في ذكرى أحمد شاه مسعود.. من هو "أسد بنجشير"؟
بعد 20 عاماً من اغتيال أحمد شاه مسعود يعود اسمه إلى الواجهة، حيث تسيطر حركة "طالبان" على أفغانستان، وهي الحركة التي لطالما عاداها "أسد بنجشير" وحاربها على مدى سنوات.
يصادف اليوم (09 أيلول/سبتمبر) الذكرى السنوية الـ 20 لاغتيال نائب الرئيس الأفغاني وزير الدفاع الأسبق أحمد شاه مسعود (أسد بنجشير) على يد صحفييّن مزيفين بكاميرا ملغمة، يُعتقد أنهما ينتميان إلى التنظيم المسمى "القاعدة" المتحالف مع حركة "طالبان".
تشكل رؤية أحمد شاه مسعود لأفغانستان منطلقاً لفهم ما يحدث اليوم بعد سيطرة "طالبان" من جديد على البلاد.
لمع نجم الطاجيكي مسعود من وادي بنجشير عندما كان قائداً كاريزمياً فتياً من قادة "جماعات المجاهدين" التي ناضلت ضد الاحتلال السوفياتي ما بين عامي 1979 و1989، وقد وصفه الجنرالات السوفيات بأنه "لا يقهر وأستاذ في حرب الغوار".
وكان لشاه مسعود الفضل الأكبر في فتح كابول أمام المجاهدين عام 1992، بفضل اختراقه نظام الرئيس الشيوعي السابق محمد نجيب الله ونسجه علاقات مع أركان هذا النظام، وكافأه برهان رباني بتعيينه وزيراً للدفاع في أول حكومة شكلها وكانت تضم الباشتوني قلب الدين حكمتيار، زعيم الحزب الإسلامي، الذي لم يتحمل أن يحكم شاه مسعود بعدما حكمت قومية الباشتون أفغانستان لمدة 300 عام، وسرعان ما اندلع القتال بين فصائل المجاهدين بعد دخولهم كابول.
بعد انهيار حكومة رباني وصعود طالبان، وسيطرة الحركة على كابول، تَزَعم مسعود "الجبهة الموحدة الإسلامية والوطنية لسلامة أفغانستان" التي تشكلت عام 1996، وتعرف اختصاراً بـ"تحالف الشمال". وبرغم انسحاب قوات المجاهدين إلى الشمال الأفغاني أمام زحف "طالبان"، ظل مسعود متحصناً في وادي بنجشير الذي لم يتمكن أحد من اختراقه، ودارت معارك قوية بين "تحالف الشمال"، وحركة "طالبان"، كان لشاه مسعود دور كبير فيها.
وأكد شاه مسعود عقب سقوط كابول أن "طالبان" لن تتمكن من السيطرة على جميع الأراضي الأفغانية بأي شكل من الأشكال، لافتاً إلى أنه إذا بقي منا شخص واحد على قيد الحياة فسوف يحاربها وسنحارب باكستان داخل أفغانستان، لأنه ببساطة لن يأتي يوم سنكون فيه خارج أفغانستان.
في المقابل كانت "طالبان" تعتقد أن ما يمنعها من تحقيق نصر كلي والسيطرة على كل أفغانستان هو أحمد شاه مسعود الذي كان يتمتع بكل صفات القائد الذي يتواجد على الدوام مع مقاتليه على الخطوط الأمامية في أي معركة، ويعمل 18 ساعة يومياً وينام 4 ساعات ولا ينام في مكان واحد خوفاً من الإغتيال.
اغتيل أحمد شاه مسعود في 9 أيلول/سبتمبر عام 2001 أي قبل يومين فقط من تفجيرات 11 أيلول/سبتمبر 2001، في بلدة "خواجة بهاء الدين" بولاية تخار الشمالية قرب طاجيكستان.
يؤكد مساعدوه أنه "كان هناك تنسيق تام بين عملية الإغتيال وهجمات 11 سبتمبر الإرهابية، وكانت طالبان تريد قتل جميع هؤلاء القادة وعلى رأسهم شاه مسعود واستئصال الجبهة المتحدة نهائياً في أفغانستان".
في تلك الفترة كانت القاعدة تخطط لعمل إرهابي أكبر سيدفع بالقوات الأميركية لطلب الإنتقام في أفغانستان، ولم يكن لدى أسامة بن لادن وقائد طالبان الملا عمر أدنى شك بأنهم سيقاتلون القوات الأميركية الغازية كما قاتل المجاهدون الاحتلال السوفياتي.
ويعتقد مسعود خليلي، أحد مساعدي أحمد شاه مسعود، بأن أسامة بن لادن هو الجهة الوحيدة التي تقف خلف التفجير الذي أدى إلى مقتل مسعود.
وقد أوضح خليلي، في مؤتمر صحفي في تشرين الأول/أكتوبر 2001، أن خطة قتل مسعود وضعت على الأرجح في أيار/مايو 2001، بعد أن سافر شاه مسعود كنائب للرئيس الأفغاني الأسبق برهان الدين رباني ووزيراً للدفاع إلى أوروبا للمرة الأولى، وألقى خطاباً تاريخياً أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ شرقي فرنسا كممثل رسمي لأفغانستان.
أحمد شاه مسعود والشهيد قاسم سليماني
كانت علاقة أحمد شاه مسعود بالشهيد قاسم سليماني علاقة عميقة، ويذكر المطلعون على هذه العلاقة أن الشهيد سليماني حزن على شاه مسعود وبكاه عند مقتله، ويروي نصر الله صادق زادة نيلي، ممثل ولاية دايكندي السابق في البرلمان الأفغاني: "عندما انسحب أحمد شاه مسعود إلى وادي بنجشير،تواصل الشهيد سليماني معه. أرادت طالبان إعلان انتصارها الكامل بدخول الوادي،لكن بتكتيك الشهيد سليماني وصلت أسلحة ومعدات مدفعية إلى هذه المنطقة، وقصفت المدفعية عناصر طالبان مما أدى إلى فرارهم ولم تسقط أفغانستان".
ولفت نيلي إلى أنه تم تشكيل قوة باسم "فيلق محمد" في أفغانستان من المجاهدين الذين لديهم سابقة الحرب والجهاد، وقد كانت هذه القوة مؤثرة في مواجهة تنظيم القاعدة.
العلاقة مع "طالبان" وبن لادن.. خلاف عميق
يختصر القائد شاه مسعود خلافه مع "طالبان" في إحدى حواراته الصحفية بقوله: "لقد مددنا أيدينا للحركة وذهبت بنفسي مع 4 من حرسي الخاص إلى طالبان عندما وصلوا أبواب كابول لأول مرة، وجلست مع الملا رباني والملا ترابي ومعظم قادة طالبان عدا الملا عمر وسألتهم: ماذا تريدون؟ قالوا: نريد تطبيق الشريعة، ثم ماذا؟ قالوا: نريد أن نجمع الأسلحة. فقلت: مطالبنا ومطالبكم واحدة".
ويكمل: "ما هو طرحكم لأفغانستان اليوم وأفغانستان الغد؟ لم يكن لديهم أي برنامج، ونظروا إلى بعضهم البعض وقالوا: نرسل وفداً إلى كابول للتناقش معك. وبعد أيام جاء وفدهم إلى كابول، فقلت لهم: مادام الحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار هو العقبة الأساسية أمام السلام في أفغانستان، وما دمتم ترفعون شعار الإسلام الذي هو أملنا الذي ناضلنا من أجله فتعالوا نعقد مجلساً للعلماء المشهورين ونجمع أربعين عالماً منا ومثل هذا العدد منكم إضافة إلى متخصصين قانونيين ومثقفين وعلماء اجتماع لنتفق معاً على سبل إقامة حكومة إسلامية في هذا البلد، وأنا أؤكد لكم أن الأستاذ رباني لن يصر على كرسي الحكم، فقالوا: هذا كلام جيد، ثم عينا موعداً لتاريخ الاجتماع ولم يأتوا للموعد، ثم بدأت قواتهم هجومها على كابول".
ويضيف: "اتصل بنا قادة طالبان خلال هذه الفترة مرة أو مرتين، وفي كل مرة كنت أؤكد أن الحرب ليست حلاً لمشكلة أفغانستان، ولكن لن نسلم أسلحتنا لعملاء باكستان".
ويقارن مسعود شخصية بن لادن بشخصية حكمتيار بقوله: أنا أجد أسامة بن لادن في نقاط عدة قريباً من شخصية حكمتيار،وتحركاته من وجهة نظر الدين ومن وجهة نظر العقل والمنطق السليم بعيدة كل البعد عن الإسلام".
كان تنافس شاه مسعود مع قلب الدين حكمتيار هو السبب الرئيسي في عدم اتحاد المجاهدين وتشكيل إئتلاف حكومي.
وتحول موقفه من باكستان بسبب دعمها حكمتيار ثم طالبان إلى هاجس، وكثيراً ما كان يؤكد على فكرة ترك الأفغان ليقرروا خياراتهم لا أن تقرر عنهم المخابرات الباكستانية.
ويعتقد شاه مسعود أن طالبان هي "صنعية المخابرات العسكرية الباكستانية"، ويعتبر أن "باكستان كانت منذ زمن بعيد تفكر في إيجاد عمق جغرافي ومذهبي لها في أفغانستان، ولذا كان ضمن برنامجها أن تنصب حكومة عميلة وضعيفة في كابول ومن هذا الباب كانت تسعى دائماً إلى تمهيد الطريق أمام العميل الذي اختارته وحزبه الذي كانت تقف وراءه من طريق مدينة جلال أباد ومناطق الجنوب الأفغاني".
ولهذا صعقت باكستان عندما سقطت كابول عام 1992 بيد شاه مسعود من الشمال والأوزبك بقيادة رشيد دوستم من الجنوب.
ولطالما هاجم شاه مسعود كثيراً بن لادن في وسائل الاعلام، قائلاً في احدي لقاءاته: أسامة بن لادن هو الذي شارك طالبان في جميع هجماتهم وتسبب في قتل وتشريد مجاهدين قتلوا الروس، ما أعرفه عن أسامة بن لادن أنه من قتلة شعبي، ومن الذين ساهموا في تعميق آلام الأفغان وإذكاء الحرب في بلدي.
حياة أحمد شاه مسعود وعائلته
ولد أحمد شاه مسعود، في قرية بازاراك في إقليم بنجشير الأفغاني في أيلول/سبتمبر 1953، وهو من قومية الطاجيك. وكان أبوه دوست محمد خان عقيداً في الجيش الأفغاني، وعمه عبد الرزاق خان ضابطاً في الاستخبارات.
وكان مسعود يتحدث عدة لغات منها الفارسية والفرنسية والعربية والروسية والباشتونية ولغات محلية أخرى. ومكنته ثقافته الفرنسية من نسج علاقات في الغرب خصوصاً مع الأوروبيين، وقد زار بريطانيا وفرنسا لبحث الدعم ضد حركة "طالبان".
له خمس بنات وولد واحد هو أحمد مسعود الذي قاد في الأيام الماضية المواجهات العسكرية ضد طالبان في وادي بنجشير.
له العديد من الألقاب منها "أسد بنجشير"، و"فاتح كابول"، و"أمير صهيب".