همدان مقابل أنجرليك

تكتسب قاعدة همدان الإيرانية أهمية كبيرة في دعم الجهود الروسية لمحاربة تنظيمي النصرة وداعش فيما تتميز قاعدة إنجرليك بقربها من الحدود السورية وبتاريخها الطويل مع القوات الأميركية وقوات الناتو.

تقطع القاذفات الروسيّة حالياً مسافة لا تتجاوز 700 كيلومتر للوصول إلى أهدافها في سوريا في أقل من 30 دقيقة
ضجت وسائل الإعلام بإعلان وزراة الدفاع الروسية عن قيام طائرات روسية حربية ضخمة بقصف مواقع تنظيمي النصرة وداعش في سوريا انطلاقاً من همدان.

نحو نصف ساعة فقط صارت تفصل القاذفات الإستراتيجية الروسية من مركز انطلاقها في إيران إلى الجبهات السورية الواسعة. علّق الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني على الأمر قائلاً " التعاون الإيراني ـ الروسي في محاربة الإرهاب في سوريا تعاونٌ استراتيجي، ونحن نشارك بإمكانياتنا ومنشآتنا في هذا المجال".

أهمية قاعدة همدان الإيرانية

تقع قاعدة همدان في غرب إيران وعلى بعد 47 كلم من محافظة همدان، وتعتبر مناسبة لإقلاع وهبوط الطائرات الحربية الضخمة أو الاستراتيجية. كما تُسمّى هذه القاعدة بـ"قاعدة نوجي" تكريماً للنقيب محمد نوجي وهو أول طيّار محارب من القوات الجوية الإيرانية يقتل في مهام قتالية.

السبب الأول الذي دفع روسيا إلى طلب استخدام قاعدة همدان لتنفيذ العمليات ضد الإرهابيين في سوريا، يكمن في أن استخدام البنية التحتية العسكرية الإيرانية يتيح الفرصة لتقليص زمن تحليق الطائرات الحربية الروسية بنسبة 55 – 60%.

من الناحية التقنية، يوفّر استخدام القاذفات الروسيّة الاستراتيجية، "تو-22 إم 3" و"سو-34" لمطار همدان،امتيازات عسكرية وتكتيكية عدة.

كانت القاذفات الروسيّة تقلع من مطار موزدوك في جمهورية أوسيتيا الشمالية جنوب روسيا، لتقطع مساراً متعرّجاً يمتدّ لحوالي 3000 كيلومتر، فتستغرق ساعتين تتضمّنها عملية التزوّد بالوقود في الجو أو الهبوط في إيران للتزوّد بالوقود في طريق العودة. في المقابل، تقطع القاذفات الروسيّة حالياً مسافة لا تتجاوز 700 كيلومتر للوصول إلى أهدافها في سوريا في أقل من 30 دقيقة، ما يتيح استهداف قوافل المسلحين وتحرّكاتهم بصورة آنية.

تقليص المدة الزمنية بين رصد الهدف واستهدافه يزيد من فرصة تدميره بشكل كامل، لاسيّما الأهداف المتحركة كقوافل المسلحين والأسلحة أو صهاريج النفط المهرّب.

نصف ساعة من التحليق فقط من شأنه أن يقلل من حجم الوقود المستخدم، وهذا يعني عدداً إضافياً من القنابل والصواريخ التي يتحملها القاذفات على متنها.

أمنياً، يرى خبراء عسكريون أن استخدام قاعدة همدان الإيرانية يضمن مزيداً من الأمن للطائرات الروسية أثناء قيامها بعمليات الإقلاع والهبوط، مقارنة بقاعدة حميميم التي تقع، خلافاً لقاعدة همدان، في مكانٍ قريب من مسرح الأعمال القتالية ومواقع الإرهابيين.

هذه هي المرّة الأولى التي تسمح فيها طهران لطائرات أجنبية مقاتلة باستخدام منشآتها العسكرية منذ الثورة الإسلاميّة عام 1979.

تاريخ العلاقة بين روسيا وإيران

عام 1941 ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، بدأ كل من الاتحاد السوفياتي وبريطانيا غزواً غير معلن، متجاهلين نداء إيران بالحياد.

في 1945- 1946، أيد القادة السوفيات حكومة أذربيجان الشعية وجمهورية مهاباد، وكانت الجهود الأخيرة لروسيا السوفياتية من أجل تأسيس نظام شيوعي في إيران.

عام 1979، كان الإتحاد السوفياتي أول دولة تعترف بالجمهورية الإسلامية في إيران، إلا أنه زود صدام حسين بالأسلحة التقليدية في الحرب العراقية على إيران التي دامت ثماني سنوات.

بعد انتهاء هذه الحرب وسقوط الاتحاد السوفياتي، شهدت العلاقات بين طهران وموسكو تقدماً مفاجئا في العلاقات الدبلوماسية والتجارية، لتبدأ بعدها إيران بشراء السلاح الروسي.

وبحلول منتصف 1990، كانت روسيا قد وافقت بالفعل على مواصلة العمل على تطوير البرنامج النووي الإيراني، مع وجود خطط للانتهاء من بناء محطة بوشهر النووية.           

يظهر مع الوقت أنّ العلاقات الروسية – الإيرانية صارت تنحو منحى أكثر استراتيجية مما يظن البعض. بلغ حجم المشتريات الإيرانية من السلاح الروسي في الفترة ما بين 1991 – 2015، 304 مليارات دولار. 

قاعدة إنجرليك

تبعد أنجرليك سوى 100 كيلومتر من الحدود السورية
في الصحافة كلام حول إمكانية سماح السلطات التركية للسلاح الجوي الروسي باستخدام قاعدة أنجرليك الجوية لتنفيذ ضربات على مواقع النصرة وداعش في سوريا. مولود جاويش أوغلو، وزير الخارجية التركي، صرّح لقناة "تي آر تي" التركية في تموز/ يوليو "إننا سنتعاون مع كل من يحارب داعش. إننا ننخرط في هذه المعركة منذ البداية، وقد فتحنا قاعدة إنجرليك أمام أولئك الذين يريدون المشاركة في هذه المعركة بنشاط. فما الذي يمنعنا من التعاون مع روسيا بالصيغة نفسها؟ فداعش يُعدّ عدوّاً مشتركاً لجميعنا، وعلينا محاربته سوية".

كما أضاف أوغلو أن مثل هذا التعاون مهم للغاية فيما يخص الجهود المبذولة للحيلولة دون وقوع "حوادث غير مرغوب فيها"، في إشارة إلى حادثة إسقاط قاذفة روسية من قبل سلاح الجو التركي في سماء سوريا يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

لكن جاويش أوغلو عاد ليتراجع عن كلامه خلال اجتماع للحكومة التركية قائلاً "يمكننا أن نتعاون مع روسيا في محاربة تنظيم "داعش"، لكنني لم أقل شيئا عن استخدام الطائرات الروسية لقاعدة انجرليك".

تقع قاعدة إنجرليك في مدينة أضنة في تركيا، العضو في حلف الناتو، وتسخدمها حالياً قوات التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لقصف مواقع داعش في سوريا والعراق، وذلك منذ تموز/يوليو 2015، بعد 3 أيام من هجوم دام شنه التنظيم المتطرف داخل تركيا وأسفر عن سقوط 33 قتيلاً.

ويسهّل موقع القاعدة المهام أمام الطائرات التي تقلع منها، فهي قريبة من روسيا وجاهزة لهبوط وإقلاع القاذفات الاستراتيجية، كما لا تبعد أنجرليك سوى 100 كيلومتر من الحدود السورية، ونحو 30 كيلومتراً من البحر الأبيض المتوسط.

إستخدمت الولايات المتحدة هذه القاعدة الجوية كمخزن وقاعدة تعبئة للقوات الأميركية في الشرق الأوسط، وكان لها دور مهم في حرب الخليج عام 1991. 

وتقدّم الوحدة 93 المتمركزة في قاعدة إنجرليك دعما عملياتيا، وإداريا، ولوجستيا وطبيا للقوات الأميركية الموجودة في 5 مناطق في تركيا، وكذلك القوات الأميركية الموجودة في 24 موقعا آخر في المنطقة، وتشرف بالإضافة إلى ذلك على أكبر مخزون للأسلحة الحربية التابعة للقوات الجوية الموجودة في الخارج. 

تضم قاعدة إنجرليك مرافق وتجهيزات لتنفيذ العمليات الجوية التكتيكية ومرافق لتدريب الأطقم الجوية، وتعزيز مستوى الاستعداد القتالي، تستفيد منها مختلف وحدات الناتو في تركيا والمنطقة، وقد وافقت تركيا على استخدام الولايات المتحدة القاعدة لضرب أهداف في العراق، بعد أن كانت ترفض هذا الأمر طوال الفترة الماضية، حيث كان من أهم شروط تركيا هو تعاون الولايات المتحدة معها في إقامة منطقة عازلة إذا تعرّض أمن تركيا القومي للخطر.

اخترنا لك