خلافات داخل الإدارة الأميركية حول اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا

وكالات الاستخبارات الأميركية حذرت صانعي السياسات في واشنطن بأنه في حال عدم اتخاذ أي خطوة لمنع القضاء على القوى المتمردة المعتدلة في سوريا سيدفع بالسعوديين وأطراف أخرى لإرسال عدد كبير من صواريخ الدفاع الجوي إلى الشمال السوري لإسقاط المقاتلات الروسية، بما يعزز فرص حدوث صراع على نطاق أوسع.

البنتاغون كاد يسحب من المفاوضات التي جرت مع موسكو
لا إجماع داخل الإدارة الأميركية على ما يبدو حول اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا. بل إن الاتفاق أحدث خلافاً بين المستوى الدبلوماسي الذي يرى أن الاتفاق يملك فرصاً للنجاح من جهة والعسكري والاستخباراتي اللذين يشككان بالتزام موسكو بالهدنة ويدفعان باتجاه اتخاذ مزيد من الإجراءات "الأكثر إيلاماً" لروسيا.
هذا ما كشفته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية نقلاً عن مسؤولين رفيعي المستوى قالوا للصحيفة إن كلاً من وزير الدفاع أشتون كارتر ورئيس هيئة الأركان المشتركة جوزيف دانفورد ورئيس الاستخبارات المركزية جون برينان عبروا عن وجهات نظر متشددة إزاء الاتفاق.
وقالت الصحيفة إنه في الوقت الذي كانت تتواصل فيه المحادثات وجه الثلاثي المذكور تحذيراً للبيت الأبيض بأن المفاوضات مع روسيا تهدد بتقويض موقف واشنطن تجاه الشركاء الإقليميين في التحالفين اللذين تقودهما سواء ذلك الداعم للمتمردين المعارضين للنظام، أو الآخر الذي يحارب داعش. ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أن "البنتاغون كاد في لحظة ما أن يسحب ممثليه من المفاوضات الجارية بعد إعلان الروس أن التعاون العسكري بين روسيا والولايات المتحدة كان جزءاً من المحادثات المغلقة" مشيرين إلى أن "كارتر انزعج من الادعاءات الروسية خصوصاً وأنه استبعد بشكل صريح مثل هذه النقاشات".  
وتضاربت الأنباء بين من نفى تقديم هؤلاء توصيات رسمية بهذا الشأن إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما ومن تحدث عن توصيات سرية.
ولكن بحسب الصحيفة الأميركية فإن كارتر وبرينان ودانفورد عبروا عن مخاوفهم في اجتماع عقد الأسبوع الماضي في البيت الأبيض وضم كيري ومستشارة الامن القومي سوزان رايس وكبير موظفي البيت الأبيض دنيس ماكدونو. ونقلت عن مسؤول مقرب من كيري إن الأخير اعترف بالتحدي المتمثل بضمان الالتزام الروسي. لكنه أضاف "ان الاتفاق يهدف في جزء منه الى اختبار ما اذا كان يمكن الوثوق بموسكو. وفي حال عدم التزامها عندها ستكون هناك حاجة لبدء البحث بالخطة "ب".  
مسؤولون أميركيون قالوا "إن الحملة العسكرية التي أطلقتها روسيا الخريف الماضي أغضبت وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي ايه" خصوصاً أن الغارات استهدفت بشكل نسبي متمردين معتدلين كانت تقدم لهم الإمداد العسكري بما في ذلك صواريخ مضادة للدروع" لكنهم لفتوا إلى أنه "من غير الواضح ما إذا كان تقديم المزيد من الدعم سيحدث فرقاً في هذه المرحلة نظراً لحجم خسائر المتمردين المدعومين من السي آي اي على الأرض" في الفترة الأخيرة.
الصحيفة لفتت إلى أنه في صلب المناقشات الجارية حجم الثقة التي يجب إيلاؤها للدبلوماسية في هذه المرحلة من "المأساة السورية". وفي هذا السياق أشارت إلى ما قاله وزير الخارجية الأميركي جون كيري امام الكونغرس يوم الثلاثاء بأنه جرت نقاشات داخل الإدارة حول الاستراتيجية التي يجب اعتمادها في حال عدم نجاح المفاوضات مضيفاً أن "بوسع الرئيس اتخاذ تدابير إضافية ضد موسكو". لكن كيري قال أيضاً "إنه الوقت المناسب لرؤية ما إذا كنا سننجح في ذلك أم لا وليس للتكهن بالفشل والحديث عن سلبيات ما يمكننا فعله بعد ذلك".
وبحسب المسؤولين الأميركيين فإن الإدارة الأميركية تبحث إلى جانب توسيع برنامج عمليات "سي آي ايه" في سوريا خيارات أخرى من بينها تقديم دعم استخباراتي للمتمردين المعتدلين من أجل مساعدتهم على الدفاع عن أنفسهم ضد الهجمات الجوية الروسية وربما للقيام بعمليات هجومية أكثر فاعلية وفق المسؤولين. كذلك فإن خياراً آخر تتم مناقشته ويحظى بتأييد واسع وسط مستشاري أوباما يقضي بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على روسيا. لكن مسؤولين رفيعي المستوى شككوا في أن تذهب الدول الأوروبية في هذا الاتجاه نظراً للأهمية التي توليها للتجارة مع روسيا. وقال مسؤولون شاركوا في النقاشات الجارية إنه من غير الواضح ما اذا كان أوباما سيدعم توسيع برنامج وكالة الاستخبارات المركزية. علماً أن رايس وماكدونو ومسؤولين آخرين في الأمن القومي كان شككوا في الماضي بجهود الـ"سي آي اي".
وحذرت الانتقادات الصادرة عن البيت الأبيض من أن هذا الدعم المفتوح للمتمردين يمكن أن يجر الولايات المتحدة أكثر إلى داخل الصراع في ظل فرص قليلة للنجاح طالما تصر موسكو على زيادة دعمها للأسد.  
مسؤولون حاليون وسابقون كشفوا أن اوباما كان مستعداً في 2013 لإعطاء الضوء الأخضر للبرنامج السري في سوريا لأن من شأن ذلك في مكان ما أن يمنح الـ"سي آي اي" نفوذاً على العمليات التي يقودها الشركاء الإقليميون بما في ذلك الاستخبارات السعودية والتركية من أجل منعها على سبيل المثال من إدخال أسلحة مضادة للطائرات إلى أرض المعركة خشية وقوعها في أيدي الإرهابيين واستخدامها ضد طائرات تجارية.
لكن وكالات الاستخبارات الأميركية وفق "وول ستريت جورنال" حذرت صانعي السياسات في واشنطن بأنه في حال عدم اتخاذ أي خطوة لمنع القضاء على القوى المتمردة المعتدلة في الهجوم الذي تدعمه روسيا سيجعل السعوديين أو مجموعات أخرى يتمايزون عن واشنطن من خلال إرسال عدد كبير من صواريخ الدفاع الجوي المحمولة على الكتف إلى الشمال السوري لإسقاط المقاتلات الروسية، بما يعزز فرص حدوث صراع على نطاق أوسع.   

اخترنا لك