خبير مصري للميادين نت: إثيوبيا تستخدم سد النهضة للابتزاز السياسي
رئيس قطاع مياه النيل الأسبق في مصر، الدكتور عبد الفتاح مطاوع، يوضح أنه إذا حدث فيضان عند امتلاء سد النهضة، فسوف تصل إلى مصر كمية هائلة من المياه، تُقدَّر بمليار و 100 ألف متر مكعّب، وستُغرق مساحات واسعة من أراضيها.
يكشف رئيس قطاع مياه النيل المصري الأسبق، الدكتور عبد الفتاح مطاوع، والملقَّب بـ"حكيم النيل"، أن بريطانيا أعطت إثيوبيا، عند توقيع اتفاقية عام 1902، أراضيَ في منطقة بني شنقول، هي تابعة في الأساس للسودان، في مقابل توقيع إثيوبيا هذا الاتفاق.
وهذه الأراضي هي ما تم بناء "سد النهضة" عليه. وتبعد 30 أو 40 كيلومتراً عن الحدود السودانية الإثيوبية.
ويوضح مطاوع، في حوار هاتفي مع الميادين نت، من القاهرة، أن "معنى عدم اعتراف إثيوبيا بهذه الإتفاقية، هو أن الأراضي التي بُني عليها سد النهضة، هي أراضٍ سودانية". وبالتالي، "هي أرض محتلّة من إثيوبيا، ويجب تحريرها من جديد".
ويلفت إلى أن "اتفاق عام 1902 موقَّع من إمبراطور إثيوبيا مِنْليك الثاني، إلى جانب توقيع بريطانيا، نيابةً عن مصر والسودان، كونها كانت تستعمرهما".
على إثيوبيا احترام الاتّفاق الموقَّع مع بريطانيا
يشرح "حكيم النيل" أن هذا الاتفاق "وُقِّع عندما كانت إثيوبيا دولة مستقلة، بينما كان السودان ومصر مُستعمرَين من بريطانيا. وتقول إثيوبيا إن هذه الاتفاقية استعمارية، والصحيح أن مصر والسودان هما اللذان كانا مستعمرَين. وهذا يؤكد زيف قول حكومة إثيوبيا إن هذه الاتفاقية استعمارية".
وينص هذا الاتقاق على ألاّ تقوم إثيوبيا بتنفيذ أيّ مشروع على نهر النيل يؤثّر في حصّة المياه المتدفقة إلى كل من مصر والسودان، إلاّ بموافقتهما.
ويرى مطاوع أن "على إثيوبيا احترام الاتّفاق الموقَّع مع بريطانيا، والذي يقضي بعدم قيامها بأي مشاريع إلاّ بموافقة السودان ومصر. ولا يوجد في هذا الاتفاق أيّ إشارة إلى تقاسم للمياه. لكنَّ الطرف الإثيوبي حاول خلط الأوراق وإثارة المشاكل، ولم يحترم اتفاق عام 1902".
وبشأن مخاطر تنفيذ سد النهضة على مصر، على صعيدي تأمين المياه للسكان وللزراعة، في حال عدم التوصل إلى اتفاق مع إثيوبيا، يوضح مطاوع أن "مصر ليست ضدّ التنمية في إثيوبيا، ولا ضد استخدام المياه لتوليد الطاقة الكهربائية فيها. ولأن مناخ إثيوبيا يراوح بين استوائي وشبه استوائي، فحاجتها إلى المياه أقلّ من حاجة كل من مصر والسودان اللذين يُعتبر مناخهما صحراوياً. وحاجة إثيوبيا إلى المياه تفتقد المنطق. أمّا استخدامها المياه، من أجل توليد الطاقة الكهربائية، فلا يشكّل مشكلة لدينا".
إثيوبيا تستخدم سد النهضة لتعزيز النزعة القومية لسكّانها
ويؤكد مطاوع أن مصر تطالب باتفاق قانوني يوضح كيفية مَلء خزان سد النهضة، وتشغيله في كل من سنوات الجفاف وسنوات الفيضان الشديد والعالي. فهذه البرامج، إن لم تكن معروفة من جانب كل من مصر والسودان، فلن تستطيع أيٌّ من هاتين الدولتين تشغيل السدود الموجودة في السودان، ولا السد ّالعالي المصري، بصورة طبيعية، وعلى نحو يكفي لسدّ حاجة كل منهما إلى الماء.
وفي الإطار، يطالب بآلية واضحة لفض ّالنزاعات القانونية في المستقبل، واستكمال دراسات الأثر البيئي في دولتي المصبّ، وأهمها دراسة "أمان" سد النهضة.
وعن الأسباب التي تجعل الأمور تذهب نحو الأسوأ بسبب بناء سد النهضة؟ يجيب مطاوع بأن "إثيوبيا هي أحد الأطراف الثلاثة، مع مصر والسودان، المستفيدة من مياه نهر النيل. والمفترض أن تصل هذه الدول إلى اتفاق فيما بينها، لكنّ إثيوبيا تستخدم الآن ملف مياه النيل مادةَ ابتزاز سياسي ضد مصر والسودان".
وحول فكرة "الهيمنة الإثيوبية" على أفريقيا، يعلّق مطاوع بالقول إن "فكرة هيمنة إثيوبيا هي فكرة ضعيفة، لأنها بلد مهدَّد بالانفراط". أمّا الهدف الحقيقيّ من تصرفها على هذا النحو في ملف سد النهضة، فهو "تعزيز النزعة القومية لدى الإثيوبيين، وتوحيد صفوفهم من خلال خلق عدو خارجي لهم، وإيهامهم بأنه يرفض التنمية لبلدهم، ولا يريد لهم التقدم والنهضة".
نهر النيل هو حياة المصريين وتاريخهم وحضارتهم
وإذ يضيف قائلاً "يمكن أن ينفرط عقد إثيوبيا نتيجة المشاكل الداخلية التي تعاني جرّاءها، وأهمها مشكلة إقليم تيغراي، والانتخابات المرتقبة، والمشكلة الاقتصادية، والتضخم الذي وصل إلى 20 %"، يتحدث عن "وجود تقارير دولية بوجود مجاعة في الإقليم المذكور، وهناك مناطق أخرى في شرقي إثيوبيا مهدَّدة بالمجاعة أيضاً. وكل ذلك يتم في ظل غضب دولي مما يحدث من إبادة جماعية للسكان في هذا الإقليم".
ويعلّق مطاوع على ما قاله وزير الخارجية المصري السابق، إسماعيل فهمي، ومفاده "أن الصِّدام جايْ جايْ"، بالقول "إذا استمرت إثيوبيا فى اتخاذ قرارات أحادية، فهذا معناه أنها لا تعترف بقواعد القانون الدولي، ولا بالاتفاقيات الموقَّعة في إطار القانون الدولي. فمصر تتفاوض معها منذ 10 سنوات، ولم تستخدم وسائل أخرى غير التفاوض، على الرغم من أن نهر النيل هو حياة المصريين وتاريخهم وحضارتهم". وأكّد أن "أيّ محاولة للتأثير في مصر، من خلال مياه نهر النيل، هي "خط أحمر"، كما أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي".
أيّ خطأ في هيكلية السد قد يعرّض مصر والسودان للفيضان
وعن الفيضان، يقول مطاوع "إذا حدث فيضان كبير، فقد يؤثّر في برامج ملء السدود السودانية وتفريغ المياه منها. فمثلاً، سعة سد "الروصيرص" السوداني هي 7 مليارات متر مكعب، وهو على بعد نحو 150 كيلومتراً من الحدود مع إثيوبيا. وحصة السودان من مياه النيل هي 18 ملياراً ونصف مليار متر مكعب. وأي خطأ في هيكلية السد وامتلائه قد يعرّض السودان للغرق والفيضان".
وبوضح أنه "لو افترضنا أن سد "الروصيرص" كان ممتلئاً وحدث فيضان في مياه النيل الأزرق، الذي بُني عليه سد النهضة، فهنا ستكون المشكلة شبيهة بما حدث العام الماضي، في اَب/أغسطس، عندما فاضت المياه في السودان، وقُدّرت بمليار متر مكعب. والخطورة اليوم مماثلة، فإن حدث فيضان، وهذا أمر جائز، فإن المياه سوف تُغْرق أرض السودان".
مطاوع يطرح الآتي "لو افترضنا أن السد العالي ممتلئ بالمياه، وحدث فيضان عند امتلاء سد النهضة، فهذا يعني أن الفيضان سيتمدد ويصل إلى مصر، من خلال كمية هائلة من المياه، تُقدَّر بمليار و 100 ألف متر مكعب، وسوف تُغرق كثيراً من الأراضي المصرية".
لذلك، يشدد في الختام على "أن تكون برامج الملء والتشغيل معروفة ومنسَّقة، لتتمكّن مصر والسودان من إدارة مواردهما المائية، وحماية البلدين من الغرق والفيضان، وتجنُّب حدوث لا تُحمد عقباه".