الحرب على داعش.. قبائل سيناء تدخل المعركة
ألقت الاشتباكات الأخيرة بين قبيلة الترابين السيناوية وعناصر فصيل "ولاية سيناء" المُبايع لتنظيم داعش في شمال سيناء، الضوء على تطوّرات مهمة طرأت على المشهد في شبه الجزيرة منذ مطلع هذا العام سواء على المستوى الميداني أو الاستراتيجي، فقبائل سيناء التي كانت على مدار الشهور الماضية بمنأى عن الانخراط المباشر في المعارك ضدّ تنظيم داعش، باتت الآن كتفاً بكتف مع القوات العسكرية والأمنية في مواجهة عسكرية أحرزت فيها القبائل نجاحات كبيرة في الأيام الأولى لدخولها فيها.
تتصدّر قبيلة الترابين مشهد مواجهة تنظيم داعش، والدعوة إلى توحيد صفوف القبائل ضدّه.
وهي تُعدّ القبيلة الأكبر في سيناء من حيث تعداد أفرادها الذين يصل تعدادهم في مناطق شمال ووسط سيناء إلى نحو سبعين ألف نسمة، موزّعين على 1200 عشيرة من أجمالي حوالى 2.7 مليون نسمة من أفراد القبائل البدوية في مصر، توازي قبيلة الترابين في المكانة والأهمية قبيلة السواركة وهي تتكوّن بدورها من 13 عشيرة، وتستوطن المنطقة الموجودة في مثلّث العريش – الشيخ زويد – رفح، ثم تلي هاتين القبيلتين قبائل أخري مهمة مثل المساعيد والقليعات والبياضية، من ضمن 11 قبيلة رئيسية في سيناء تتركّز في المناطق الساحلية الشمالية والمناطق المُتاخِمة لشرق قناة وخليج السويس.
كان للقبائل السيناوية خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لسيناء مواقف وطنية مهمة، فأفراد قبيلتيّ الترابين والسواركة قدّموا الدعم والحماية لأفراد الجيش المصري أثناء انسحابهم من سيناء خلال حرب الأيام الستة عام 1967، ثم كان موقف قوّي للقبائل ساندت فيه الدولة المصرية، وأكّدت سيادتها على سيناء، وهو الموقف الذي أعلنه شيخ قبيلة الهرش في مؤتمر الحسنة الذي عقدته إسرائيل للقبائل عام 1968 لمحاولة دفعها للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على شبه الجزيرة، أستمر الدعم الذي قدّمته القبائل للجيش المصري والذي تمثّل في مئات المُنتسبين لمنظمة "سيناء العربية" التي شكّلتها المخابرات الحربية المصرية، وأدارت بها حرب مخابراتية وتخريبية ضدّ التواجد العسكري الإسرائيلي في سيناء، ولعلّ أشهر هؤلاء كان "صباح الويمي" أحد أفراد قبيلة الترابين الذي أبلغ مصر قبل فترة من حرب رمضان 1973 بقيام القوات الإسرائيلية بتدريبات في وسط سيناء على عبور الموانع المائية، وهو ما تم تطبيقه بعد ذلك في الثغرة التي عبرت منها القوات الإسرائيلية إلى الضفة الغربية لقناة السويس في منطقة الدفرسوار.
منذ ذلك الوقت تصاعدت حدّة التوتّر بين القبائل وعناصر داعش لتصل ذروتها عقب نجاح الجيش المصري في إتمام تطهير منطقة جبل الحلال جنوبي مدينة الحلال في شهر نيسان/أبريل الماضي، وهي السيطرة التي تمت بدعم مباشر من القبائل السيناوية خصوصاً قبيلة الترابين، وبسبب هذا الموقف من الترابين بدأ عناصر داعش في استهداف منازل وعربات نقل البضائع التابع للقبيلة، وخطف بعض الشيوخ مثل الشيخ حمدي جودة بشكل دفع أفراد القبيلة إلى اختطاف ثلاثة عناصر من داعش في نفس الشهر في مدينة الشيخ زويد لمحاولة مبادلتهم بالأفراد المخطوفين من القبائل لدى داعش
تلا ذلك عدّة تطوّرات خلال الأسبوع الجاري كان أبرزها بيان من القبيلة يدعو إلى وحدة صف القبائل السيناوية ضد داعش، وبدء حملة ضدّ عناصره، مع تشديد القبيلة على أن هذه التحرّكات ستتم تحت تنسيق وأشراف الجيش المصري، وأعلنت أثر ذلك عدّة قبائل منها قبيلتا السواركة والرميلات انضمامها للمجهود الميداني ضدّ داعش.
نفّذت قبيلة الترابين خلال هذا الأسبوع ثلاث عمليات ضدّ داعش، الأولي تمت في محيط قرية البرث أدّت إلى مقتل ما بين ثلاثة إلى سبعة من أفراد داعش والقبض على فردين، ثم اشتباك آخر في منطقة العجراء جنوب رفح أدّى إلى مقتل ثمانية عناصر من داعش والقبض على ثلاثة منهم قيادي في التنظيم، العملية الثالثة تمّت فجر الأربعاء الماضي وفيها هاجم أفراد من القبيلة منطقة المهدية ونجع شبانة جنوبي رفح، ألقت القبض على عشرة أفراد من بينهم قيادي في داعش.
كان من الواضح المُباغتة الكبيرة التي شعر بها عناصر داعش والذين أقتصر ردّهم على هذه العمليات على خطف أحد أفراد قبيلة الترابين.
في الوقت الحالي تنفّذ القبائل عمليات تمشيط في جنوب رفح لمحاولة قطع طُرق الإمداد التي يستخدمها عناصر داعش للتزّود بالمؤن والوقود، وهذا يتم بالتزامن مع اتصالات واسعة تجريها قبيلتا السواركة والترابين مع كل شيوخ القبائل الأخرى لتنظيم مؤتمر جامع خلال هذا الشهر، لدراسة كيفية توحيد الجهود القبلية لبدء حملة عسكرية ضدّ مواقع تواجد عناصر داعش جنوبي رفح وغرب العريش، تُمثّل هذه المجهودات تطوّراً بالغ الأهمية في مجريات العمل الميداني في شمال سيناء، وستزيد الضغط على ما تبقّى من عناصر داعش في المنطقة الذين سيجدون صعوبة بالغة في التنقّل وتنفيذ أية عمليات جديدة، خصوصاً في ظلّ انحسار عام كمّاً ونوعاً في عملياتهم التي باتت مقتصرة بشكل رئيسي على عمليات القنص ومحاولة استهداف القوات من حين لآخر، بعبوات ناسفة لم يعد لها تأثير يُذكر بعد دخول العربات المدرّعة المقاوِمة للألغام الأرضية إلى الخدمة في سيناء. السؤال الأهم في هذا الصدد يتعلّق بمدى تمكّن الجيش المصري من السيطرة والتوجيه الصحيح للمجهود المسلّح للقبائل في سيناء، والذي أن لم يتم وضعه تحت السيطرة الكاملة قد يؤدّي في ما بعد إلى بعض المضاعفات الأمنية.