لبنان .. حَراكٌ لم يكتمل
كثرت النقاشات حول ظروف الحراك المدني الذي شهده لبنان صيف عام 2015، والذي بدأ بمطلب حياتيٍّ يقتصر على إنهاء أزمة النفايات المكدسة في الشوارع، ليتدحرج إلى إسقاط الحكومة ومن خلفها النظام الطائفي الذي يسيطر على المشهد اللبناني منذ عشرات السنين. فهل احتوى هذا الحراك عوامل نجاحه؟ أين كانت نقاط ضعفه وما هي الظروف التي صنعته والنتائج التي تحققت من خلاله؟ الميادين نت يحاور ناشطين شاركوا في هذا الحراك منذ بداياته، حتى انكفائه عن التواجد في الساحات.
-
-
الكاتب: رأفت حرب
- 3 حزيران 2016
لنجاح الحراك عوامل لم تكتمل
يُقال في علم السياسة، "إنّ أي ثورة أو حراك احتجاجي ضد النظام
الحاكم، عليه أن يمتلك ثلاثة عوامل أساسية لتكون إمكانية نجاحه حقيقية: القائد،
البرنامج السياسي البديل، الغطاء الشعبي".
بين هذه العوامل الثلاثة، كثرت النقاشات حول ظروف الحراك المدني الذي شهدته
بيروت صيف عام 2015، والذي بدأ بمطلب حياتيٍّ يقتصر على إنهاء أزمة النفايات
المكدسة في الشوارع، ليتدحرج إلى إسقاط الحكومة ومن خلفها النظام الطائفي الذي
يسيطر على المشهد اللبناني منذ عشرات السنين. فهل احتوى هذا الحراك هذه العوامل
الثلاثة؟ أين كانت نقاط ضعفه التي منعته من تحقيق أهداف مهمة على الصعيد السياسي
والإجتماعي؟ وما هي الظروف التي صنعته والنتائج التي تحققت من خلاله؟ الميادين نت
يحاور ناشطين شاركوا في هذا الحراك منذ بداياته، حتى انكفائه عن التواجد في
الساحات.
سحر غدار، ناشطة مدنية شاركت في بدايات الحراك المدني في بيروت، تقول
"إن المبادرة كانت عفوية في بداية، لكن الأهداف تدحرجت شيئاً فشيئاً لتطال
قضايا كثيرة أكبر من قدرة الحراك على استيعابها وملاحقاتها والعمل الجدي لتحقيقها.
وتضيف سحر "بدأنا مع جمعيات بيئية وهيئات طلابية مع مطالب محددة وواضحة،
كقضية النفايات، ثم انتقلنا إلى حق إعطاء الأم اللبنانية الجنسية لزوجها وأبنائها،
ثم قانون الإنتخاب.. هكذا صارت تكبر الشعارات وتتنافس الجهات المنظمة على قيادة
الحراك، وهنا أهم النقاط التي أثرت سلبياً على المجهود الشعبي الكبير الذي بُذِل، فالحراك
المدني يقتضي التضحية لأجل تحقيق الأهداف لا حب الظهور والعراضات الإعلامية".
أما عن الشبهات التي حامت حول بعض منظمي الحراك، فتشير سحر إليها وتقول
"حين نعلم أنّ لدى بعض المنظمين علاقات واضحة مع السفارة الأميركية في عوكر
ومدرَّبون في تركيا على قيادة التحركات الشعبية على الأرض، أنا وكثر ممن كانوا في
التحركات الأولى شعرنا أننا لا نستطيع أن نستمر وأن يقودنا أشخاص لهم ارتباطات
تخرجهم من دائرة الثقة عند شريحة جماهيرية كبيرة، فقررنا الإنسحاب".
أما طارق ملّاح، وهو من أبرز الناشطين المؤسسين للحراك المدني، والذي احتل
مساحة إعلامية كبيرة على الفضائيات كونه أول ناشط يتم اعتقاله من قبل القوى
الأمنية اللبنانية لرميه أكياس نفايات على موكب أحد الوزراء، فيؤكد أن كلّ ناشط
أدى دوراً في التأسيس للحراك، كانت له قضيته الخاصة إضافة إلى النفايات في الشوارع
والهموم الجماعية والإحتجاج الشعبي العام على الفراغ المؤسساتي والفساد المستشري
والطائفية التي تضرب أسس الديمقراطية. يقول ملاح "في البداية كنا سبعة أشخاص
وكانت العناصر الإعلامية التي تواكبنا أكثر منا، كنت أحمل قضية اغتصاب الأطفال
الأيتام التي لطالما تكلمت عنها في الإعلام. نزلت إلى الشارع لإيصال هذه الصرخة
ومحاولة التغيير في وضع بات الجميع يئن منه".
وعن نقاط ضعف التي حرمت الحراك من تحقيق أهدافه، قال ملاح "شعرت في
كثير من الأحيان أن رؤية شخصية لبعض المنظمين تُفرض على الناس، بدون الأخذ بعين الاعتبار
المطالب الحقيقية للمشاركين في الاحتجاجات. حب الظهور والرغبة بالهيمنة على
الحراك، والمبادرة بقرارات شخصية بحجم اقتحام مؤسسات رسمية هو ما بدأ يبعدني عن
المجموعة التي كنت أنتمي لها. للأسف بعض المحسوبين على الحراك المدني هم أكثر
فساداً من السلطة الحالية، لقد رأيت بعيني كيف يقوم بعض قادة الحراك بتوجيه الناس
للهجوم وتحريضهم على القوى الأمنية فيما هم ينسحبون إلى الخلف لنراهم بعدها على
الكاميرات. أظنّ أنّ من يقود هكذا تحركات يجب أن يكون في الصفوف الأمامية لا أن
يهرب ويترك المتظاهرين يتعرضون للضرب والقنابل المسيلة للدموع".
وعن الإشاعات التي روجت لها بعض المنابر الإعلامية يقول ملاح "قالوا إننا
ننتمي إلى سرايا المقاومة وهو أمر عارٍ تماماً عن الصحة، اختلقوا الإتهامات وساهم
بعض الإعلام بهذا الأمر ليضربوا مصداقيتنا أمام الناس ويُفشلوا الحراك".
وعن توقيفه والضغوط النفسية التي مورست عليه عند توقيفه يؤكد طارق ملاح
أنّه "مُنِع من الإتصال بمحاميه كما مُنِعَ حتى من إبلاغ أقربائه أنه موقوف"
مضيفاً "قيل لي إن الوزير مات وأنا
السبب في ذلك، إستعملوا الكثير من الأساليب غير المقبولة ضدي في حين أنني كنت أطالب
بقضايا محقة تعني كل المواطنين".
ضاع الحراك بين مطالب الحملات المختلفة التي قادته
تؤكد زينة إبراهيم، الناشطة في الحراك، كلام طارق ملاح عن تحريض
بعض المنظمين للجمهور على اقتحام السواتر الأمنية وتراجعهم بعدها إلى الخلف، وتقول
"إنّ ما دفعها للنزول إلى الشارع هو خوفها على مستقبل ابنها المجهول في وطن
تحكمه طبقة سياسية عاجزة عن تأمين الكثير من مستلزمات العيش الكريم" بحسب
تعبيرها.
وعن التشرذم والسلوك العدائي الذي ساد الحملات التي انضوت تحت راية الحراك
المدني تقول زينة "في إحدى جلسات المناقشة التي كان يحضرها الوزير السابق
شربل نحاس، وحين كان يتم تبادل وجهات النظر حول الخطوات المقبلة، توجه أحد أهم
رموز الحراك في إحدى أهم الحملات بكلام قاس لنحاس قائلاً له إننا نعلم ماذا نفعل
ولا نطلب رأيك، فما كان من الأخير إلا أن انسحب من الجلسة".
أما مايا مالكاني، الناشطة التي فقدت البصر في إحدى عينيها أثناء تصويرها احتجاجات
أمام شركة سوكلين، فترى أسباباً عدة أدت إلى تراجع الحراك، منها الإستعمال المفرط
للقوة من قبل السلطة، فحسب ما تروي "إنّ الكثير من الفتيات اللواتي تعرضن
للضرب قررن أن يتوقفن عن أنشطتهن بعد ذلك".
وعمّا تعرضت له تقول "بعدما اعتدى عليّ أحد حرّاس شركة سوكلين، قدمت
كل ما يلزم للقضاء ليقوم بتوقيفه ويأخذ الإجراءات القانونية اللازمة، قدمت لهم
معلومات لم يعملوا لجمعها مع أنهم كانوا قادرين على ذلك، لقد شعرت بالكثير من
اللامبالاة وتجنب الدخول في مواجهة قانونية مع شركة سوكلين والقيمين عليها".
تشير إلى أن "وسام بليق الذي قُتل برصاص غادر قامت الأجهزة الأمنية بتحديد
المتهم بقتله خلال 21 ساعة. أما أنا فاستغرق الأمر 21 يوماً لإلقاء القبض على من
آعتدى عليّ، بالرغم من أنني قدمت لهم صورته واسمه والفيديو الذي يظهره وهو يضربني،
ولم يقم القضاء بواجبه إلا بعد أن قلت للمدعي العام أنني سأتحدث إلى الإعلام عن كل
المماطلة التي ينتهجها القضاء في قضيتي".
أما حسين طليس، وهو صحافي نشط في الحراك منذ بداياته، فيشير إلى نقاط ضعف عدة
نالت من هيبة وصدقية الحراك. يرى طليس أن الحراك كان ينقصه قادة سياسيون ذوو خبرة،
كما أنّ الكثيرين من المنظمين لم يستطيعوا أن يتفهموا جميع الشرائح المشاركة في
الساحات، فبعد أن تمت دعوة كل الشرائح للنزول إلى الشارع، راح البعض يصف الطبقة
الفقيرة بالمندسين.
أما عن الإختلاف في الرؤية، فيؤكد طليس "أنّ إحدى أهم نقاط الإختلاف
بين الحملات هي أنّ هناك حملة أساسية تريد التركيز على موضوع النفايات، وحملة أخرى
تريد إسقاط النظام الطائفي". ويتابع طليس قائلاً "كان يمكن تظهير خطة
الوزير أكرم شهيب، السيئة لكن الواقعية وأفضل الممكن، بأنها انتصار للحراك، لكننا
بقينا نرفض كل الإقتراحات والناس نفد صبرها وتريد التخلص من النفايات المكدسة على
الطرقات. تكاثرت الشعارات والمطالب وافترقنا خلف الأهداف المحقة، أذكر مثلاً أن
إحدى الحملات كانت تريد إسقاط النظام في سوريا".
يجمع كل النشطاء أنّ الحراك كانت له آثار إيجابية، برزت في الإنتخابات البلدية،
حيث تم اختراق بعض اللوائح المدعومة من أحزاب الطبقة السياسية كما تراجع رصيد هذه
الأحزاب في مناطق مهمة كالعاصمة بيروت مثلاً، إلا أنّ طريق كل حراك لمواجهة الفساد
في لبنان ما زال طويلاً وشاقاً.