في وداع "السفير"... عن كتّاب أصبحوا خبراً
إقفال صحيفة "السفير" هو حديث العاملين في المؤسسة طبعاً، أمام مدخل الصحيفة وداخل المصعد وفي الأروقة، الجميع قلق. البعض يواجه الأزمة بالنكات والروح المرحة علّه يخفف من وطأة المأساة التي ستلحق بهم عند أوّل السنة. لا أفق لمعجزة ميلادية تُنقذ 120 موظفاً من مأساة الإغلاق النهائي هذه المرة.
-
-
الكاتب: غادة سعد
- 30 كانون الأول 2016
كتاب السفير يحكون ذكرياتهم
الحزن سيطال ولا شك قراءً سيفتقدون جريدتهم اليومية، التي كانت "صوت الذين لا صوت لهم" و"جريدة لبنان في الوطن العربي وجريدة الوطن العربي في لبنان".
القرار اتُخذ إذاً، لا "سفير" مطلع عام 2017: أكشاك الصحف لن تتصدرها عناوين السفير بعدما صدرت لـ 43 عاماً، قدمت خلالها 13543 عددا. الصحيفة التي تعرّضت للتوقيف القسري ثلاث مرات، ستتوقف عن الصدور هذه المرة بإرادة ناشرها طلال سلمان.
إقفال صحيفة "السفير" هو حديث العاملين في المؤسسة طبعاً، أمام مدخل الصحيفة وداخل المصعد وفي الأروقة، الجميع قلق. البعض يواجه الأزمة بالنكات والروح المرحة علّه يخفف من وطأة المأساة التي ستلحق بهم عند أوّل السنة. ضحكات تتعالى داخل القاعة وصورفوتوغرافية يأخذها الزملاء ذكرى لما مضى. إحدى الصحافيات المخضرمات، التي عملت أكثر من عشرين عاماً في "السفير" لا تفارق الدموع عينيها. اتخذت من البكاء لغة تعبير حينما عجزت الكلمات. الجميع يعمل حتى النفس الأخير وكأن "السفير" لن تغلق أبوابها ولن يأتي اليوم المشؤوم.
مغادرة "السفير" بعد نحو 35 سنة "هي ضربة في الصميم" يقول رئيس قسم الرياضة اسماعيل حيدر. يعيش الآن حالة ضياع "سأبدأ مرحلة جديدة قد لا تكون بنفس الوزن والطعم. سأشتاق إلى الوقت الذي كنت آتي فيه مساءً مستعجلاً لمتابعة أهم الأخبار" ويضيف "أين سأمضي وقتي في البيت ام في مكان آخر؟ سأصبح على الهامش بدون السفير".
يصف حيدر الأيام الخيرة من عمر الصحيفة "بالنزاع الأخير"، الجميع لا يعلم إلى أين يذهب بعد صناعة التاريخ في السفير... يبدو أنّ الأيام المقبلة تلوّح بالبطالة كما يتخوف .
الخسارة المادية التي يحاول البعض تلافيها عبر البحث عن عمل آخر، تقابلها خسارة معنوية. بالنسبة إلى رئيس قسم الرياضة "السفير ربطتنا بالعالم، متى نغادرها ننقطع عن العالم، أعطتني الشهرة، لم أكن اتوقع يوماً ان ينزل اسمي في جريدة منتشرة ". وبين ذكريات مواكبة الرياضة والاحتفالات السنوية التي تنظمها مؤسسة السفير "تبقى اللحظات الجميلة، احتفالاتنا مع رئيس التحرير سلمان من دون أن نتحدث عن العمل او كتابة مقال".
المحرر السياسي عمار نعمة و المحرر أدهم جابر
عمار نعمة محرّر سياسي في
"السفير" تجمعه ذكريات الطفولة بأروقة الصحيفة، حيث "أنّ والدي
ياسر نعمة كان من مؤسسي الصحيفة مع الاستاذ طلال". بدأ الكتابة في المؤسسة مذ
كان طالباً في الجامعة بناءً على اقتراح سلمان الذي أراده أن يكون مندوب السفير في
الكلية. " السفير أكبر مني بأشهر قليلة. واكبت مراحلها بحلوها ومرها:
الاجتياح الاسرائيلي وتحرير الجنوب اللبناني، وحرب العراق واغتيال رئيس الحكومة
السابق اللبناني رفيق الحريري التي أعادت رسم المشهد السياسي والانسحاب السوري من
الأراضي اللبنانية. ثم أحداث 7 أيار في لبنان والاعتصامات أمام السراي
الحكومي"يقول نعمة.
ويشرح أنّ السفير كانت دائماً أقوى
من الأحزاب السياسية وشكلت رأياً عاماً ولكنها ستغلق خلال أيام. لا أستوعب
الموضوع ولا كيف يمكن التفريط بها". ويضيف "لقد تخطينا مرحلة الصدمة.
الآن مرحلة ما بعد السفير. الحزن سيكون في الساعات الأخيرة عند إصدار العدد الأخير".
ويكشف أنّ العدد الأخير سيكون مرفقاً بعدد آخر يحتوي على الاصدارات الأولى للسفير
في ظلّ فترة الاجتياح الاسرائيلي للبنان.
السفير واكبت القضايا العربية وهموم الناس
قضايا كثيرة واكبتها
"السفير"، حاكت أجيالاً حتى "أضحت حلماً للعمل فيها لدى طلاب
الصحافة. تشبهنا ونشبهها" بحسب ما يقول المحرّر في قسم المحليات أدهم جابر
والمسؤول عن ملفّ التربية. حققّ جابر حلمه منذ ثلاث سنوات، فكان جزءاً من المؤسسة
قائلاً "الفترة التي امضيتها في السفير جعلتني أشعر انني أعمل هنا منذ زمن.
هناك الفة بين الزملاء وهو أكثر ما سأشتاق إليه". العمل في صحيفة السفير التي هي جزء من ذاكرة لبنان "أكسبني أموراً معنوية تضاف إلى مسيرتي المهنية" على حد قول جابر. يأسف لأنّ الصحيفة التي واكبت الأخبار المحلية والعربية بأدق
تفاصيلها أصبحت اليوم "خبراً".
إقفال "السفير" ترك في
نفس جابر حزناً جعله يعيد حساباته في المهنة ككّل، ولكنه لا يملك سوى خيار البحث
عن عمل آخر من جديد.لينا فخر الدين المحررة
السياسية، ترى أنّ إغلاق الصحيفة "صفعة كي نستفيق ونحاول تقديم شيء جديد
للحفاظ على الصحافة الورقية". لا تهوى العمل في الاعلام المرئي، ولكن هذه
ليست مشكلتها الوحيدة. تخشى العمل في مكان يكون سقف الحرية فيه محدوداً، متسائلة
ما اذا كان ما راكمته في أرشيفها في السفير سيضيع. إلاّ أنّ دخولها المؤسسة منذ
ثلاث سنوات سيبقى في وجدانها وذاكرتها، إذ هنا بلغت مرحلة النضوج المهني وتحدت
نفسها "لم أصدق أنني في صحيفة عريقة، شعرت بالمسؤولية حتى أكون على المستوى
المطلوب" ،تقول.
عشق "السفير"
ليس حكراً على كتابها فقط، الاستاذ الجامعي راغب جابر وسكرتير التحرير
سابقاً في الصحيفة يروي تعلّقه بها كقارئ وصحافي في آن. "صدر العدد
الأوّل للصحيفة مع بداية تشكّل وعيي السياسي، وكانت السفير جزءاً من هذا
الوعي"يقول جابر. منذ انطلاقتها عبّرت السفير عن خطه السياسي ومثّلت طموحات
الخط القومي والعربي ودافعت عن القضية الفلسطينية وتبنت هموم الناس.
تجربة الاستاذ الجامعي كانت غنية
مهنياً ويشرح مواكبته لأحداث سياسية من بينها "العدوان
الاسرائيلي على لبنان في 1993 و1996 وقضية المبعدين الفلسطينيين في جنوب البلاد وتحرير
الجنوب عام 2000 واول انتخابات نيابية وبلدية بعد الحرب". الأحداث السياسية
العاصفة بالبلاد دفعته إلى ملازمة الصحيفة نهاراً وليلا في الازمات، فأضحت
مكاناً ، خالقاً جواً أسرياً. ويعتبر أنّه ينتمي إلى جيل اعتاد قراءة السفير
وعندما تغيب "سنقتفد جزءاً من صباحنا وثرثراتنا".
نبذة عن السفير
السفير لم تتوقف يوماً واحداً عن الصدور خلال الاجتياح الاسرائيلي عام 1982
صدر العدد الأولّ لصحيفة
السفير في
26/3/1974. واجهت
محاولات ترهيب عدة أبرزها نسف مطابعها سنة 1980 وأكثر من محاولة لنسف منزل ناشرها
طلال سلمان. كذلك الأمر، واجهت الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 ولم تتوقف يوماً
واحداً عن الصدور. تعرّضت الصحيفة للتوقيف القسري ثلاث مرات.
البيان الصادر عن ناشر الصحيفة هذه
المرة جاء فيه أنّ سبب الاقفال نتيجة ظروف اقتصادية ومالية صعبة تمرّ بها
"السفير" فاستدعى الأمر إقفالها بعدما كانت على وشك الاقفال خلال شهر
آذار/ مارس.
توزّع الصحيفة نحو 15 ألف نسخة
يومياً يباع منها نحو 10 الاف نسخة و يصل عدد المشتركون إلى نحو ثلاثة الاف مشترك.