هل نضجت ظروف ترتيب البيت الفلسطيني؟

الانتصار الكبير الذي حققته معركة "سيف القدس" حرّك ملفات راكدة منذ ما قبل العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، أبرزها ملف تبادل الأسرى والحوار الفلسطيني الفلسطيني.

  • مأزق متعدد الأوجه على الساحة الإسرائيلية، انطلاقاَ من فضح ترهل الجبهة الداخلية مروراً بالمأزق الحكومي والاشتباك السياسي المتنامي
    حماقة نتنياهو تهدّد حياته السياسية وتشعل المطالبات الدّولية بمحاكمة الاحتلال

أفرز النصر الفلسطيني تغييرات متعددة، طالت ملفات وقضايا، بعضها مستجد، وبعضها قابع في عالم الثبات منذ زمن بعيد، فـ "ما قبل سيف القدس ليس كما بعدها"، خلاصة تتضح تفاصيلها تباعاً. 

كانت حركة "حماس" حاسمة في تأكيدها رفضَ المقاومة أيَّ ربط بين وقف القتال وإعادة الإعمار من جهة، وملف الأسرى من جهة ثانية، بمعزل عن المساعي المصرية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار طويل الأمد.

وتتواصل الجهود في إطار تثبيت التهدئة وجعلها طويلة الأمد، فضلاً عن جهود إعادة إعمار غزة، بينما أعلنت المقاومة الفلسطينية استعدادها صراحة لمناقشة ملف تبادل الأسرى.

رئيس حركة "حماس" في غزة يحيى السنوار، أكد، في هذا السياق، أن هناك فرصة حقيقية حالياً لتحقيق تقدُّم في ملف التبادل، لكن على نحو منفصل عن أي ملف آخر، وبمعزل عن أي شروط إسرائيلية، كشرط استعادة الأسرى الإسرائيليين قبل أي تخفيف للحصار على غزة وإعادة إعمارها.

انتصار المقاومة أعاد الحرارة إلى مسار المصالحة الفلسطينية بقوة أيضاً، بعد الفتور الذي شهدته عقب تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية.

وفي السياق، يُجري الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية حواراً فلسطينياً وطنياً في القاهرة الأسبوع المقبل، للبحث في المصالحة وإنهاء الانقسام.

والأبرز هنا ما يتردد من تسريبات بشأن إمكان التوصل، خلال اجتماعات القاهرة بين الفصائل الفلسطينية، إلى ورقة عمل مشتركة للمرحلة المقبلة.

من جهة أخرى، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن خطوات كبيرة قُطِعت في مجال صفقة تبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية.

وقالت قناة "كان" الإسرائيلية إن الاحتلال الإسرائيلي أوصل قائمة تحمل أسماء عشرات الأسرى الفلسطينيين الذين يمكن أن تفرج عنهم خلال الصفقة المقبلة، مشيرة إلى أن المقاومة الفلسطينية لم تُعطِ ردها بعدُ عن هذه القائمة، وأضافت أن وفداً إسرائيلياً سيتوجه إلى مصر خلال الأسبوع المقبل.

وفي ذلك ترجمة واقعية لمعادلات النصر الذي حرّك المياه الراكدة، على صعيد المصالحة الفلسطينية، وأعاد الحرارة إلى الملف الذي بات يحظى بقوة دفع مصرية واضحة، مدعومة بتأييد، إقليمياً ودولياً، بعد فتور أصابه عقب تأجيل الانتخابات الفلسطينية.

ملف آخر سرّع النصرُ خطواتِه، هو المأزق المتعدد الأوجه في الساحة الإسرائيلية، انطلاقاَ من فضح ترهُّل الجبهة الداخلية وتفكُّك المجتمع الإسرائيلي، مروراً بالمأزق الحكومي والاشتباك السياسي المتنامي في لحظة يجد فيها نتنياهو نفسه معزولاً سياسياً وملاحَقاً قضائياً، بينما محور التطبيع مأزوم يحاول تغطية فشله بالهروب إلى الأمام، وصولاً إلى مشهد دولي عام يبدو كأنه ضاق ذرعاً بجرائم الاحتلال، التي تصدَّرت صحف العالم وأجَّجت مطالبات حثيثة بنقلها إلى محكمة لاهاي.

عضو المكتب السياسي في حركة "حماس"، غازي حمد، أكد أن "انتصار المقاومة والالتفاف حوله يشكّلان انعطافة تاريخية".

وقال للميادين "أثبتنا أننا نستطيع فعلاً تغيير المعادلة القائمة وإعادة القضية الفلسطينية إلى مركزها الحقيقي"، مشيراً إلى أن "النصر العسكري يحتاج إلى استثمار سياسي يُترجَم على الأرض. والأولوية هي لترتيب البيت الفلسطيني".

وأضاف حمد أنّ "حركة حماس جاهزة للذهاب إلى الحوار لاستعادة الوحدة الوطنية"، لافتاً إلى أن "مسار أوسلو أثبت فشله ويجب تغييره، ونحن نريد التوافق الوطني على استراتيجية تجمع المقاومة بالسياسة".

وشدّد على أنه "يجب إنهاء الانقسام وإعادة بناء منظمة التحرير كي نشكّل رادعاً لاعتداءات الاحتلال"، معرباً عن رفضه "الابتزازَ الإسرائيلي الذي يقوم على ربط ملف تبادل الأسرى بملفات أخرى".

وأشار حمد إلى أن "إسرائيل" بدت عاجزة في هذه الحرب "وظهر إفلاسها على نحو واضح"، لافتاً إلى أن "هناك اهتزازاً داخل إسرائيل وعدم ثقة بالجيش ووسائل الدفاع".

وبشأن حوار القاهرة المرتقَب، أكد أن "علينا الذهابَ إلى حوار القاهرة في شكل ومضمون مُغايرين هذه المرة"، معتبراً أنّ "الحوار يجب أن يقوم على إعادة بناء منظمة التحرير والاتفاق على برنامج وطني موحَّد".

وأوضح حمد أن "إسقاط العمل المقاوم لا يمكن أن نسلّم به"، مؤكداً أنه "يجب أن نزاوج بين المقاومة والسياسة، وعلينا توحيدَ رؤيتنا في مواجهة الاحتلال".

من جهته، رئيس المكتب الإعلامي في مفوضية التعبئة والتنظيم في حركة "فتح" منير الجاغوب، قال إن "المقاومة حرّكت المياه الراكدة".

وتابع للميادين أن "ما حدث شيء كبير، وهو تراكُمٌ للقدرات الفلسطينية في مواجهة المحتل"، لافتاً إلى أنه "يجب أن يتم ردع إسرائيل، والمقاومة قامت بدورها".

وشدّد الجاغوب على أن "على منظمة التحرير الفلسطيني نقلَ جرائم الاحتلال إلى المحاكم الدولية"، معتبراً أن "هناك إجماعاً على ضرورة وجود الكل الفلسطيني داخل منظمة التحرير".

وقال "رحّبنا في حركة "فتح" بتصريحات السنوار واعتبرناها برنامج عمل وطنياً"، موضحاً أن "في يدنا اليوم ورقة قوة في غزة، وورقة المقاومة الشعبية في الضفة، والالتفاف الشعبي في الداخل".

وأكد الجاغوب أن "على العالم أن يضع حداً لاعتداءات الاحتلال، لكن ذلك لن يحدث من دون الوحدة الوطنية".

قبل اتخاذ قرار العدوان على غزة، تنامت الخلافات داخل "إسرائيل" بشأن جهوزية الجيش الإسرائيلي والجبهة الداخلية لمثل هذه المعركة، وخصوصاً مع ما كانت تشهده القدس ومدن الداخل الفلسطيني من تحركات.

انتصار المقاومة في معركة "سيف القدس" قلَبَ الموازين وأجَّج الخلافات في الساحة السياسية الإسرائيلية، وأثار موجة انتقادات واسعة طالت رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو تحديداً.

أجمع خصوم نتنياهو في الداخل على تشكيل حكومة لا مكان له فيها، لأنه عرّض، في نظرهم، "إسرائيل" لخطر وجوديّ عبر إقدامه على فتح جبهة مع غزة لأهداف شخصية، تتعلق بتهربه من المحاكمة في قضايا الفساد المرفوعة ضده.

ليكون الانتصار الفلسطيني، بذلك، قد وضع مستقبل نتنياهو السياسي على المِحَكّ. انتصار شكّلت تداعياته أزمة في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، لن تستطيع "تل أبيب" تجاوزها بسهولة.

ولعل مَشاهد هروب المستوطنين من مدينة اللد المحتلة عام 48 تمثّل شاهداً حياً على هشاشة الجبهة الداخلية، وتهديداً بتفكك بنية كيان الاحتلال، وفق ما يقول مسؤولون وأكاديميون إسرائيليون.

وما زاد المأزق الإسرائيلي تفاقماً، خسارةُ "تل أبيب" معركة الرأي العام العالمي، مع تصاعد المطالبات بمحاكمتها على جرائمها بحق الفلسطينيين.

اخترنا لك