انقلاب على رفاق السلاح.. ماذا يحدث في كفريا والفوعة؟
بعد توتُّرات وإشكالات في بلدتي الفوعة وكفريا بسبب محاولات "الحزب الاسلامي التركستاني" السيطرة على منازل السوريين الأصليين، تمّ تقسيم بلدة الفوعة إلى 5 قطاعات. أمّا بلدة كفريا فكانت من حِصّة الفصائل الإسلامية المتشدِّدة.
تشهد قرية الفوعة في ريف إدلب توتراً شديداً منذ عدة أيام. وتصاعدت هذه التوترات بعد إشكالات حدثت بين سوريّين احتلوا منازل سكان الفوعة بعد تهجير سكّانها الأصليين منها إلى مناطق سيطرة الدولة السورية، بعد حصار دام أكثر من ثلاث سنوات، وبين عناصر من "الحزب الإسلامي التركستاني" اقتطعوا بعض الأحياء من القريتين، بموجب اتفاق تمّ بين الفصائل "الجهادية" التي كانت تحاصر القريتين برعاية الاستخبارات التركية، كهدية إليهم تحت بند ما يُسمى "غنائمَ حرب".
وتصاعدت حدة التوترات في بلدة كفريا في ريف إدلب الشرقي الأحد الماضي، بين مجموعة من أهالي اللطامنة في ريف حماه وعناصر من "الحزب الإسلامي التركستاني"، على خلفية تهديدات واعتقالات قام بها مقاتلون من "الحزب الإسلامي التركستاني" بحقِّهم، وذلك لإجبارهم على إخلاء المنازل التي يقطنون فيها. ويَدّعي عناصر "الحزب التركستاني" أنها ضمن المناطق التي خُصِّصت لهم، وضمن قطاع مساكن العائلات التركستانية، بعد تقاسم أحياء المدينة برعاية تركية _ قطرية.
بعد هذه التوترات، قام مسلَّحون من "الحزب الإسلامي التركستاني" باعتقال عدد من المدنيين، بينهم كبار في السن، بعد مطالبتهم بإخلاء منازلهم، على اعتبار أنها ضمن قطاع "التركستان"، ويجب عليهم إخلاؤها.
بعد كل هذه التوترات والمشاحنات وحملات الدهم والاعتقال، خرج الأهالي المقيمون بالقرية، ومعظمهم من اللطامنة في الحيّ، بمظاهرة احتجاجية ضد قرار الفصيل الإسلامي المتشدّد، والذي يسعى للسيطرة على منازل المدنيين وإخراجهم بقوة السلاح، وجعل كل بلدة كفريا ضمن قطاع سيطرته وإمارته، كما فعل في قرية الزنبقي في ريف جسر الشغور، والتي سيطر عليها كاملةً في عام 2014، علماً بأن كفريا، بعد أن تمّ تهجير أهلها بالكامل في عام 2018، تمّ تقسيمها إلى قطاعات.
وفي وقتٍ سابق، نقلت "شبكة شام" المحلية صورة خريطة لبلدتي كفريا والفوعة، تُظهر تقسيمات مظلَّلة بعدة ألوان. وأُتْيع فيها كلُّ قسم "قطاع" خاص بفصيل، تتيح له السيطرة عليه، وهو يشكّل منطقة سكنية أو حياً أو عدة أحياء ضمن البلدتين، وكل ما في هذه المنطقة يُعتبر ملكاً للفصيل المسيطِر عليها.
وتُظهر الصورة المسرَّبة تقسيم بلدة الفوعة إلى 5 قطاعات، توزَّعت السيطرة عليها على فصائل "هيئة تحرير الشام"، و"الجبهة الوطنية للتحرير"، و"جيش الأحرار"، و"تجمع دمشق"، و"جبهة تحرير سوريا". ونواة التقسيم من مركز المدينة، وكل قطاع يشمل جهة منها، ويُمنَع لأي فصيل تجاوز قطاعه أو التدخل في القطاع التابع للفصيل الآخر.
أمّا بلدة كفريا فكانت من حصة الفصائل الإسلامية المتشددة. وتطل البلدة على طريق باب الهوى - الأوتستراد الدَّوْليّ، فقُسِّمت بعد تهجير سكانها بين "هيئة تحرير الشام" و"الحزب الإسلامي التركستاني"، وفصيل "الأوزبك". ومُنح فصيل "حراس الدين"، المبايع لتنظيم "القاعدة"، نسبةَ 8% من البلدة.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتمّ فيها مهاجمة المدنيين، بحيث سبق أن أطلقت مجموعة عسكرية تابعة لـ"حركة أحرار الشام"، التابعة لـ"الجبهة الوطنية" المدعومة من تركيا، النار على محتجّين مدنيين، رفضوا تعامل عناصر الفصيل مع إحدى النساء في المنطقة.
وتقول المعلومات إن إطلاق الرَّصاص الحيّ جاء خلال تفريقهم تجمُّعاً من المدنيين الرافضين إخراجَ أرملة من منزلها في بلدة الفوعة، وتحويل البيت إلى مقر تابع للحركة.
وكانت بلدتا كفريا والفوعة تعرَّضتا لحصار مشدَّد من جانب "جبهة النصرة" استمرّ سنوات. وفشلت كلّ المحاولات في اقتحامها بسبب صمود المدافعين عنها وتضحياتهم، إلى حين توقيع اتفاق التسوية في عام 2018، والذي رسّخ أكبر عملية تغيير ديمغرافي، وَفق أُسس طائفية خلال الحرب.
وبموجب الاتفاق، الذي عُقد في تموز/يوليو 2018، تمّ إجلاء مَن بقي من سكان البلدتين، والبالغ عددهم نحو 7 آلاف شخص تقريباً، في مقابل إطلاق سراح مختطَفين ومعتقلين ومدنيين لدى "النصرة"، وإطلاق الحكومة السورية سراح 1500 شخص من السجون الحكومية.
حتى الآن، لم يستطع عناصر "الحزب الإسلامي التركستاني" الاندماج في المجتمع السوري، نتيجة أسباب كثيرة، أوَّلها اللغة والعادات والتقاليد، وأساليب العيش، وطبيعة المجتمعات التركستانية المغلَقة، بالإضافة الى عمليات الاغتيال المتكرِّرة، والتي حدثت لعناصر الحزب في عدد من المناطق في محافظة إدلب نتيجة أسباب مجهولة حتى الآن، وإن كان دافعها استخبارياً، أو بسبب خلافات بين السكان المحليّين وهؤلاء المهاجرين، الأمر الذي دفع قيادات الحزب إلى توجيه تعليمات صارمة لكل العائلات التركستانية بشأن الإقامة ضمن مناطق نائية، وبعيدة عن التجمعات السكانية، أو الأكثرية السورية، والانكفاء إلى قرى جبلية أو مناطق محصَّنة قليلة الكثافة السكانية، وأيضاً محمية ميدانياً، من خلال وجود مدخل واحد أو اثنين، على أكثر تقدير، لكل قرية، أو تجمع سكاني يستطيع من خلاله عناصر الحزب ضبط عمليات الدخول لهذه التجمعات، والخروج منها.
حتى إن عناصر "الحزب الإسلامي التركستاني" يتجوّلون في الأسواق والبازارات بسلاحهم الكامل، ودائماً ما يتجوّلون ضمن مجموعة أو مجموعتين، في أعداد لا تتجاوز ثلاثة أشخاص.
ويلاحَظ أنه لم تحدث عمليات اندماج حقيقية بين نساء المقاتلين التركستان وأطفالهنّ من جهة، والنساء والأطفال السوريين من جهة ثانية. وهم لا يقومون بزيارات لغير التركستان، ولا يحضرون أيّ مناسبات اجتماعية.
إذاً، الجالية التركستانية هي الأكثر أنطواءً بين كل الجاليات والمجموعات القتالية التي قَدِمَت إلى سوريا منذ عام 2012.