ميدانيات العراق: ما بين كركوك والقائم
تخوض القوات العراقية المشتركة منذ منتصف الشهر الجاري، مواجهتين مهمتين من الممكن اعتبارهما آخر المواجهات العسكرية الكبيرة المتبقية لهذه القوات على الأراضي العراقية في المدى المنظور.
المواجهة الأولى بدأت باتجاه إقليم كردستان كنتيجة متوقعة لاستفتاء انفصال الإقليم، كان من الواضح أن العمليات التي تم تقسيمها على ثلاث مراحل كان مخططاً لها بشكل وافٍ وشامل منذ فترة طويلة، مما سمح بمباغتة قوات البيشمركة التي وجدت نفسها محاصرة ما بين انقسام داخلي حول جدوى مقاومة تقدم القوات المشتركة، وبين تحركات خفيفة وسريعة لهذه القوات على خط قتالي ممتد من شمالي شرق بعقوبة وحتى شمال الموصل.
بدأت المرحلة الأولى من عمليات هذه المواجهة في السابع عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر الحالي بتقدم للقوات المشتركة باتجاه تازة خرماتو وسيطرتها على مواقع اللواء 102 على تخوم كركوك، ثم بدأت وحدات من الفرقة التاسعة المدرعة والفرقة الخامسة عشر مشاة بجانب قوات الشرطة الاتحادية ومكافحة الإرهاب والحشد الشعبي في اقتحام الهدف الرئيسي لهذه المرحلة وهو مدينة كركوك، وتمكنت في زمن قياسي من إتمام السيطرة على كامل أحيائها بالإضافة إلى بلدتي الدبس وليلان وقاعدة كي1 ومقر الأسايش ومحطة الكهرباء ومعسكر خالد ومطار كركوك ومقر شركة نفط الشمال وحقلي باي حسن وبابا كركار النفطيين، كما سيطرت القوات في هذه المرحلة بعملية خاطفة على قاعدة البيشمرجة في قره تبة شمالي بعقوبة.
في المرحلة الثانية من هذه المواجهة، وسّعت القوات من قوس عملياتها ليمتد من خانقين شمال شرق بعقوبة مروراً بطوز خرماتو جنوب كركوك ومخمور شمال غربها، وصولاً إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة البيشمركة شمالي الموصل في نطاقي سهل نينوى وسنجار. تمكنت القوات خلال أيام من السيطرة على جلولاء وخانقين شمال بعقوبة، ومخمور ومفرق ديبكة وطوز خرماتو، وحققت في سنجار تقدماً مهماً سيطرت فيه على معبر ربيعة الحدودي مع سوريا، كما حققت تقدماً كبيراً في سهل نينوى، حيث سيطرت على مناطق بعشيقة وبحزاني وبطناي وعدة قرى على التخوم الجنوبية لتل أسقف، بجانب أسكي موصل وأسكي كامب وسد الموصل غربي تل أسقف.
في المرحلة الثالثة للعمليات، طورت القوات هجومها بشكل رئيسي على محورين، الأول في اتجاه النواحي المتبقية تحت سيطرة البيشمركة بالمنطقة الشمالية للموصل، وتحديداً زيلكان والقوش والشيخان وفايدة وزمار، والمحور الثاني في اتجاه المحاور الشمالية لكركوك في المحور الأول اقتربت القوات أكثر من التخوم الجنوبية لأربيل بسيطرتها على منطقتي ألتون كوبري وبابا غورو، كما حققت تقدماً شرقي كركوك باتجاه السليمانية بعد دخولها إلى منطقة جمجمال.
في المحور الثاني سيطرت قوات الفرقة الخامسة عشر بشكل كامل على ناحية زمار ومعظم القرى التابعة لها ومنها الجزرونية والعشاري وطبان وبيت الشام وعسلية وباروية، وحققت مكاسب ميدانية في ناحيتي القوش والشيخان.
تتوقف القوات حالياً في قرية المحمودية ومنطقة فيشاخابور شمال دهوك في الأطراف الشمالية الغربية لناحية زمار، وقد دارت اشتباكات هي الأكبر خلال الأيام الماضية في هذا النطاق نظراً لأهمية منطقة فيشاخابور كمعبر وحيد بين تركيا والعراق والممر الذي يتم منه نقل النفط العراقي عبر الأنابيب إلى ميناء جيهان التركي.
توصل الجانبين الكردي والعراقي خلال الساعات الماضية لاتفاق يقضي بالإدارة المشتركة بين الجانبين لعدد من المناطق المتنازع عليها شمالي نينوى في النطاق الفاصل بينها وبين دهوك، وهي سحيلة والقوش وفايدة والشيخان والمحمودية ومقلوبة، وسوف تنتشر القوات العراقية في هذه المناطق بالإضافة إلى منطقتي الكوير والخازر الواقعتين شرقي نينوى وغربي أربيل.
كما تم الاتفاق على إدارة معبري أبراهيم الخليل وفيشاخابور بصورة مشتركة ما بين الحكومة الاتحادية في بغداد والحكومة التركية، وعليه تم رفع العلم العراقي على المعبرين، لتنتهي بذلك المرحلة الثالثة من العملية العراقية في مناطق كردستان بنجاح مهم في احتواء أزمة كانت ستضرب وحدة الأراضي العراقية في الصميم.
المواجهة الثانية التي تخوضها القوات المشتركة هي النزال النهائي مع تنظيم داعش في آخر المناطق التي يسيطر عليها بمحاذاة الشريط الحدودي مع سوريا غربي الأنبار وجنوب غرب الموصل. وتحديداً محيط مدينتي راوة والقائم والنطاق الصحراوي الممتد ما بين القائم وعكاشات باتجاه الجنوب، وما بين القائم ومعبر تل صفوك الحدودي باتجاه الشمال.
انطلقت العمليات باتجاه راوة والقائم على ثلاثة محاور في اليوم السادس والعشرون من الشهر الجاري، بقوات مشتركة متشكلة من قيادتي عمليات الجزيرة والأنبار بجانب وحدات خاصة من شرطة الأنبار والحشد الشعبي انضم لها بعد بدء المعارك فوج من قوات مكافحة الإرهاب وكتائب من الفرقة التاسعة المدرعة.
تقدمت القوات خلال الأيام الماضية من محاور جنوب وجنوب شرق وشرق مركز القائم لعزله عن راوه، وتمكنت قوات المحور الجنوبي من قيادة عمليات الأنبار وفرقة المشاة الثامنة من تطهير ما يقرب من 20 ألف كيلو متر مربع من مساحة صحراء الأنبار والوصول إلى الأطراف الجنوبية للقائم والسيطرة على مناطق عدة مثل الحسينيات وأم الوز وقاعدة سعد الجوية ومحطة السكك الحديدية والمقر السابق لعمليات البادية وجبل ملسوس ومنطقة المعامل والمشاريع ومناطق العكرة والنادرة ومحطة مياه ومراعي السبعين بجانب عدة أودية منها النصر ورزقه وجحيش وعبيد وعزاف وعكاش.
في المحور الجنوبي الشرقي والشرقي سيطرت قوات قيادة عمليات الجزيرة على مناطق النزوة وجباب ومصنعي الأسمنت والفوسفات والعواني ورتاجة والعماري والزلة والطازلية والشيروانية ولهيبة والسعدية بجانب قرية الحصى الواقعة على بعد 14 كم غرب مركز راوه.
خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، باتت المسافة بين قوات المحور الجنوبي وبين مركز القائم 5كم فقط من مركزه، وفي المحور الجنوبي الشرقي تقدمت القوات باتجاه ناحية العبيدي شرقي مركز القائم، وتمكنت من السيطرة على قسميها القديم والجديد، بجانب قرى حسين العلي وأم الولف وأم تينة والخصيم والبرت والجرن والرافدة والصفرة وعفيت، بجانب حقولي غاز عكاز الأول والثاني.
يتوقع استمرار التقدم في هذا المحور باتجاه منطقتي وادي القائم وأبو صالحة، واستئناف التقدم من المحور الشرقي بتحرك مزدوج متزامن باتجاه غرب راوه وشرق القائم، بهدف أساسي وهو عزل القائم عن راوه بشكل كامل.