داعش عند الحدود اللبنانية: حصار وخيارات محدودة
نحو 1500 مسلح من تنظيم داعش ينتظرون مصيرهم على خط سلسلة جبال لبنان الشرقية الحدودية. هذا المصير بات يقع بين خيارين: الموت أو الاستسلام. لا شكّ أن هذين الخيارين عزّزتهما أكثر سيطرة الجيش السوري وحلفائه على تدمر والقريتين السوريتين من جهة، إضافة إلى حصار المسلحين من قبل المقاومة والجيش اللبناني من جهة ثانية.

مسلحو جبهة النصرة الذين يبلغ عددهم 400 مسلح يسيطرون على 50 كلم2 من جرود عرسال اللبنانية. استطاعت النصرة بقيادة أميرها أبو مالك التلي التقدّم باتجاه مراكز داعش في جرود الجراجير وقارة السوريتين، في محاولة لتوسيع نقطة سيطرتها وحمايتها تزامناً مع بداية فصل الربيع، لا سيّما بعد خسارتها لكل التلال المرتفعة في جبال القلمون في الصيف الماضي، إضافة الى هدف المسلحين في استحداث جبهة دفاعية أخرى متقدمة مع داعش. الأخير أصبح يسيطر منفرداً على معبري الزمراني ومرطبية بين جرود القلمون الشمالية وجرود عرسال اللبنانية. هذه السيطرة تهدّد بشكل مستمر اجتياح داعش لمنطقة الملاهي في شمال مدينة عرسال والتي تضم أربعة مخيمات للنازحين السوريين حيث يقدر عددهم بـ13 الف نازح، معظمهم من أهالي مسلحي النصرة، بينما يتمركز معظم أهالي مسلحي داعش في مخيمات ومنازل مستأجرة داخل عرسال إضافة إلى مخيمات في مشاريع القاع اللبنانية. لا شكّ أن الوقائع الميدانية تغيّرت على مسلحي داعش في الجرود إثر خسارتهم مدينتي تدمر والقريتين في ريف حمص الشرقي والقريبتين من الحدود اللبنانية. إذ ليس بعيداً من القريتين غرباً عبر أتوستراد دمشق - حمص الدولي، كان خط امداد غير أساسي لداعش يمتد باتجاه جرود قارة والجراجير في الأراضي السورية وصولاً الى جرود راس بعلبك والقاع داخل الأراضي اللبنانية. غير أن هذا الخط انقطع بشكل كامل الآن، فيما بقيت بعض جيوب الجرود الحدودية مع لبنان. وكان مسلحو التنظيم في الجرود انتقلوا منها وإليها عبر منطقة البريج وكسارات حسياء وسهل مهين، ومنها الى تدمر والرقة او العكس. عبر هذا الطريق أيضاً، دخل منفذو بعض العمليات الانتحارية في لبنان، حيث وقع آخرها في منطقة برج البراجنة في أكتوبر/ تشرين أول 2015 وفشل آخر قبلها بيوم في جبل محسن شمال لبنان. الانتحاريون نقلهم عبدالسلام الهنداوي المسؤول اللوجستي عن نقل الانتحاريين من الرقة الى لبنان عبر جرود القاع مع متفجراتهم والذي استطاع لاحقاً جهاز أمن المقاومة تعقبه وقتله إثر اشتباكهم معه في منطقة جردية بين حسياء ومهين بريف حمص. وعلى هذه الطريق أيضاً قُتل قائد المجلس العسكري في القصير العميد أبوعرب. الأخير كان قائد فصائل القصير في السلسلة الشرقية وبايع مع مقاتليه المسؤول الشرعي لداعش أبو بلقيس، وبعد مقتله تسلم مكانه قائد كتائب الفاروق سابقاً في القصير موفق الجربان (ابو السوس).
خيارات محدودة
هذه البقعة كانت آخر الأماكن التي يشتبك فيها التنظيمان بعد تحالف تجلى في اقتحام عرسال خلال صيف 2014 وهدنة امتدت حتى صيف 2015. ويسعى أحد التنظيمين الآن إلى إلغاء الآخر في ظل غياب أي هدنة او اتفاق بينهما، إضافة إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى من الطرفين في المعارك الأخيرة الممتدة منذ نحو ثلاثة أشهر. وقد فشلت محاولات أمير جبهة النصرة الشرعي في عرسال مصطفى الحجيري وهيئة علماء القلمون بتهدئة المعارك. ثلاثة خيارات، أقلها سوءاً بالنسبة لداعش قتال جبهة النصرة وإنهائها وكسب مبايعة عدد أكبر من المسلحين، وتأمين خط إمداد مباشر من بلدة عرسال عبر السيطرة على منطقة وادي حميد والملاهي شمال البلدة والضغط عبر ورقة النازحين للحفاظ على مواقعه في جرود رأس بعلبك والقاع وصولاً إلى مرتفع حلمات قارة الاستراتيجي. الخيار الثاني، هو هجوم المسلحين باتجاه الأراضي اللبنانية واقتحام بلدة عرسال. فالمخيمات المتواجدة في عرسال تضم بين النازحين خلايا نائمة على تواصل دائم مع المسلحين في الجرود، وقد تتمّ مهاجمة الجيش اللبناني وتسهيل دخول المسلحين إلى البلدة. لكنه خيار سيكلف التنظيم معركة قاسية وخسائر كبيرة حتى لو تمكن من الدخول إلى البلدة لفترة محدودة، لا سيما مع انتشار الجيش اللبناني في سبعة مواقع تحيط بالبلدة ومداخلها. ويبلغ عدد الجنود اللبنانيين المنتشرين هناك ثلاثة آلاف جندي، بالاضافة إلى انتشار ألفي جندي في جرود بلدات الفاكهة ورأس بعلبك والقاع اللبنانية. أما الخيار الثالث، فهو أشبه بالانتحار، وقد يكون عبر مواجهة المقاومة والجيش اللبناني للدخول إلى ريف القصير عبر مشاريع القاع أو مهاجمة المقاومة والجيش السوري في مرتفعات جوسية والعبودية للدخول أيضاً مدينة القصير وريفها. فمسلحو التنظيم يخبرون طبيعة هذه الأرض جيداً حيث قاتلوا فيها الجيش السوري ثلاث سنوات تحت لواء "الجيش الحر" قبل أن ينهزموا على أيدي الجيش السوري والمقاومة في القصير في صيف 2013. لاحقاً انضموا إلى جبهة النصرة في القلمون وهزموا في معارك بلدات ومدن القلمون في شتاء 2014 ثم استقروا تحت لواء داعش في الجرود. داعش كان أرسل قبل عام أبو وليد السوري من الرقة، وعيّن أبو السوس الذي أصبح لقبه أبو سياف مسؤولاً عسكرياً للتنظيم في هذه الجرود بعد مقتل أبو حسن الفلسطيني خلال اشتباكات مع الجيش اللبناني في آب/ أغسطس 2014، مع الإشارة إلى العدد الأكبر من عناصر التنظيم اليوم يتشكلون من المجموعات التي قاتلت سابقاً في القصير. آنذاك خاض داعش معركة مع المقاومة في مرتفعات النعيمات والسمرمر أدت إلى مقتل حوالي 80 عنصر من التنظيم وجرح أكثر من 100، في محاولة منه للوصول إلى مرتفعات جوسية. ولا يزال هدفه الأشبه بالحلم الدخول إلى مدينة القصير بهدف وصل المدينة بالشمال اللبناني عبر وادي خالد، حيث هناك بيئة حاضنة لا بأس بها للتنظيم في صفوف نازحيه. حلم داعش بوصل عاصمته الرقة السورية بطرابلس اللبنانية انتهى مع سقوط تدمر والقريتين في ريف حمص، ليبقى حلم مسلحيه في الجرود الحدودية الحصول على دروب لمقومات الصمود، لا سيما ان المقاومة اللبنانية توعدت بإنهاء وجود الإرهاب بشكل كامل في السلسلة الشرقية. فماذا لو وضعت هذه البقعة الجغرافية ضمن الأولويات في رزنامة المعارك مع دخول فصل الربيع؟ قد يكون بالتأكيد شتاء من دون داعش ولا جبهة النصرة.