواسيب وهواتف وطائرة كبيرة تعمل بالوقود ولوازم أخرى, بعد مطالبتي بذلك فوراً اختفت صفحتي على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك, وبعد أن افتتحت صفحة جديدة وصلني اتصال مفاده أنني لا يجب أن أنشر أي شيء يتعلق بالشهيد محمد الزواري وأنّ ذلك ممنوع, لكنني قمت بالرد عليه بقوة وقلت لن ألتزم بذلك وافعلوا ما شئتم وأنا مستعدة لنيل الشهادة كما نالها زوجي.
المؤكد أنّ هناك من يريد طمس القضية والدليل أن الذكرى الأولى لاستشهاد محمد جرى الاحتفال بها في غزة ومن قبل أهل فلسطين أكثر مما احتفلوا بها هنا وهذا أمر مخجل للغاية.
تصور أنّ لاعب كرة قدم حصل على الجنسية وأنا لازلت أنتظر مع العلم أنني لا أستطيع العودة إلى سوريا لأنّ كل وثائقي محتجزة مع أغراض الشهيد المختفية حتى اللحظة.