الفردوس الأوروبي حلم أم وهم؟ طريق علي الى ألمانيا

علي رضا مواطن سوري من مدينة حلب عاش تجربة اللجوء عن طريق البحر يروي لنا تفاصيل الرحلة.

علي في الطريق إلى ألمانيا
يقول علي: "بعد أن ازدادت حدّة المعارك في حلب وأصبحت المدينة في حال يرثى لها إنسانياً وأمنياً، قررت أنا وثلاثة من أصدقائي أن نشق طريقنا إلى ألمانيا أملاً بمستقبل أفضل. وهم اكتشفناه فور وصولنا هناك. كانت الطريق تبدأ من لبنان إلى تركيا ومن ثم اليونان. حال وصولنا مدينة بودرم التركية بدأت المفاوضات مع عدد من المهرّبين لنتفق على الطريقة والسعر، فقد كانت الأسعار تختلف حسب خبرة المهرّب والمنطقة التي ستتوجه إليها. طريقة الدفع تختلف أيضا فمنهم من يطلب دفع المبلغ المتفق عليه مباشرة، وهذا عرّض الكثير من اللاجئين لعمليات نصب واحتيال، وآخرون تدفع لهم شرط وصولك إلى المكان المطلوب بطريقة التحويل عبر شبكة من الأشخاص. تبلغ تكلفة الراكب الواحد 1000$ على حد قوله كان عددنا يتجاوز الخمسين وقد انطلقنا في قارب مطاطي يتسع لثلاثين شخصاً يقوده أحد المهاجرين لمدة ساعة. لا يمكن وصف حالتنا في ذلك الوقت، فأصوات بكاء الأطفال لم تتوقف والأمواج التي كانت ترتطم بالقارب تجعلك تشعر للحظة أن كل شيء قد انتهى، ربما دقائق تفصلك عن الموت، وكلمات أغلب من كانوا على القارب كانت: "شو عملت بحالي، شو جابني لهون، كنت متت بين أهلي وبأرضي.""

 

يكمل علي: "بعد وصولنا جزيرة "كوس" في اليونان كان بانتظارنا رجال شرطة اقتادونا فوراً إلى السجن لأن الخيم كانت مليئة بالمهاجرين الوافدين. بقينا مدة أسبوعين نعامَل كالعبيد، كانت أعدادنا هائلة وكانت تقدّم لنا وجبات مقرفة من الطعام، وتم إجبارنا على تقديم طلبات اللجوء من قبل السلطات اليونانية لأنها تتقاضى مبالغ مالية على كل لاجئ كما أخبرنا بعض المهربين. سمحوا لنا بالمغادرة بعد أن أصبحنا لاجئين لديهم ثم أكملنا طريقنا مستقلين الباصات إلى هنغاريا، فمشياً على الأقدام حتى وصلنا بودابست، وبعدها بالقطار الى ميونخ في ألمانيا حيث سلّمنا أنفسنا إلى رجال الشرطة الذين كتبوا بياناتنا ونقلونا الى سكن اللاجئين وهو عبارة عن مخيّم كبير مكتظ بآلاف اللاجئين."

أحلام تكسّرت وخيبة أمل كبيرة

بعد الوصول.. خيبة أمل
خيبة أمل كبيرة كانت بانتظارهم بعد أن تحقق حلم الخلاص المزعوم.

عندما تطأ أقدام اللاجئين السوريين أرض ألمانيا يعتقد بعضهم أن معاناتهم انتهت وأن مرحلة جديدة من الحياة الرغيدة والسعيدة ستبدأ لتعوضهم عما خسروه جراء الحرب في بلادهم أو معاناتهم على قوارب الموت.

بيد أن الصدمات تبدأ بعد أيام قليلة من الوصول. رشا مواطنة سورية تحمل الجنسية الألمانية وتعمل كمتطوعة لمساعدة اللاجئين توضح لنا معاناة اللاجئ السوري على الأراضي الألمانية. تقول إن "أول ما يتعرض له اللاجئ هو مراكز الاستقبال المزدحمة باللاجئين الذين ينتظرون قبول أوراقهم ويدخلون في دوامة المراسلات الورقية والرسائل التي يتلقوها بشكل دائم، والتي غالباً ما تكون غير مترجمة الى العربية، فيتوجب دفع مبلغ من المال ليس بقليل للحصول على مترجم مساعد. عامل آخر للمعاناة هو كثرة طلبات اللجوء من كافة الدول وليس فقط من سوريا، فهناك صوماليون وأفغان وباكستانيون وعراقيون، وطلباتهم تجعل الإجراءات تستغرق وقتا قد يتجاوز ستة أشهر مع احتمال عدم الموافقة عليها. وهناك أيضاً زيارة الطبيب والتواصل معه وهذه معاناة أخرى بسبب حاجز اللغة."

 تتابع رشا: "بعد  الحصول على إقامة مدتها سنتان أو ثلاث، يتوجب على كل شخص تعلم اللغة الألمانية والاندماج في الحياة الألمانية التي تختلف تماماً عن الحياة العربية الشرقية. عدد قليل يستطيع التأقلم مع المجتمع الألماني."

 

ترى رشا أن "إحدى أكبر المشكلات التي تواجه اللاجئين هي الفكر النازي العنصري الذي لا يزال يسيطر على فئة من الألمان الذين يظهرون الحقد والكره للعرب ظناً منهم أنهم سينقلون  الإرهاب والأمراض إلى بلدهم، ما جعلهم يقومون بممارسات ظالمة ضد اللاجئين، كإلقاء قنابل المولوتوف على مناطق تجمع اللاجئين وعرقلة إجراءاتهم في بعض المراكز الحكومية التابعة لهم."

 

وصل علي إلى ألمانيا ولكنه عانى الأمرين، وربما سيعاني أكثر في المقبل من الأيام، وهو اليوم يردد ما يردده أغلب اللاجئين السوريين:

"بلادي وإن جارت عليّ عزيزة، وأهلي وإن ضنوا عليّ كرام." 

اخترنا لك