سياسة الحرب في الفلوجة

الفلوجة ليست أصعب من هيت أو الرمادي، لكنها أخطر منهما. عسكرياً وسياسياً هي قلب التنظيم وقبله القاعدة ومركز شرعييه ولب صراع نموذجي يماثل الموصل والرقة. وخلا الرمزية فهي مدينة تشابه مدناً عدة تقرر سياسياً أن تتحرر من داعش وتحررت. لكنها الفلوجة أيضاً بوزنها، فالناجح في حربها كسب جولة قد تكون أول رد فعل بوزن الانهيار الأمني. ومن هنا تكون حركة السلحفاة أفضل كما يقدر الميدانيون في جهاز مكافحة الإرهاب على أي حسابات عسكرية أخرى.

من حي الشهداء الثانية في الفلوجة بعد دخول القوات العراقية
سباق في علوم الحرب داخل الفلوجة. من يقود القوات هناك ومن يحاول عرقلتها في سباق يحاول طرفاه سحب أحدهما الآخر لأسلوب وتكتيك حرب وفقه قتال. عمر عبد الله ذياب شاءت الأقدار أن يقود معركة الفلوجة بزي وفكر لم يكن ليمت بصلة لزي وفكر وعلم خبره في الكلية العسكرية ببغداد. يطلب تجهيز الانتحاريين وينغمس في خطط أساسها الكمائن والمعرقلات لقوات كسرت حزام دفاعاته في محيط المدينة وباشرت دخولها. فكرة النجاح لدخول الفلوجة ترتبط بقلب الحسابات وعكسها، والسير على غير المتوقع. سياسة قتال جديدة تأخذ حيزاً بقدر التدريب والسلاح النوعي وغطاء الأرض من مقاتلين.

كأنما يطلب شاياً، هكذا تتسمر أنت وعلامات التعجب تتسابق وضحكة ألم على وجهك عندما تسمع نداء من مسؤول داعش داخل الفلوجة "جهّز لي سيارة مفخخة وأحد الأخوة للتنفيذ". هي إذاً حرب الكمائن كما يريد داعش داخل الفلوجة وحرب الأعصاب والتخلص منها كما تسير خطط القوات العراقية. فكرة التنظيم في داخل الفلوجة أنه لن يُقدم على المهاجمة بل يكتفي بالإعاقة عبر القذائف وحقول الألغام والانتحاريين، وقادة الميدان في جهاز مكافحة الإرهاب يخططون للتقدم عبر طرق التفافية والتخلص من الكمائن. هنا تكمن سياسة الحرب الجديدة التي توضع خططها آنياً وفق متطلبات المواجهة وتحديثاً ميدانياً وفقاً لما يفرض في الحرب. لكن الثابت أن كلا الطرفين يريد للآخر أن يحارب تبعاً لأسلوب خصمه.

في المواجهة داعش ليس قياساً عسكرياً ضمن حسابات الدهاء قدر اعتماده على تلغيم الأرض، لكنه وفقاً للحسابات العسكرية لا يقاتل تقليدياً خلا عندما يحاصر أفراده في منطقة ما. لكنه أيضاً خارق إعلامياً بفارق أكبر من الميدان، ولأنه يسند ظهراً لمعركة إعلامية وتراب عواصف سياسية توظف لصالحه، فقد رُفع عنه هم عسكري كبير لن ينفع معه انفعال في الميدان، بقدر التركيز على مواجهته واجتياز عقبة المدنيين والدخول لقلب مدينة لا يزال الرهان على كسر العظم فيها بحجم رمزيتها.

جهاز مكافحة الإرهاب يخطط للتقدم عبر طرق التفافية والتخلص من الكمائن
الفلوجة ليست أصعب من هيت أو الرمادي، لكنها أخطر منهما. عسكرياً وسياسياً هي قلب التنظيم وقبله القاعدة ومركز شرعييه ولب صراع نموذجي يماثل الموصل والرقة. وخلا الرمزية فهي مدينة تشابه مدناً عدة تقرر سياسياً أن تتحرر من داعش وتحررت. لكنها الفلوجة أيضاً بوزنها، فالناجح في حربها كسب جولة قد تكون أول رد فعل بوزن الانهيار الأمني، هذا في الجانب الرمزي فقط. ومن هنا تكون حركة السلحفاة أفضل كما يقدر الميدانيون في جهاز مكافحة الإرهاب على أي حسابات عسكرية أخرى.

فمائة كيلومتر مربع داخل الفلوجة ومن أصعب محاورها من غير المقبول فيها التراجع خطوة أو العودة لأسلوب كر وفر. لأن الدومينو المنهار أكثر لعبة أتقنها داعش في احتلاله الأرض. وعلى هذا الأساس فقط تتحرك القوات، والهم الأكبر سيزول بمجرد الوصول إلى مركز المدينة. لأن قطعة الدومينو الأولى وركلها حين الوصول للمركز ستكون بيد القوات المحررة لكن ما يسبق الوصول هو الجزء الأصعب. فهنا حرب الأزقة، وهنا داعش يعلم أن خسارته المدينة مسألة وقت، وهنا القتال قتال بقاء ومعمعة وجود للحصول على جائزة الفلوجة التي فرضت على الأميركيين أن ينسّلوا عبر بوابات عراقية عدة للمشاركة في صناعة بصمتها، وإن أبدوا الملاحظات على الخطة العراقية للتحرير. حرب بلا قواعد ومعها تنسى أساليب الحرب وكراريس العلوم الحربية ببساطة عند بوابة الدخول إلى الميدان في أصعب محاور التحرير حيث جنوب الفلوجة.

في الفلوجة حرب وسياسة. سياسة فرضت على بغداد أن تحسم وجهة البوصلة صوب تحرير عقدة غرب العاصمة وسياسة فرضت على بغداد توزيع الأدوار في الحرب بين جيش وحشد وعشائر ومدنيين ودور أميركي. وميدان الفلوجة لا يعترف بقواعد اللعب أياً كانت المدرسة وأيا كانت العقيدة العسكرية حتى لمن كان يوماً رفيقاً لمسؤول داعش العسكري في الفلوجة عمر عبد الله ذياب في مقاعد الدراسة العسكرية وفهم أسلوبه. وبين السياسة والميدان غبار ومؤامرات وتخريب وتخوين وداخل يتحين الفرص، وخارج عند افتراض حُسن النوايا فهو في موقف غامض. ولا ينجح من يسبح بين هذه الملفات إلا من أتقن سياسة فريدة قد تكون درساً بعد التحرير، لأنها قد تقدم نموذجاً لم يعهده ميدان بعد.

اخترنا لك