الاعتداء على قطاع غزة: لا يوجد زعامة في "إسرائيل".. وفشل في تقدير نوايا حماس

المراسل السياسي في القناة 12، عميت سيغل تحدث عن صورة أخرى لانتصار حركة حماس، هي أن الصور المخزية للهروب من الكنيست وساحات المسجد الأقصى وفضّ مسيرة الأعلام في القدس، أظهرت "إسرائيل" أنها تتراجع مرة بعد أخرى.

  • صواريخ حماس خلال المواجهات الأخيرة
    صواريخ حماس خلال المواجهات الأخيرة

أداء المستويين السياسي والعسكري في "إسرائيل" طوال السنوات الماضية في إدارة ملف غزة، وفي مقاربة التوتر الذي حصل في القدس الأيام الماضية، لا سيما في المسجد الأقصى، وحي الشيخ جراح، تعرض لانتقادات قاسية وشديدة من قبل خبراء ومعلقين إسرائيليين، لا سيما لجهة الخطأ "الواضح" في التقديرات الاستخبارية للمؤسسة الأمنية بأن حماس "مردوعة" وغير معنية بمواجهة الآن، بينما جاءت النتيجة معاكسة، مع إقرار بأن حماس قطفت صورة النصر في اللحظات الأولى لبدء هذه الجولة، وأنه ممنوع على "إسرائيل" انهاء هذه الجولة بهذه النتيجة.

لا يوجد زعامة في "إسرائيل" والمستوى السياسي فيها مشلول

في مقابلة أجراها صباح اليوم الثلاثاء مع القناة الـ13 الإسرائيلية، أعرب رئيس لواء الأبحاث في أمان ورئيس الدائرة السياسية في وزارة الأمن سابقاً، اللواء احتياط عاموس غلعاد، عن قلقه العميق من أنّ المستوى السياسي في "إسرائيل" مشلول، ولا يعمل، وفوّت إمكانية تجنّب الويلات في القدس بواسطة عملية وقائية بسيطة. 

وأشار غلعاد إلى أن الحرم القدسي والمساجد في القدس هي "بركان عالميّ"، والأمر لا يحتاج معلومات استخباريّة، ليعرف المرء أن الأمور ستصل إلى حريق. ولفت غلعاد إلى أن حركة حماس تريد القضاء على "إسرائيل"، والحكومة الإسرائيلية وفّرت لها هذه الفرصة، سواء بدمج المناسبات الدينية، كشهر رمضان، والانفعالات الدينية وضعف السلطة الفلسطينية، والقيام بأعمال (مسيرة الأعلام وإخلاء باحات الأقصى) تؤدّي في نهاية المطاف إلى إشعال النار، والأعمال نفسها لم تُنفَّذ في النهاية. 

وفيما دعا غلعاد إلى القيام بردود عسكرية قاسية ضد قطاع غزة لإعادة الردع، لأنه لا خيار آخر، رأى في الوقت نفسه أن هذا الأمر لن يحلّ المشكلة. فالحل يكمن في تبني سياسة متشابكة. 

غلعاد رأى أن حركة حماس تبحث عن "كيّ صورة وعي" تظهر فيها أنها تقف إلى جانب الفلسطينيين وإلى جانب الإسلام، وأنها حققت إنجازاً، لذلك يريدون التوقّف الآن، لافتاً إلى أن "إسرائيل" لا يمكن أن تسمح بهذا. 

وأشار غلعاد إلى أن "إسرائيل" تمر بمرحلة أفول الزعامة، بحيث لا توجد زعامة، فهم لا يعملون، متى يجتمعون ومتى يتشاورون؟ ومَن يوجّه الشرطة؟ وأضاف غلعاد أنه "مع كل الاحترام للشرطة التي تجيد العمل في القدس، لكنها تحتاج إلى توجيهٍ سياسيّ، إنّه ليس أفولاً بل انحلال الزعامة، ليس لدينا زعامة، نحتاج إلى زعامة بشكل ضروري".

غلعاد قال أيضا "ما ينقصنا هو الزعامة والإستراتيجياً واستثمار الوقت في الدولة، العمل من أجل هذه الدولة 24 ساعة و7 أيام من الأسبوع، يبدو لي كما لو أنهم يعملون في وظيفة جزئية! وهذا ببساطة غير معقول! يجب على رئيس الحكومة أن يعود إلى رشده ويعمل في شؤون الدولة، سواء استمرّ بكونه رئيس الحكومة أو لم يستمرّ".

بدوره، رأى اللواء احتياط غيورا آيلند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، في مقابلة أجراها أيضاً اليوم الثلاثاء مع القناة الـ12، أن "إسرائيل" تعيش منذ عاماً 15 في واقع تفضله الحكومة الإسرائيلية علنا، ومفاده "أن يحصل مرة كل عدة أسابيع حدث صغير ينتهي خلال ليلة؛ مرة كل عدة أشهر حدث كبير يشهد إطلاق نار كثيف للقذائف الصاروخية ونحن نهاجم أكثر؛ ومرة كل عدة سنوات عملية كبيرة مثل الجرف الصلب". وأضاف ان هذه ليست سياسة صحيحة. 

آيلند أضاف أنه إزاء غزة يوجد أربعة بدائل، هي:

·         مواصلة الوضع القائم، كأهون الشرّين.

·         احتلال غزة، وتغيير الوضع من جذوره.

·         تقوية السلطة الفلسطينية وفتح شبكة علاقات أفضل معها.

·         تعزيز سيطرة حماس على قطاع غزة بحيث يصبح لها مصالح تخشى خسارتها، عوضا عن الوضع الحالي الذي ليس لها فيه ما تخسره. 

آيلند دعا لتبني الخيار الأخير، لأن مصلحة حماس العليا هي تثبيت حكمها هناك، ومن أجل هذا هي بحاجة إلى حد أدنى من مستوى الحياة وكلما بُنيت غزة أكثر فإن ميزان الردع سيعمل بشكل مختلف. 

خطأ التقديرات الإسرائيلية 

دفعت التطورات العسكرية السريعة في قطاع غزة بمعلقين وخبراء في "إسرائيل" لطرح تساؤلات حول مدى صحة التقديرات التي كانت سائدة في "إسرائيل" حتى ظهر يوم أمس الاثنين، بـ"أنّ حماس لا تريد تصعيداً، وأنّها تشكّل عنصراً كابحاً للتنظيمات الأكثر تطرفاً".

وحاول خبراء الإجابة عن السؤال، فقال الدكتور ميخائيل ميلشتاين في مقابلة مع استديو يديعوت أحرونوت، أن قائد حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار أراد التهدئة، ولازال يريدها، لكن شُخّصت لدى قيادة حماس فرصة لنيل السيطرة على الشعب الفلسطيني عبر عمل عنيف. 

وحول هذا الخطأ في التقدير، رأى معلق الشؤون العسكرية في موقع يديعوت أحرونوت، رون بن يشاي أن هذا الأمر "سيُدرس في كل أجهزة الاستخبارات، وفي أمان بشكل خاص". 

وبدوره، دعا معلق الشؤون السياسية في صحيفة "إسرائيل" اليوم، يوآف ليمور، إلى البدء بالتفكير بمسار جديد في الجيش الإسرائيلي، الذي اضطر لأن يوقف مناورة أركانية (مركبات النار) بدأها مطلع الأسبوع الحالي، للتحضّر لحرب على ساحته المركزية - الشمالية، ضد حزب الله، وليجد نفسه في النزاع في الساحة الفلسطينية التي كانت في الحقيقة جزءاً ثانوياً في المناورة الأركانية. 

ليمور طالب الجيش الإسرائيلي باستغلال الأحداث ليفحص إلى أيّ مدّى هو مستعد لقتال متعدّد الجبهات. وأضاف ليمور أن الجيش الإسرائيلي خيراً يفعل إن اختبر أيضاً الجهوزية الاستخباراتية التي نفّذت في الأسابيع الماضية. فالادّعاء بأنّ حماس مرتدعة وستحاول إشعال القدس مع الحفاظ على الهدوء في القطاع أثبت خطأه، و(هذا الخطأ) يمكن أن يؤدّي إلى تصرّفات خاطئة.

الفكرة ذاتها طرحتها معلقة الشؤون السياسية في صحيفة "إسرائيل هيوم"، ليلاخ شوفال التي رجحت أن تكون الرغبة العارمة للقيادة العسكرية بتهدئة أمنية في غزّة قد أثّرت على التقديرات الاستخباراتية، التي نصّت حتى عصر أمس الإثنين، بأنّ حماس لن تدخل في معركة مع "إسرائيل" لأنها مُرتدعة، وهي مُلتزمة جداً بعملية التسوية ولا تريد إقحام نفسها في معمعة المواجهات في القدس. 

وأضافت شوفال أنهم في "إسرائيل" لم يُقدّروا بشكل صحيح التزام الفلسطينيين تجاه القدس والمسجد الأقصى، الذي تغلّب على التزامهم بعمليّة التسوية وعلى الردع من "إسرائيل". 

حركة حماس كسرت القواعد 

الاهتمام الواسع من قبل المستوى الإعلامي في "إسرائيل"، عُبّر عنه بمقالات وتحليلات كثيرة، توقفت عند كسر حركة حماس للقواعد، أمس، حين وجهت إنذارا لـ"إسرائيل" بسحب قواتها من المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح وإطلاق سراح المعتقلين، وخلال ساعتين، نفذت إطلاق صواريخ باتجاه القدس.

المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، رأى أن حركة "حماس فتحت عمليا معركة إقليمية ضد "إسرائيل". وهي لا تشمل غزة فقط، بل الضفة الغربية، وعرب "إسرائيل" (فلسطينيو الـ 48). وأضاف أن إطلاق الصواريخ نحو القدس يظهر "صورة الانتصار لحماس". 

المراسل السياسي في القناة 12، عميت سيغل تحدث عن صورة أخرى لانتصار حركة حماس، هي أن الصور المخزية للهروب من الكنيست وساحات المسجد الأقصى وفضّ مسيرة الأعلام في القدس، أظهرت "إسرائيل" أنها تتراجع مرة بعد أخرى.

وأمام هذا الأمر، رأى محلل شؤون عربية في القناة 13، تسيفي يحزكلي أن حركة حماس صارت من الآن صاحبة المنزل، وهي من يتحدث باسم الفلسطينيين في القدس. كما أنها قالت الكلمة الأخيرة وحددت خطوط ردع، وثبتت قاعدة أن من يواجهها في حي الشيخ جراح يتلقى صواريخ. وحذر يحزكلي من أن جرأة المتظاهرين الفلسطينيين في القدس غير مسبوقة. 

مراسل الشؤون العسكرية في إذاعة الجيش، تساحي دافوش، رأى أن حركة حماس تحولت إلى حزب الله 2 على حدود "إسرائيل" الجنوبية. والأحداث أثبتت أن ميزان ردع "إسرائيل" مع حماس تغير، و"هو سيزداد سوءاً مع مرور الوقت".

وثمة بين المعلقين من انتقد حتى اسم العملية العسكرية في قطاع غزة، لأن اختيار الجيش الإسرائيلي لاسم "حارس الأسوار"، ليس أكيداً أنه خطوة إسرائيلية ذكية كونها تربط بين غزة والقدس، بحسب مراسل الشؤون العسكرية لصحيفة يديعوت أحرونوت، يوسي يهوشع.  

وفي المقابل، طالب يهوشع بإنهاء سياسات الإحتواء مع حركة حماس، وتماهى معه أليكس فيشمان بدعوته لتحطيم حلم قائد حركة حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار الساعي إلى كسب إنجاز سياسي ووضع حماس على رأس الأمة الفلسطينية.

ورأى فيشمان أنه في حال انتهت المواجهة الحالية خلال يوم أو إثنين، مع بقاء حركة حماس واقفة على رجليها، ولو بتدمير عشرات الأهداف (في قطاع غزة)، فإن هذه ستكون عملية عسكرية انتقامية وحسب، من دون أي إنجاز سياسي أو ردع عسكري. 

اخترنا لك