عون يبدأ عهده بخطاب قسم متوازن ومهمة الحريري شاقة في تشكيل الحكومة
بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في لبنان أول أمس، قدّم رئيس الحكومة تمام سلام استقالة حكومته، فصدر مرسوم قبول الإستقالة والطلب إلى الحكومة المستقيلة تصريف الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة.
لاحظ المراقبون أن خطاب القسم للرئيس عون كان مدروساً بعناية وهادئاً وواقعياً أكد على ضرورة تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني بكاملها، وتطويرها وفقاً للحاجة، أي اتفاق الطائف الذي عارضه عون عام 1989 ودفع ثمن التوافق الدولي والمحلي على تنفيذه بإجراجه بالقوة من قصر بعبدا في 13 تشرين الأول 1990.
كما شدّد عون على ضرورة ابتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية مع اعتماد سياسة خارجية مستقلة تقوم على مصلحة لبنان العليا. وتعهّد التزام ميثاق جامعة الدول العربية وأعلنَ أنّنا سنتعامل مع الإرهاب استباقياً وردعياً وتصدّياً حتى القضاء عليه.
وفي كلام الرئيس عون محاولة للتوازن بين مطالبة قوى 14 آذار بتحييد لبنان عن الصراعات في المنطقة والتزام "الصف العربي" وبين رؤية قوى 8 آذار وبخاصة حليفه حزب الله بضرورة محاربة الإرهاب استباقياً في سوريا قبل وصوله إلى لبنان.
كما أن الرئيس عون قد أكد في مسألة الصراع مع إسرائيل «أنّه لن يألوَ جُهداً ولن يوفّرَ مقاومةً في سبيلِ تحريرِ ما تبقّى مِن أرضٍ لبنانيةٍ محتلّة وعن ردع أي مطامع لإسرائيل في لبنان، وهو تبنٍ لرؤية المقاومة في لبنان، من الحفاظ على السلاح ضمن استراتيجية دفاعية تحرر ما تبقى من الأراضي المحتلة وتردع أي عدوان إسرائيلي جديد على لبنان.
وفي حديثه عن إقرار قانون انتخابي يوفّرُ عدالةَ التمثيلِ قبلَ موعدِ الانتخاباتِ المقبلة، يتلاقى الرئيس عون مع مطالبة قوى 8 آذار وبخاصة حزب الله وحركة أمل، بقانون النسبية، برغم معرفة العماد عون بأن إقرار القانون سيخضع لتوافق بين الكتل والطوائف والأحزاب الممثلة في مجلس النواب، ولن يكون نتيجة رغبة طرف واحد أو يفرض من طرف آخر.
وهكذا يحاول عون أن يعمل كرئيس سيادي وحيادي لجميع اللبنانيين واضعاً جانباً التحالفات والانقسامات السابقة في بداية العهد الجديد، إذ دخل لبنان في مرحلة جديدة يمكن أن تكون نقطة تحوُّل استراتيجية في السياسة والأمن والإنماء والإقتصاد، في حال تكاتف جميع الأطراف اللبنانيين على التعاون والعمل لإصلاح الاقتصاد والقضاء على الفساد وتأمين الاستقرار ومحاربة الإرهاب.
الاستشارات النيابية
قد صدر عن المديرية العامة لرئاسة الجمهورية أنه بحسب البنـد 2 من المـادة 53 من الدستور المتعلقة بالاستشـارات النيابية الملـزمة وتسمية رئيـس الحكومـة المكلَّـف، يُجـري الرئيس عون، الاستشارات النيابية لتسمية الرئيس المكلّف بتشكيـل الحكومة الجديدة، يـومي الأربعاء والخميس الـواقع في الثاني والثالث من تشرين الثاني 2016، في القصر الجمهوري في بعبـدا، بحيث يستقبل ممثلين عن الكتل النيابية والنواب المستقلين كي يبلغوه بمرشحهم لرئاسة الحكومة.
وستجري الإستشارات على مدى اليومين المذكورين ثم تُعلَن نتيجتها وعدد الأصوات التي نالها المرشح لتشكيل الحكومة الجديدة، التي سيكون معظمها لرئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري. ثم تُحدَّد في اليوم التالي مواعيد إستشارات التأليف في إحدى قاعات مجلس النواب، وبعد انتهائها تبدأ عملية التشكيل.
وإذا أراد الأطراف اللبنانيون تسهيل إنطلاقة العهد الرئاسي، يجري تشكيل الحكومة بسرعة لتجتمع وتُعِد البيان الوزاري وتنال الثقة على أساسه، وعندها يبدأ العهد فعلياً، أما إذا كانت هناك خلافات بشأن الحصص الحكومية والبيان الوزاري فإنَّ الإنطلاقة ستتأخر.
وإذا تأخر تشكيل الحكومة خمسة إلى ستة أشهر كما توقع سابقاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، أي مع اقتراب موعد الإنتخابات النيابية في أيار المقبل تقوم حكومة تصريف الأعمال بإجراء هذه الانتخابات، على أساس القانون الحالي، أي قانون الستين، وهو موضع خلاف بين قوى 14 و8 آذار، وكان سبباً في تأجيل الانتخابات والتمديد للمجلس النيابي منذ عام 2013
.
ويرى بعض المراقبين أن عدم تمكّنِ الرئيس ميشال عون من الحصول على ثلثَي الأصوات في الانتخابات الرئاسية برغم الانسحاب الضمني للنائب سليمان فرنجية، وبالتالي عدم فوزه في دورة الاقتراع الأولى، وتصويت هذا العدد غير المتوقع من النواب بالأوراق البيض، يشير إلى أن هناك تمرّداً نسبياً داخل تيار المستقبل و"اللقاء الديموقراطي" على التسوية السياسية، وهي رسالة غير مريحة للرئيس عون من بعض القوى السياسية، و أيضاً رسالة سلبية الى الحريري تفيد بأنّ تكليفه تشكيلَ الحكومة لن يكون بالنسبة التي يريدها عالية، وبأنّ مرحلة التأليف لن تكون سهلة، ما يعني أنّ مشوار التأليف سيكون شاقّاً.