معركة الموصل.. رسالة النصر تُتلى أخيراً

وصلت القوات العراقية المشتركة في معركة تحرير الموصل إلى المحطة النهائية في سلسلة عملياتها القتالية التي بدأت في تشرين الأول/ اكتوبر عام 2016 بتحريرها لكامل مناطق الموصل القديمة، والتي تعدّ آخر معاقل تنظيم داعش داخل أحياء الموصل. ما هي محطات هذه العملية وما هو مستقبلها؟

في الجبهة الغربية حققت قوات الحشد الشعبي على مدار الشهور الماضية تقدماً سريع الوتيرة (أ ف ب)
القوات المشاركة في عمليات الموصل تراوحت بين 50 ألفاً إلى 60 ألف جندي يتشكلون من الفرقتين 15 و 16 مشاة، والفرقة التاسعة المدرعة، إلى جانب وحدات الشرطة الاتحادية والرد السريع وقوات مكافحة الإرهاب، بدعم من القوة الجوية العراقية وطيران الجيش، ومساندة كل من قوات البيشمركة، في الجبهة الشمالية بالمرحلة الأولى للهجوم، وقوات الحشد الشعبي شبه العسكرية والتي كانت مسؤولة طوال فترة العمليات وحتى الآن عن الجبهة الغربية للموصل.تشارك أيضاً في العمليات وحدات دعم نيراني تابعة للجيشين الأميركي والفرنسي ضمن مجهود "التحالف الدولي" الذي يشتمل على طلعات جوية قتالية واستطلاعية.

انطلقت المرحلتين الأولى والثانية من هذه العمليات بهدف رئيسي هو السيطرة على أحياء شرق الموصل، بدأ الزخم الهجومي الرئيسي من المحور الجنوبي للموصل "محور القيارة" مع تحركات من جبهات فرعية وهي الجبهة الشرقية "الخازر – الكوير" والجبهة الشمالية "سد الموصل – تل أسقف – بعشيقة".

في الأسبوع الأول من الشهر الثاني للعمليات تمكّنت القوات المشتركة المتقدمة من الجبهة الجنوبية من الوصول إلى أطراف الأحياء الشرقية من الموصل "الساحل الأيسر"، بعد تحريرها لناحيتي الشوره وحمام العليل، بالتزامن مع ذلك أطلقت قوات الحشد الشعبي أولى محاور عملياتها في هذه المعركة بالتحرك من الجبهة الجنوبية باتجاه الغرب والشمال الغربي عبر مناطق تابعة لناحيتي تل عبطة والمحلبية بهدف الوصول إلى مطار تلعفر وهو ما تحقق بالفعل في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني ليتم عزل أحياء الموصل عن الحدود السورية. بحلول نهاية شهر كانون الثاني/يناير الماضي أصبحت كافة أحياء الساحل الأيسر تحت سيطرة القوات المشتركة لتبدأ المرحلة الثالثة من العمليات.

بدأت عمليات المرحلة الثالثة في منتصف شباط/فبراير الماضي على 3 محاور جنوب وجنوب غرب الساحل الأيمن باتجاه معسكر الغزلاني ومطار الموصل، وهما يعدّان من أهم مقار القيادة والسيطرة في منطقة جنوب الساحل الأيمن، بالتزامن مع عمليات للحشد الشعبي باتجاه مناطق ناحية تل عبطة وقضاء الحضر جنوب الجبهة الغربية، وقضائي القيروان والقحطانية.استمر تقدم القوات المشتركة خلال الشهور التالية إلى أنْ وصلت إلى حدود الموصل القديمة، ومن ثم نفذت عمليات التفافية غربها أدت في النهاية إلى محاصرتها بمساعدة قوات المحور الشمالي الذي تقدمت فيه القوات انطلاقاً من منطقة مشيرفة في الفصل الأخير من هذه العملية، لتطبق الحصار بشكل كامل على الموصل القديمة التي لم يعد فيها أي تواجد لعناصر داعش سوى على شريط ضيق مطل على نهر دجلة يشمل مناطق الشهوان والقليعات ورأس الكور.

في الجبهة الغربية حققت قوات الحشد الشعبي على مدار الشهور الماضية تقدماً سريع الوتيرة، سيطرت فيه بشكل كامل على القحطانية والقيروان وأجزاء كبيرة من قضائي الحضر والبعاج، لتصل من خلال ناحية القحطانية إلى خط الحدود السورية وتتقدم بمحاذاته جنوباً بهدف التقابل مع القوات المتقدمة من مثلث الحدود العراقية – السورية – الأردنية.يتبقى لقوات الحشد في غرب الموصل السيطرة على المناطق المتبقية في البعاج والحضر، بجانب قضاء تلعفر شمال الجبهة الغربية والذي ترابط قوات الحشد على تخومه الجنوبية، كما بدأت منذ ايام عمليات للفرقة الخامسة عشر في الجيش العراقي على الأطراف الشرقية له.

خلال مراحل عملية الموصل، شهدت جبهات أخرى عمليات محدودة للقوات العراقية وقوات الحشد، منها جبهة سهل الحويجة الواقعة جنوب القيارة، وجبهة خط الإمداد من بغداد إلى الموصل "الشرقاط – جبال مكحول – بيجي"، والجبهة الحدودية مع سوريا والتي تمتد من حديثة جنوب غرب بيجي إلى قضائي عانه وراوه ومدينة القائم الحدودية وصولاً إلى الرطبة وصحرائها.هذه الجبهات مازال بها تواجد كبير لعناصر داعش وستكون هي الهدف التالي للقوات العراقية بعد انتهاء عمليات تلعفر بغرض السيطرة بشكل كامل على خط الحدود مع سوريا وخصوصاً معبر القائم.

بشكل عام نستطيع أن نقول إن الثقل الرئيسي لتنظيم داعش في العراق ينحصر في هذه المناطق، لكن تواجه القوات العراقية مشكلة استمرار العمليات الإنغماسية وعمليات تفجير السيارات المفخخة والتي تطال العاصمة بغداد ومناطق أخرى وحتى في الموصل نفسها، المعارك مع تنظيم داعش في أحياء الموصل كانت عنيفة واستخدمت فيها كافة الوسائط النيرانية والأساليب التكتيكية، لكن التعامل مع العمليات الصامتة يجعل طابع المواجهة مع داعش أمنياً أكثر منه عسكرياً، وهذا هو التحدي القادم أمام القوى الأمنية العراقية، يضاف إليه الواقع الإنساني والمعيشي في أحياء الموصل والذي يشكل أيضاً تحدياً لا يستهان به، والفشل فيه قد يفتح الباب مرة أخرى لتنظيم متطرف آخر قد ينشأ من رحم تنظيم داعش الذي أصبح على بعد خطوة من معركة مصيرية في مدينة دير الزور السورية.

في الميزان الاستراتيجي، إذا ما تم إنهاء تواجد تنظيم داعش في المناطق المتبقية تحت سيطرته في العراق، تتحقق هنا السيطرة الكاملة على خط الحدود بين العراق وسوريا، مما سيساهم بشكل فعال في دفع العمليات العسكرية السورية لفك الحصار عن مدينة دير الزور قدماً، ويحصر تواجد تنظيم داعش في مناطق محافظتي الرقة ودير الزور، كما إن الإشارات التي أبدتها وحدات الحشد الشعبي بخصوص احتمالية مشاركتها في العمليات العسكرية داخل سوريا ستعطي زخماً إضافياً للمجهود العسكري السوري في هذا الاتجاه، وستتسبب في مزيد من العزل للوحدات العسكرية الأميركية المرابطة شمال معبر التنف الحدودي داخل الأراضي السورية، بالنسبة لتنظيم داعش، كانت الرؤية واضحة منذ البداية أن معركة الموصل تمثل له معركة مضمونة الخسارة، وهو ما جعل التنظيم يستغل تأخير إطلاق عمليات الجبهة الغربية في الموصل خلال المرحلة الأولى من الهجوم لنقل عدد من مقاتليه وقياديه باتجاه مدينة دير الزور السورية، التنظيم حالياً يحاول تنفيذ هجمات تشتيتية سواء في مناطق بالداخل العراقي أو انطلاقاً من المناطق المتبقية تحت سيطرته بالعراق في صحراء الرطبة وقضائي عانه وراوه، لكن أولويته في المرحلة القادمة ستكون مدينة دير الزور التي يحاصرها منذ أشهر عدة وينفذ على القوات الموجودة داخلها هجمات شرسة بشكل يومي، دير الزور بالنسبة له هي الفرصة الأخيرة لتحقيق نجاح ميداني بالنظر إلى النهاية القريبة المتوقعة لمعركة الرقة التي تخوضها قوات سوريا الديمقراطية.

التنظيم يعول على انتقال القوات التابعة له من الرقة إلى دير الزور قد يساهم في إسقاط المدينة المحاصرة قبل أن تتمكن قوات الجيش السوري المتقدمة من شرق وجنوب شرق تدمر وجنوب الطبقة من الوصول إليها.

اخترنا لك