وسط اتهامات بالكذب والخداع... دعوات إسرائيلية إلى إنهاء العدوان على غزة
اعترفت مصادر رفيعة المستوى في المؤسسة الأمنية وفي جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن قائد الذراع العسكرية لـ"حماس" محمد الضيف، نجح في أن يفرض على "إسرائيل" معادلة جديدة بعد أن قرّر إطلاق الصواريخ على كل أرجاء الدولة التي في إمكانه الوصول إليها.
على وقع توسُّع دائرة الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، انعقد المجلس الوزاري المصغّر للشؤون السياسية والأمنية قبل ظهر اليوم (الأحد) لمدة أربع ساعات ونصف الساعة، للبحث في مسار المعركة ومآلها، في ظل تصاعد الدعوات المطالبة بإنهاء المعركة الحالية بعد أن استنفدت أهدافها.
دعوات بدا أنها موضع تباين واضح في "إسرائيل" بين من يدعو إلى استخدام مزيد من القوة والتدمير في القطاع، ولاسيما رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الأمن بيني غانتس ووزراء آخرين، وبين من يرى أن الأوان قد حان لوقف هذه العملية، وبينهم وزراء في "الكابينت"، وضباطٌ ومسؤولون أمنيون كبار، في ظل حديث عن خشية من تصعيد متعدد الجبهات، وقلق عميق من هذا الاحتمال، في ظل المواجهات في الضفة وعند الحدود مع لبنان، وإطلاق الصواريخ من سوريا، إلى جانب الاضطرابات والمواجهات في الحلبة الداخلية.
وترافق هذا التباين مع ازدياد الانتقادات التي تطال الجيش الإسرائيلي بسبب فشله في "خدعة التضليل" التي استخدمها ضد حركة "حماس" لتدمير أنفاقها على من فيها، مع ما ألحقه الأمر من ضرر في صورة "إسرائيل" أمام وسائل الإعلام الأجنبية، ونتيجة إخفائه معطيات عن الكنيست.
تباين بشأن استمرار الاعتداءات
بدا من المواقف المُسرَّبة والمنقولة عن المستوى العسكري - الأمني في "إسرائيل" أنه يوجد تباين واضح فيها مع توجهات المستوى السياسي، الداعي إلى استمرار العملية العسكرية ضد قطاع غزة، بحيث نقلت تقارير عن المؤسسة الأمنية اعتقادها أن أغلبية الأهداف الخاصة بالعملية الجوية استُنفدت، وأن أي توسيع إضافي للعملية سيكون في سياق عملية برية، و"هذا أمر يرغب فيه عدد قليل جداً من الجهات الحكومية، إذا كانت فعلاً تريده هذه الجهات"، وفقاً لمصادر في المؤسسة الأمنية.
وأضافت تقارير في "موقع والاه" أن "مسؤولين كباراً في المستوى السياسي والمستوى المهني هم على صلة وثيقة بالعملية في غزة"، يرون أن على "إسرائيل أن تبدأ اليوم التقدم نحو إنهاء العملية، وبدء اتصالات لوقف إطلاق النار، في ضوء الإنجازات في القتال حتى الآن، وبسبب الضغط الدولي المتزايد بشأن المس بالمدنيين والوضع الإنساني المتدهور في غزة".
وأشارت هذه التقارير إلى أن "القلق في الجيش الإسرائيلي يتزايد ننيجة تعقّد هجمات تقود إلى مقتل مواطنين (مستوطنين)، أو من إنجاز عسكري لـ"حماس"، يضع صعوبات أمام إسرائيل لإنهاء المعركة من مكانة متفوقة".
وبحسب ما ذكر معلقون إسرائيليون، يخشى مسؤولون أمنيون رفيعو المستوى من أن استمرار العملية العسكرية، التي حقق الجيش الإسرائيلي فيها معظم أهدافه، قد ينتهي بخطأ يجرّ "إسرائيل" إلى حرب أوسع، بما في ذلك هجوم بري في قطاع غزة، و"هو ما لا يحظى بشعبية داخل المؤسسة الأمنية حالياً".
في المقابل، اعترفت مصادر رفيعة المستوى في المؤسسة الأمنية وفي جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن "قائد الذراع العسكرية لـ"حماس" محمد الضيف نجح في أن يفرض على "إسرائيل" معادلة جديدة بعد أن قرر إطلاق صواريخ على كل أرجاء "الدولة" التي في إمكانه الوصول إليها. والأمر الذي لا يقل خطورة هو نقل رحلات جوية من مطار بن غوريون إلى مطار "رامون" بسبب الخطر على طائرات السفر، وإغلاق حقل تمار".
تزايد الدعوات إلى إنهاء الحرب، وسط المستوى الإعلامي في "إسرائيل"، لخصّه محلل الشؤون العربية في موقع "والاه" الإخباري، آفي يسسخروف، بقوله إن العملية في غزة استنفدت نفسها، ويجب إنهاؤها نتيجة عدة أسباب:
ـ "الإنجازات التكتيكية" لجيش الاحتلال الإسرائيلي (المترو - المخازن) لن تغيّر الإنجاز الإستراتيجي لـ"حماس"، الأمر الذي أشعل غزة، والضفة، ولبنان، وسوريا، وحتى "إسرائيل"، وأدى إلى قتل مزيد من الفلسطينيين في غزة. وهذا الأمر "لن يغير الصورة الأكبر".
ـ الضفة الغربية بدأت تستفيق بعد سنوات من النوم العميق، وإيقاف العملية في غزة سيؤدي إلى تهدئة الأجواء في الضفة، و"داخل إسرائيل" أيضاً.
ـ إعادة التفكير في موضوع غزة باتت حاجة ضرورية بعد أن عززت سياسات حكومات نتنياهو الخاطئة وضعَ حركة "حماس"، "إذ لا يمكن إطعام الوحش والأمل في السيطرة عليه".
ـ الطريقة الوحيدة لهزيمة "حماس" الآن هي في عملية برية، ويوجد إجماع في القيادة الإسرائيلية على عدم الرغبة في القيام بعملية كهذه.
الجيش الإسرائيلي يُبرِّر خديعته
ما زال الموقف الملتبِس و"الخادع"، والذي أطلقه المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، عن بداية عملية برية في قطاع غزة منذ أيام، بالتزامن مع الضربة القوية التي وجهها الجيش الإسرائيلي إلى الأنفاق في القطاع، ما زال يتفاعل في "إسرائيل"، بحيث توجَّه مساء السبت المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، العميد هدي زيلبرمان، إلى وسائل الإعلام الأجنبية العاملة في "إسرائيل"، ببيان وُصف إسرائيلياً بأنه "استثنائي"، شرح لها فيه "الإيجاز الصحافي الذي أجراه الجيش الإسرائيلي ليل الخميس، وضلّل وسائل إعلام كثيرة، وجعلها تصدّق أن إسرائيل تنوي تنفيذ عملية برية في غزة".
زيلبرمان أشار إلى أنه تبيّن من التحقيق الذي أجراه في الموضوع، أن "خطأ الضابط كان غير مقصود ونتيجة عدم فهم لصورة الوضع العملاني في الميدان، وليس نتيجة أي سبب آخر". وأضاف زيلبرمان أنه قرأ بقلق كبير "المزاعم بأن وحدة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي والمتحدث الدولي الخاص بنا ضلّلا عن قصد الصحافيين".
وكان الانتقاد لهذه العملية داخل "إسرائيل" وخارجها وصل إلى حد أن وزير الخارجية الإسرائيلي سابقاً، ورئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان، رأى، في مقابلة مع "القناة 12" الإسرائيلية، أن عملية الأنفاق تحولت من عملية عسكرية إلى "عرض علاقات عامة"، وأن هدفها "تحسين وضع نتنياهو"، متهماً "الجيش الإسرائيلي بأنه يُخفي الحقيقة عن الشعب الإسرائيلي".
وانتقد محلل الشؤون الاستخبارية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، رونين بيرغمان، هذه العملية، وقال إنه يبدو أن وحدة الناطق العسكري، والجيش الإسرائيلي، والمؤسسة الأمنية، والمستوى السياسي "لا تدرك مجتمعةً خطورة عملية التضليل"، بحيث شعر الصحافيون بأنهم باتوا أهدافاً، أو على الأقل تحوَّلوا إلى ضرر عرضي يقابَل بعدم اكتراث من جانب الذين يصادقون على العمليات العسكرية في "إسرائيل".
وشدّد بيرغمان على أن "هذا سلوك غير أخلاقي، وغير مؤدّب، وغير حكيم بتاتاً في الأساس. وفي نوع كهذا من القتال، والذي يحدَّد فيه النصر أساساً بموجب إنجازات رمزية وشكل تصويرها في وسائل الإعلام، ثمة ضرورة لإبقاء الصحافة خارج المجال، وعدم التعرض لها واستهدافها". وتوقع بيرغمان أن يستغرق إصلاح الضرر الذي لحق بـ"إسرائيل| وتعاملها مع وسائل الإعلام وقتاً طويلاً جداً.
وفي التفاصيل التي نُشرت في "إسرائيل" عن هذه العملية، كشف محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشع، أنها تُسمَّى في الجيش الإسرائيلي "جنوب أزرق"، ليُضيف المراسل العسكري في صحيفة "معاريف"، طال لف رام، أنها عملية "خطّط لها الجيش الإسرائيلي على مدى عدة سنوات"، وهدفها إحلال نوع من "يوم غفران" استراتيجي بـ"حماس"، بحيث يلقى حتفَه داخل الملجأ الآمن تحت الأرض جزءٌ من قيادة "حماس" ونُخبة مقاتليها.
وبحسب تقارير، فإن تدمير شبكة الأنفاق شماليّ قطاع غزة، أو "المترو " كما سموها في جيش الاحتلال الإسرائيلي، هو جزء من الخطة ذاتها، لكنه "ليس الجزء المركزي فيها".
بدوره، أشار معلق الشؤون الأمنية في صحيفة "معاريف"، بن كسبيت، إلى أن هذه الخطة بدأت عند قائد المنطقة الجنوبية السابق أيال زامير، وطُوّرت وكُثّفت لدى خلَفه هرتسي هاليفي. وكشفت التقارير أن أفيغدور ليبرمان، عندما كان وزيراً للدفاع، طرحها على "الكابينت"، وطلب تنفيذها. لكنه كُبِح من جانب نتنياهو.
جيش الاحتلال الإسرائيلي يعرض حقائق مغلوطة أمام الكنيست
انتقاد آخر تعرض له جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد أن أخفى رئيس أركان قيادة الجبهة الداخلية فيه، العميد إيتسيك بار، عن أعضاء لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، المعطياتِ الحقيقيةَ بشأن حجم إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، وعرض أمامهم صورة خاطئة وأخفَّ وطأةً للوضع الفعلي.
صحيفة "هآرتس" كشفت أن العميد بار تحدَّث أمام اللجنة، وقدّم عرضاً ادَّعى فيه أنه تم إطلاق 1369 صاروخاً فقط من قطاع غزة حتى صباح الخميس، متجاهلاً مئات الصواريخ التي أُطلقت ولم تجتَزِ الحدود. وأضاف بار أمام اللجنة أنه "حدث سقوط 1031 صاروخاً، بينها 264 في مناطق مبنية". وطال الانتقاد العميد بار لأنه لم يوضّح لأعضاء الكنيست أن المعطيات التي قدَّمها تتعلق فقط بالصواريخ التي تخطّت "الأراضي الإسرائيلية".
وفي رد على هذا الاتهام، أفاد المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن رئيس أركان الجبهة الداخلية عرض في نقاش في لجنة الخارجية والأمن "معطيات ذات صلة بالجبهة الداخلية"؛ أي أنه عرض عمليات الإطلاق والسقوط لصواريخ تجاوزت "الأراضي الإسرائيلية". أمّا الصواريخ التي سقطت داخل أراضي قطاع غزة، فهي "ليست ذات صلة بصورة الوضع في الجبهة الداخلية، لذلك لم تندرج في عرض المعطيات".
أمام هذه الواقعة، انتقدت صحيفة "هآرتس" المتحدثَ باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، والذي يرفض، على نحو دائم، تقديم معطيات دقيقة عن حجم عمليات إطلاق الصواريخ منذ بداية التصعيد، على الرغم من أنه ينشر بيانات مرتين خلال اليوم، يعرض فيها عدد الصواريخ التي أُطلقت خلال هاتين الفترتين.
ولففت الصحيفة أيضا إلى أن "المعطيات التي يقدّمها (المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي) ليست متناسقة"، فهو يعرض عدداً دقيقاً لعمليات الاعتراض في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى يتحدث عن "عشرات الصواريخ" من دون ذكر تفاصيل. كما أنه يتغاضى، في بعض بياناته، عن عمليات الإطلاق الفاشلة.
وأكدت صحيفة "هآرتس" أن المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي رفض، في الأيام الأخيرة، عدة مرات، تقديمَ معطيات عن عدد الصواريخ التي أُطلقت، وعن عدد الصواريخ التي تم اعتراضها، وعن عدد الاعتراضات الناجحة لمنظومة القبّة الحديدية، بعد أن طُلب منه تقديم إيضاحات بشأن ذلك.
"حماس" حقَّقت إنجازات إستراتيجية
أشار رئيس معهد أبحاث الأمن القومي، اللواء احتياط عاموس يدلين، إلى أن المواجهة الحالية بين "إسرائيل" وقطاع غزة ليست عسكرية فقط، بل هي أيضاً مواجهة سياسية، ومواجهة إستراتيجية. وأضاف أن الأفضلية التي حققتها حركة "حماس" في البداية كانت كلها إستراتيجية، فلقد نصّبت نفسها رائدةً في الساحة الفلسطينية، وتسبّبت بصراع داخلي في "إسرائيل"، وهي أيضاً تنجح حالياً في إشعال الضفة الغربية.
وحذر يدلين من أن محيط "إسرائيل" يراقب هذه المواجهة ذات الأهمية الاستثنائية مع حركة "حماس"، التي ليست أقوى عدو لـ"إسرائيل". لذلك يجب أن تخرج من هذه المعركة "متضررةً جداً"، لأنه "في حال ظهر للجميع أن المجتمع الإسرائيلي ليس قوياً كفاية، وكل قذيفة صاروخية تسبب هلعاً كبيراً لديه، ولم يتضرر، في مقابل ذلك، الطرف الآخر بصورة قاسية جداً، فإن هذا الأمر سيضرّ بالردع الإسرائيلي". والنتيجة أن "ما يقوم به الآن الجيش الإسرائيلي يساهم جداً في الردع ويُبعد الحرب مع حزب الله".
بدوره، تحدَّث "رئيس مركز رونالد أس لاودر لمكافحة الإرهاب في مدرسة لاودر الحكومية في مركز هرتسليا المتعدد التخصّصات" بوعاز غانور، في مقال نشره في صحيفة "جيروزاليم بوست"، عن إنجازات حققتها حركة "حماس" من هذه المواجهة، بعد أن رفعت مكانتها في الساحة الفلسطينية كمدافعة عن القدس والمقدسات الإسلامية، وأوجدت ردعاً في مقابل "إسرائيل"، وساهمت في "إرهاب الجمهور الإسرائيلي".
وفي السياق، تحدّث الكاتب في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، شمعون شيفر، عن انجاز آخر يتعلق بربط الهوية الفلسطينية لفلسطينيي الـ 48، وتعزيزها، بعد أن "بدا أن السلطات الإسرائيلية نجحت في تعزيز الهوية الإسرائيلية لديهم".
وأضاف شيفر أن "الإنجاز الأهم" لـ"حماس"، بحسب معلقين، "يتجلّى في الحريق الذي أشعلته في المدن المختلطة، ووسط الانتشار البدوي بين اليهود والعرب".
نقطة أخرى أضافها بن كسبيت في مقال كتبه في صحيفة "معاريف" إلى إنجازات حركة "حماس"، تتعلق بأنه بدلاً من "رياح السلام" التي نجحت إسرائيل في بثّها في العالم العربي، عبر اتفاقات التطبيع في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، تحل مكانها "رياحُ حرب".