تسوية الرئاسة في لبنان: واشنطن خططت والرياض اقتنعت والأنظار على حزب الله

خلال الأيام الماضية بدا واضحاً أن فريق الثامن من آذار يتحرك من أجل قطع الطريق على أي خلافات قد تتأتى من تسوية ولدت بوحي أميركي، فكان لقاء النصف ساعة بين كل من عون وفرنجية في الرابية ثم لقاء الأربع ساعات بين فرنجية ونصر الله. أما في المقلب الآخر فلم ترصد أي لقاءات وسط معلومات عن توجه للحريري لتأجيل إعلان ترشيح فرنجية للمزيد من التشاور.

الحريري التقى فرنجية في باريس وأبلغه بالتسوية
هل تنجح التسوية الرئاسية في لبنان فتنسحب تسويات تتخطى حدود هذا البلد إلى بؤر النار في المنطقة؟ وفق هذا المنظور تحرك السفير الأميركي السابق في لبنان ديفيد هيل صاحب المبادرة التي في حال نجاحها ستأتي بحليف لحزب الله وسوريا وإيران رئيساً للجمهورية وبحليف للسعودية والغرب رئيساً للحكومة. المبادرة إذاً أميركية صرفة لم يكن للرياض أو رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري بحسب المعلومات دور فيها بل إن الأخير تبلغ بها حين أصبحت جاهزة للتسويق.  

اختيار واشنطن وقع على رئيس تيار المردة سليمان فرنجية بعد تيقنها من استحالة انتخاب رئيس من خارج دائرة تحالفات حزب الله وفي ظل تعثر الاتفاق على رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون. فكانت الفكرة التي استغرق العمل عليها في الكواليس قرابة ستة أشهر حاولت خلالها الولايات المتحدة إقناع المملكة العربية السعودية بها لا سيما وأن الرياض لا تنظر بإيجابية إلى عون بينما يبدو اسم فرنجية أكثر قبولاً لدى ملكها سلمان بن عبد العزيز بحكم العلاقات العائلية التاريخية التي كانت تربطه بسليمان فرنجية الجد، الرئيس اللبناني الراحل.

أوكلت للرياض مهمة إبلاغ الحريري من أجل الاتصال بفرنجية والاتفاق على بعض النقاط المرتبطة بالتسوية. اتصال تولى تنسيقه النائب السابق غطاس خوري. ولكن قبيل اللقاء وضع فرنجية حزب الله في صورة طلب الحريري فكان رأي الحزب ألا ضرر من اللقاء وإن بالحد الأدنى لمعرفة ما هي سلة التسوية التي سيقترحها رئيس الحكومة الأسبق ومن خلفه الرياض ومدى جدية ترشيح فرنجية.

أما ما قيل عن لقاء بين فرنجية والرئيس السوري بشار الأسد فتنفي مصادر للميادين نت حصوله فضلاً عما تسرب بأن الأسد أحال ملف فرنجية إلى حزب الله. ووفق هذه المصادر فإن موقف الأسد تبلغه فرنجية من أحد المقربين منه الذي زار دمشق مؤخراً موفداً من رئيس تيار المردة. هناك سمع كلاماً واضحاً من الرئيس السوري لجهة التالي: القبول بما يقبل به حزب الله وحلفاء المقاومة. التأكيد على الرؤية الإيجابية لميشال عون ومواقفه وقاعدته المسيحية الواسعة. عدم النظر بسلبية إلى سعد الحريري رئيساً للحكومة على اعتبار أن ذلك شأن لبناني داخلي لا سيما إذا ترافق مع رئيس حليف للمقاومة وصديق لسوريا. ومما قاله الأسد خلال لقائه موفد فرنجية إن الأخير "هو بلا شك حليف المقاومة وصديق سوريا وباق كذلك".  

هل يعلن الحريري تأجيل ترشيح فرنجية؟

الكرة إذاً اليوم في الملعب السياسي اللبناني الذي شهد بفريقيه الثامن والرابع عشر من آذار بعض الإرباكات والجدل الداخلي. وإذا كان فرنجية قد أطلع حليفه حزب الله منذ اللحظة الأولى على تفاصيل التسوية وصولاً إلى لقائه الحريري في باريس. فإن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع علم بالأمر من وسائل الإعلام وهو ما أثار غضب قيادة القوات بالإضافة إلى من يوصفون بـ"صقور تيار المستقبل" الذين رأوا في ترشح فرنجية انتصاراً لخصمهم وخياراته السياسية. فيما بدا رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط الأكثر حماسة للتسوية طالما أنها تحظى برعاية وموافقة أميركية سعودية.

خلال الأيام الماضية بدا واضحاً أن فريق الثامن من آذار يتحرك من أجل قطع الطريق على أي خلافات قد تتأتى من تسوية ولدت بوحي أميركي، فكان لقاء النصف ساعة بين كل من عون وفرنجية في الرابية. لقاء تقول المعلومات إنه خلا من التشنج تماماً كما خلا من الاتفاق. أبلغ عون فرنجية أنه لا يزال مرشحاً ومتمسكاً ببعض المطالب ولاسيما الاتفاق على قانون انتخابات جديد كما أنه لا يرى أسباباً تجعله يتخلى عن حقه في الترشح للرئاسة بصفته القطب المسيحي الماروني الأقوى في البرلمان، وأن الوقت لصالحه وليس العكس. أما فرنجية فأكد لعون استمرار دعمه ترشحه مردفاً ذلك بالسؤال عن ضرورة تحديد أفق زمني لعدم الاستعجال الذي يقترحه عون لأن البلد لا يمكن أن يبقى ينتظر طويلاً. 

الكلام نفسه عاد وردده فرنجية في لقاء استمر لأربع ساعات مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أول من أمس، اتسم بالصراحة والشفافية من قبل الطرفين. أكد فرنجية استعداده للذهاب وراء عون إذا كان يملك فرصاً جدية للفوز بالرئاسة، لكنه دعا في الوقت نفسه فريقه السياسي إلى عدم التفريط بفرصة تسوية رئاسية مبدياً استعداده للتريث لأسابيع أو حتى لأشهر في سبيل حسم خيار الرئاسة عليه إن لم يتم القبول بعون رئيس تسوية ووفاق. وبدا حاسماً في أنه لن يقبل مطلقاً بأن يكون رئيساً للجمهورية من دون تأييد من المقاومة. أما نصر الله فأعاد التشديد خلال اللقاء على بعض ثوابت الحلف السياسي والاستراتيجي لمحور المقاومة في لبنان، ومن أهمها التوافق وعدم التشقق والتمسك بخيار الحوار الداخلي والتفاهم. كما أعاد التأكيد على بقاء ميشال عون مرشحاً للرئاسة إلى أن يقرر هو بنفسه عكس ذلك. لم يخف نصرالله أن ترشح فرنجية وفوزه رئيساً يصب في صالح خط المقاومة في لبنان بصفته حليفاً تاريخياً كبيراً، لكنه ربط ذلك بسلة توافقات داخل البلاد وبعدم تصدع جبهة المقاومة. 

لقاء عون مع فرنجية، ولقاء الأخير مع نصر الله بحسب المعلومات يأتيان في إطار السعي إلى حصول توافق داخل فريق الثامن من آذار وهو ما قد يستدعي في الأسابيع المقبلة عقد لقاءات مكثفة بعيداً من الإعلام من أجل الاتفاق على ما يمكن تسميته "خريطة طريق رئاسية"، علماً أن حزب الله الذي ينظر الجميع إليه على أنه المحدد للاتجاهات أبلغ عون أنه لا يزال مرشحه، دون أن يكون لديه مانع في عودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة في مقابل وصول رئيس حليف له كجزء من سلة تفاهمات داخلية متكاملة. 

أما في فريق الرابع عشر من آذار فحتى الساعة لم ترصد أي لقاءات لا ثنائية ولا غيرها بما يوحي بانتهاء حالة الارباك التي أحدثها ترشيح الحريري لفرنجية. بل إن المعلومات التي تم تداولها بشأن قرب عودته إلى بيروت من أجل إعلان الترشيح رسمياً تراجع منسوبها، ليجري الحديث اليوم في الكواليس عن اتجاه الحريري لإصدار بيان في اليومين المقبلين يعلن فيه تأجيل إعلان ترشيح فرنجية لمزيد من المشاورات. 

اللقاء بين نصر الله وفرنجية دام أربع ساعات

اخترنا لك