العيد الكبير في سوريا... ضحايا لا أضحيات
معظم البلاد العربية تعاني من أوضاع دامية يختلط فيها القتل والتهجير والدمار، إلا أن سوريا تأتي في مقدمة من يعانون من المأساة، فماذا بقي من العيد هنا؟
-
-
الكاتب: مريم زم
-
المصدر: الميادين نت
- 12 أيلول 2016
ماذا بقي من العيد في سوريا؟
اختلف الأضحى كثيراً في سوريا منذ بداية
الأحداث عام 2011، فهو كغيره من المناسبات التي فقد السوريون رهجتها تدريجياً. فمع
حلول العيد باتت تثقل كاهل المواطنين مسؤوليات وواجبات هم وإن حاولوا الاختصار
منها، إلا أنهم لا يستطيعون إلغاءها. يعتبر "العيد الكبير" من أهم
الشعائر الدينية التي يحتفل بها المسلمون في جميع أنحاء العالم، وفق طقوس وعادات
مشتركة من أهمها حج بيت الله الحرام، ذبح الأضاحي، تحضير الحلويات وشراء الملابس
الجديدة.
ومع أن معظم البلاد العربية تعاني من
أوضاع دامية يختلط فيها القتل والتهجير والدمار، إلا أن سوريا تأتي في مقدمة من
يعانون من المأساة، فماذا بقي من العيد هنا؟
جرت العادة أن يضحي السوريون بالخراف
ويقيمون المآدب مع العائلة والأصدقاء في أول أيام العيد المبارك، وقد يختلف البعض
في عدد الأضاحي حسب إمكانياتهم، فمنهم من يذبح أكثر من خروف وعجل ورأس ماعز،
لزيادة الكمية وتوزيع الفائض على الفقراء والمحتاجين. لكن ارتفاع الاسعار غير المعقول وخاصة
خلال العامين الماضيين، اضطر الكثيرين للاقتصاد رغماً عنهم، فالأسر التي كانت تعمد
إلى ذبح أكثر من رأس من الماشية باتت تكتفي بنوع واحد فقط، والبعض الآخر اقتصرت
أضحيته على خروف واحد، وغيرهم اعتمد الدجاج بدلاً من الخراف نظراً لضيق الحال.
محمد وهو "أحد المضحين" يصف
الأسعار بأنها "جهنم حمراء" حيث يتراوح سعر الخروف الذي يمكن التضحية به
بين 70 ومئة ألف ليرة سورية ويختلف سعره بحسب وزنه، بينما يتراوح سعر العجل بين
150 و300 ألفاً. فمثلاً العجل الذي يبلغ وزنه 150 كلغ، أصبح سعره 300 ألف ليرة
سورية.
ويشير محمد الى أن أسعار الأضاحي ترتفع
كل عام مع اقتراب عيد الاضحى المبارك، وهي عادة سنوية لتجار الأغنام واللحامين حتى
قبل الحرب في البلاد، حيث يبدأ الارتفاع تدريجياً ليصل الى ذروته صبيحة يوم العيد،
مضيفاَ أن "الأغنام كانت متوفرة في العالم الماضي أكثر منها الآن".
الحاج صلاح، تاجر أغنام، هو يرى أن
الارتفاع في السعر يعود الى قلة عدد المواشي الموجودة في الأسواق، وارتفاع سعر صرف
الدولار، إضافة الى أجور النقل من المحافظات الأخرى، والفوضى الحاصلة في تجارة هذه
المواشي، وهو أمر لا تستطيع الرقابة التموينية السيطرة عليه لأنه عبارة عن علاقة
بين التاجر والمواطن الذي يشتري الأضحية.
وقد أدى اشتداد المعارك في معظم
المحافظات السورية في الآونة الاخيرة الى ازدياد أعداد النازحين في محافظة
اللاذقية، وهو ما دفع بالحركة الشرائية الى الارتفاع قليلاً في الأسواق، بالرغم من
زيادة الأسعار، كما يقول يوسف عاجوز وهو صاحب أحد المحال التجارية في منطقة الرمل
الشمالي للميادين نت. يعتبر عاجوز أن الإقبال على الشراء جيد مقارنةً
بالأعوام الماضية، بالرغم من اقتصاره على الحاجيات الأساسية والضرورية فقط.
وعزا عاجوز ارتفاع أسعار الألبسة مثلاً
إلى الزيادة في التكلفة، واضطرار التجار الى شراء الوقود المرتفع السعر لتشغيل
مولدات الطاقة الكهربائية بعد زيادة ساعات التقنين، معتبراً ان المسافة التي
يقطعها التاجر للحصول على البضاعة تلعب دوراً أساسياً في غلاء الأسعار والمعارك في
محافظة حلب التي تعد مصدراً للكثير منها.
تقول سلوى وهي ربة منزل "إن الوضع
في الأسواق لم يعد مقبولاً ابداً، فمع غياب الرقابة اختلف سعر القطعة ذاتها بين
محلٍ وآخر" وتضيف أنها "أصبحت تحتاج الى ضعفي راتب زوجها كي تتمكن من
شراء الملابس لبناتها الثلاث فقد بلغ سعر بنطال الجينز العادي بين 10 و15 ألف ليرة
سورية، بينما تجاوز سعر القميص 7 آلاف ليرة.
وطال الغلاء أيضاً حلويات العيد، فبلغت
نسبة الزيادة 40 بالمائة، بحسب وصف صاحب أحد المحال في منطقة الشيخ ضاهر، مشيراً
إلى توفر جميع الأنواع، وإلى اختلاف الأسعار بحسب الجودة والنوع.
هكذا هو المشهد في اللاذقية المحافظة
الواقعة في شمال غرب سوريا. لكن هذا المشهد يتكرر ولعله يتفاقم سوءاً كلما اقتربنا
من المناطق التي التي تشتد فيها المعارك. معارك من المفترض أن تهدأ بعد التوصل إلى
اتفاق وقف إطلاق النار الذي يترقب السوريون مآلات بلدهم في ضوئه. وبعيداً عن دوائر
القرار والسياسة والمفاوضات يأمل السوريون أن يكون الاتفاق بداية النهاية للحرب
التي اكتووا بنارها وذاقوا خلالها مرارة فقدان الأهل وعاشوا ذل اللجوء بعيداً عن
وطنهم. فهل سينجح اتفاق وقف إطلاق النار الذي يتزامن مع عيد الأضحى المبارك بإعادة
بهجة العيد المفقودة يوماً ما؟