ميدانيات ليبيا: معركة طرابلس على الأبواب؟
يزداد الترقّب في ليبيا للتحرّك المتوقّع من قِبل الجيش الوطني على الأرض، باتجاه مدينتي سرت وطرابلس، بحلول السابع عشر من هذا الشهر، وهو موعد نهاية المهلة التي حدّدها قائد الجيش المشير خليفة حفتر للقوى السياسية الليبية للتوافق حول التعديلات المقترحة لاتفاق الصخيرات السياسي. فعلى الرغم من التحرّكات المستمرة للمبعوث الأممي إلى ليبيا، والجلسات السابقة للبرلمان في طبرق لبحث هذه التعديلات، يبدو أن إمكانية تحقيق اختراق سياسي يمهّد لعقد الانتخابات التشريعية والرئاسية في موعدها المقترح في آذار/ مارس المقبل، أبعد بكثير مما كان متوقّعاً.
الحراك السياسي مستمر..ولكن
خلال الفترة من السابع من الشهر الماضي وحتى اليوم، تمّت مجموعة من الزيارات واللقاءات السياسية داخل وخارج ليبيا، في القاهرة، خاض ضبّاط ليبيون الجولة الرابعة من مباحثات توحيد المؤسّسة العسكرية الليبية، والتقى المبعوث الأممي غسان سلامة مع قائد الجيش الوطني خليفة حفتر لمناقشة خطة العمل الأممية في ليبيا وإمكانية إجراء الانتخابات، وهو نفس ما ناقشه مع اللجنة المصرية المعنية بليبيا، ثم قام بعد ذلك بزيارة إلى العاصمة طرابلس، والتقي رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج. شهدت القاهرة كذلك لقاء بين الرئيس المصري ورئيس الحكومة التونسية، تمت فيه مناقشة الوضع الحالي في ليبيا، تلاه لقاء بين السيسي ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج، الذي تباحث أيضاً مع وزير الخارجية المصري. كذلك زار وزير الخارجية الأميركي طرابلس وعقد لقاء مع نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، تلت ذلك زيارة مهمة للسراج إلى الولايات المتحدة، التقى فيها بالرئيس الأميركي ووزيري الدفاع والخارجية، ناقش خلال الزيارة إمكانية الرفع الجزئي للحظر المفروض على شراء ليبيا للسلاح، وخلال الزيارة تقابل قائد الحرس الرئاسي التابع لحكومة الوفاق مع ضباط في وزارة الدفاع الأميركية لبحث تدريب وتسليح الوحدات العسكرية التابعة لرئاسة الأركان العامة الموالية لحكومة الوفاق. لم تغب إيطاليا عن هذه التحرّكات، فزار وزير الداخلية الإيطالي طرابلس والتقى السراج، وتباحث معه حول توسيع المساعدات التي تقدمها إيطاليا لحرس السواحل في ليبيا، وإمكانية إنشاء غرفة عمليات مشتركة لمكافحة التهريب والهجرة غير الشرعية. يُنتظر ان يُعقد خلال هذا الشهر لقاء مرتقب يجمع وزراء خارجية تونس ومصر والجزائر، لبحث مصير الوضع السياسي الليبي.
عمليات درنة وبنغازي مستمرة
في هذه الأثناء، يتواصل استنفار الجيش الوطني الليبي في عدّة مناطق ضد احتمالات شن تنظيم داعش أو مجموعات مسلحة موالية لحكومة الوفاق لهجوم مفاجئ على منطقة الهلال النفطي، فأعلن المنطقة الواقعة جنوب خليج السدرة وحتى منطقة الجبال السود، والتي تشمل كامل الحقول النفطية، منطقة عسكرية مغلقة يمنع الدخول إليها إلا بتصريح. وبدأ في تقوية دفاعاته في مدينة رأس لانوف، وشنت قواته مدعومة بالمروحيات عمليات استطلاع وتمشيط حول مدينتي النوفلية وبن جواد، تم توسيعها بعد ذلك لتصل إلى مسافة 50كم شرقي سرت. استهدفت المروحيات القتالية بغارتين منفصلتين موقعين لتنظيم داعش على بُعد 90 كم جنوبي مدينة هراوة الواقعة جنوبي سرت، ويتزايد النشاط الجوي في هذا النطاق بعد ورود تحذيرات جدية من نشاط للتنظيم في محيط مدينة زوارة الواقعة على الطريق بين مدينة سرت وميناء السدرة.
في درنة وبنغازي، تستمر العمليات القتالية لقوات الجيش، ففي درنة، نفّذت المدفعية ضربات على مناطق الظهر الحمر جنوبي المدينة، ومنطقة نجع بوربيحة. وخاضت القوات اشتباكات متقطّعة مع عناصر مجلس شورى مجاهدي درنة في محيط المدخل الغربي للمدينة، وفي منطقة الظهر الحمر. في بنغازي، حقّقت القوات تقدّماً في عملياتها بآخر محاور تواجد عناصر مجلس شورى ثوار بنغازي وتنظيم أنصار الشريعة في مبانٍ محيطة بالفندق الرئيسي في المدينة في منطقة أخريبيش. في سياق آخر، أنهت قوات الجيش أزمة تواجد وكيل وزارة الداخلية في حكومة الوفاق فرج قعميم في المدينة، بعد أن قام بتسليم نفسه إلى الشرطة العسكرية بعد سلسلة من الأحداث بدأت بمحاولة اغتيال تعرّض لها بسيارة مفخّخة، مروراً بقصف تعرّض له معسكر قوة المهام الخاصة التابعة لوزارة الداخلية بحكومة الوفاق، وصولاً إلى سيطرة الجيش على مقرّه شرقي بنغازي، ومحاصرة مكان إقامته في منطقة برسس. بهذا التطوّر أكّد الجيش الوطني على تنفيذ القرار الذي كان قد أصدره سابقاً قائده خليفة حفتر، بمنع التعامل مع أيّ ممثل او مسؤول تابع لحكومة طرابلس.
انتهت خلال هذه الفترة المواجهات التي كانت قد اندلعت في وقت سابق في مدينة ورشفانة جنوب غرب العاصمة، بسيطرة قوات المنطقة العسكرية الغربية التابعة لحكومة الوفاق على معظم مناطقها ومن بينها مقر اللواء الرابع التابع للجيش الوطني، هذه السيطرة تمت بدعم من قوات كتيبة ثوار طرابلس ومجلس الزنتان العسكري، التي تستمر عملياتها في منطقة الجفارة. على ما يبدو أختار الجيش الوطني عدم الدخول في مواجهة عسكرية مع هذه القوات التي قصفت معسكراته لعدّة أيام، على عكس ما تم في مواجهات مدينة صبراته، لكن يتوقع أن تشهد هذه المدينة عمليات قريبة خاصة وأن قائد الجيش الوطني عقد اجتماعاً مع قائدي اللواء الرابع واللواء السادس والعشرين اللذين يحتفظان بقواتهما في محيط المدينة.
تواجد متزايد لتنظيم داعش
تعدّدت المناطق التي تم رصد نشاط لتنظيم داعش فيها، وهو نشاط يبقى محدوداً جداً لكنه قد يشكّل خطورة خاصة على مناطق الحقول النفطية، التي تعرّض أحداها وهو حقل الغاني الواقع شمالي مدينة زلة، لهجوم مسلح محدود. بشكل عام يتركّز نشاط داعش في المنطقة الواقعة جنوبي الهلال النفطي ومدينة سرت، وتحديداً في النطاق الذي يقع بين مثلث النوفلية – ودان – هراوة. كما ينشط التنظيم في المناطق المحيطة بمدينة بني وليد جنوب غرب طرابلس. خلال هذه الفترة، تم رصد محاولات من التنظيم لاستطلاع منطقة تبعد 70 كم شرقي مدينة سرت، ومنطقة الهيشة الجديدة غربها. بجانب تحرّكات سيّارة في منطقة الحنيوة جنوبي مدينة هراوة، ومنطقة قرزة الواقعة جنوب شرق مدينة بني وليد. كذلك أقام التنظيم عدّة نقاط مؤقتة للتفتيش في منطقة الكيلو 70 على طريق سرت – ودان. قوات عملية البنيان المرصوص المتواجدة في مدينة سرت، ألقت القبض خلال الأيام الماضية على عدد من المشتبه بتعاونهم مع التنظيم داخل المدينة، بجانب ثمانية مسلحين في منطقة جارف الواقعة جنوبي المدينة. كما تعرّض التنظيم لغارتين شنّتهما الطائرات الأميركية من دون طيار يومي 17 و19 من الشهر الماضي على موقعين له قرب بلدة الفقهاء جنوبي مدينة ودان.
هدوء ما يسبق العاصفة
تزايدت خلال الأسابيع الماضية عمليات الاستطلاع الجوّي التي تقوم بها الطائرات الأميركية انطلاقاً من قاعدة سيجونيلا وبانيريلا في صقلية للأجواء الليبية بشكل عام وخاصة مناطق الحدود الليبية مع تونس وجنوبي مدينة نالوت غربي البلاد، وحول مدينة بني وليد، والساحل الشمالي الغربي. حسب التصريحات الأخيرة للمتحدّث باسم الجيش الوطني، فإن المهلة التي حدّدها قائد الجيش للمكوّنات السياسية الليبية تنتهي يوم السابع عشر من هذا الشهر، وأنه على ما يبدو من الصعب جداً إجراء أية عمليات انتخابية في مثل هذه الظروف، بالتالي تتزايد احتمالات اندلاع نزاع عسكري كبير سواء بين قوات الجيش الوطني وقوات حكومة الوفاق، أو بين قوات الجيش الوطني ومجلس شورى مجاهدي درنة. وفي هذا السياق ربما نستطيع أن نضع المفاوضات الحالية بين مصر وروسيا حول الاستخدام المتبادل للأجواء والقواعد الجوية، ففي هذا التوقيت لا يمكن تفسير هذه المفاوضات إلا في خانة الأستعداد لانخراط عسكري جوّي روسي في الميدان الليبي، الذي يشهد توسّعاً واضحاً في أبعاد الدور الروسي فيه منذ استقبال المشير حفتر على متن بوارج البحرية الروسية أمام الساحل الليبي، وصولاً إلى الوساطة الروسية الحالية بين قبائل أوباري وحكومة الوفاق. ربما تنجح الجهود المصرية السياسية، والدور العسكري المُحتمَل لروسيا في معركة درنة، في إيجاد مقاربة ما للوضع السياسي المتأزّم ما بين برلمان طبرق وحكومة طرابلس، لكن في حال عدم نجاحها، سيتحرّك الجيش الوطني من مواقعه شرق وجنوب سرت، و جنوب وغرب العاصمة طرابلس، ليبدأ معركة ستحدّد مستقبل ليبيا خلال السنوات المقبلة.