نتنياهو و"قنبلة" الأمونيا بين مطرقة الأمن وسندان المصالح

توقّف تأمين مادة الأمونيا بدون تسوية بديلة سيؤدي في الأيام المقبلة إلى توقّف نشاط العديد من منشآت الإنتاج، من بينها مصانع تقدّم خدمات حيوية للصناعة. ويتعلق الأمر بقطاعات سيؤدي توقّف الإنتاج فيها للمسّ بأمن الدولة، بالبيئة وبنوعية الهواء، بإجمالي الناتج المحلي، اقتصاد إسرائيل وبسمعة الشركات الإسرائيلية في العالم.

ياهف: نتنياهو تنازل عن أمن 1.5 مليون مواطن مقابل احتياجات رجل ثري
الكشف في وسائل إعلام إسرائيلية عن تدخل رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، شخصياً، لتأجيل إفراغ حاوية الأمونيا في حيفا لمدة سنتين على الأقل، خلافاً لقرار قضائي قضى بإفراغها قبل نهاية شهر أيار/ مايو المقبل، أثار سجالاً سياسياً في إسرائيل، واتهامات قاسية لنتنياهو بتعريض أمن مليون ونصف مليون إسرائيلي للخطر، ما أجل ضمان المصالح المالية والتجارية الخاصة بأصحاب رؤوس الأموال.  

فبحسب تقارير إعلامية إسرائيلية، جمع نتنياهو مسؤولين رفيعي المستوى في مكتبه، بينهم وزير حماية البيئة زئيف إلكين، ووزير الاقتصاد ايلي كوهين، وطلب منهم إيجاد بدائل من بينها تأجيل تنفيذ قرار المحكمة، معللاً طلبه بمحاولة إيجاد بديل لصناعة الأسمدة، بسبب الخشية من أن يؤدي إفراغ الحاوية إلى إقفال صناعة الأسمدة في إسرائيل وإلى موجة إقالات لآلاف العمال، وفقاً لمصدر في مكتب نتنياهو شارك في اجتماع الطاقم المولج بمعالجة حاوية الأمونيا.

خطوة نتنياهو قوبلت بموجة استنكارات من معارضيه في الحلبة السياسية، فسارع رئيس حزب "يوجد مستقبل"، وزير المالية السابق، يائير لبيد، بالكتابة عبر حسابه في "فيسبوك"، بأنه يجب إزالة أكبر قنبلة في الشرق الأوسط من حيفا، مضيفاً بأنه "ممنوع استباحة أمن سكان حيفا ومحيطها، فمنذ سنة ندير الصراع لإفراغ حاوية الأمونيا، والخيارات البديلة موجودة على الطاولة، هذا الأمر ممكن، المحكمة حكمت. وممنوع التلكؤ مجددا وتعريض المواطنين للخطر. الاعتبار الوحيد الذي يجب أن يوجّه الحكومة هو أمن المدنيين وليس أي اعتبار آخر. المسألة تتعلق هنا بحياة الإنسان".

لبيد تساءل أيضاً "لماذا يتدخل رئيس الحكومة فجأة لصالح المسؤول عن الحاويات، الملياردير الأميركي المقرّب منه، ويقصد مالك شركة حيفا كيميكيلم، جولس ترامب؟ لم يفكر نتنياهو طيلة ثلاث ولايات شغل فيها منصب رئيس الحكومة أن من واجبه التدخل، بينما ما زالت القنبلة الأكبر في الشرق الأوسط تشكل خطراً على سكان حيفا. تشير تقديرات الخبراء إلى مقتل أكثر من 17,000 مواطن في الساعة الأولى في حال إلحاق ضرر مباشر بالحاويات. وسنشهد عشرات آلاف القتلى الآخرين في وقت لاحق. الاستنتاج قاطع: تشكل الحاويات خطرا ويجب إبعادها".

بدوره، رأى عضو الكنيست عن المعسكر الصهيوني، وزير الأمن الأسبق، عمير بيرتس، أن تدخل نتنياهو في مرحلة متأخرة الى هذا الحد، يدل على فقدانه الرؤية الاستراتيجية، واستخفافه بقرارات قضائية وبأمن أكثر من مليون مواطن في لواء حيفا يطرح سؤالاً بشأن أهليّته للاستمرار بكونه رئيساً للحكومة. بيرتس، الذي تولى سابقاً وزارة حماية البيئة، اتهم نتنياهو بأنه لم يُحرك ساكناً لتقديم حلول عُرضت منذ فترة، بمقدورها الحفاظ على صحة وسلامة السكان وعلى كل الوظائف في صناعة الأمونيا، ودعا إلى إيجاد حلول بديلة لاستيراد الأمونيا، والبدء بتطبيق قرار الحكومة القاضي بإنشاء مصنع لإنتاج الأمونيا جنوبي إسرائيل بشكل فوري.

زميلة بيرتس في كتلة المعسكر الصهيوني، كيسنيا سفتلوفا، قالت إن "نصر الله يشكر نتنياهو من أعماق قلبه"، متهمةً رئيس الحكومة بأنه يهتم بمصالح أصحاب شركة "حيفا كيميكيليم"، أكثر من حياة سكان حيفا، بحيث لا يتوقف عن تخويف سكان إسرائيل بالقنبلة النووية الإيرانية، بينما لم يتدخل لصالح مليون نسمة قلقون على حياة وصحة أطفالهم، وأنه يتجاهل تهديدات السيد نصر الله الواضحة الذي يرى في حاوية الأمونيا ومصافي التكرير قنبلة نووية محتملة.

تطورات القضية، دفعت مراقب الدولة، بحسب تقارير إسرائيلية، لطلب فحص الأسباب التي دفعت الحكومة إلى تغيير موقفها بخصوص إخلاء حاوية الأمونيا في خليج حيفا، وجمع وثائق من الوزارات المختلفة حول الموضوع.

وكشفت تقارير إسرائيلية أن خطوة نتنياهو لاقت حالة من الغضب في مدينة حيفا، بحيث طالب العديد من السكان المحكمة بتنفيذ قرارها كما صدر. التقارير كشفت أيضاً أن بلدية حيفا تحاول الحصول على أمر منع سفر من إسرائيل من المحكمة بحق صاحب شركة "حيفا كيميكيلم"، والتحقيق معه بشبهة عدم وجود رخصة بناء لديه للحاوية.

الغضب الشعبي في حيفا، عبر عنه رئيس بلدية حيفا، يونا ياهف، حين اتهم نتنياهو "بالسعي إلى منع نقل خزان الأمونيا من خليج حيفا، من أجل الاستجابة لمصالح صديقه، الثري الأميركي - اليهودي ومالك شركة حيفا كيميكيلم، جولس ترامب، رغم أن تقارير رسمية أظهرت أن وجود هذا الخزان في منطقة خليج حيفا المزدحمة بالسكان يعتبر مصدر تلوث كبير للبيئة ويشكل خطراً عليهم، وأكدت أن الخطر يصبح داهماً وشديداً للغاية في حال نشوب حرب وإطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل".

وشدد ياهف على أن نتنياهو تنازل عن أمن 1.5 مليون مواطن مقابل احتياجات رجل ثري. واتهم ياهف أيضاً وزارة حماية البيئة، بأنها تحولت إلى "وزارة لحماية المصنع"، وبأنها لا تعمل بشكل سريع لنقل الخزان، كاشفاً بأن وزير حماية البيئة كرر القول له 10  مرات إن خزان الأمونيا لن يكون موجوداً بعد الأول من شهر حزيران المقبل، وطالب ياهف بإيجاد حل فوري، لأن تصريحات السيد نصر الله بخصوص القنبلة النووية في خليج حيفا جدية، بحسب قوله.

كما برز كلام لعضو بلدية نيشر، دان تيخون، قال فيه إنهم في سلطة الموانئ، التي كان عضواً فيها أثناء حرب لبنان الثانية 2006، لم يستطيعوا النوم عندما كانت صواريخ الكاتيوشا تسقط في محيط الحاوية.

وفي مقابل موجة الاعتراض ضد إخلاء حاوية الأمونيا التي تُقدر سعتها بـ12 ألف طن، تظاهر مئات من مستخدمي "حيفا كيميكيلم" احتجاجاً على قرار المحكمة إغلاق الحاوية لأن الأمر سيؤدي إلى فصلهم من العمل.

تقارير اقتصادية في إسرائيل كشفت أن حاجة السوق الإسرائيلي من الأمونيا تُقدر بحوالي 120 ألف طن سنوياً، وأن استهلاك هذه المادة يتوزع بين إنتاج أسمدة متطوّرة بواسطة شركة "حيفا كيميكيلم" بنسبة تقارب 68 في المئة من مادة الأمونيا، وبين إنتاج الأسمدة عن طريق "الأسمدة والمواد الكيميائية" بنسبة 25 في المئة تقريباً، ويتبقى 7 في المئة لاستخدامات حيوية أخرى في الصناعة. وفي المحصلة يستهلك السوق الإسرائيلي 35 في المئة من الأمونيا كمادة أولية حيوية، والفائض من الأمونيا يستخدم لإنتاج الأسمدة المتطوّرة لتصديرها بشكل خاص إلى أوروبا والولايات المتحدة، وبنسبة قليلة إلى الهند والصين، بحيث تُصبح نسبة مساهمة مادة الأمونيا في التصدير العام لإسرائيل 1 في المئة، وإغلاق الحاوية سيؤدي إلى إلحاق ضرر فادح بالصادرات الإسرائيلية وبمصدر عمل آلاف الإسرائيليين بشكل مباشر.

وتضيف التقارير الاقتصادية بأن توقّف تأمين مادة الأمونيا بدون تسوية بديلة سيؤدي في الأيام المقبلة إلى توقّف نشاط العديد من منشآت الإنتاج، من بينها مصانع تقدّم خدمات حيوية للصناعة الأمنية، صناعة الاسمنت، صناعة الكيمائيات، أطعمة (تبريد أطعمة وحليب)، محطات طاقة، نايلون، مواد صمغية، صناعة الورق، صناعة الأدوية، عمليات بتروكيميائية، تعقيم مياه، متممات غذائية وغيرها. ويتعلق الأمر بقطاعات سيؤدي توقّف الإنتاج فيها للمسّ بأمن الدولة، بالبيئة وبنوعية الهواء، بإجمالي الناتج المحلي، اقتصاد إسرائيل وبسمعة الشركات الإسرائيلية في العالم.

اخترنا لك