لبنانيون مغتربون يصنعون حلقات إنسانية ومبادرات لمساعدة أبناء وطنهم
دقّ الجوع والفقر أبواب الكثيرين من اللبنانيين جراء الأزمة الاقتصادية في لبنان، أمرٌ لم يستطع اللبنانيون المغتربون مشاهدته والوقوف مكتوفي الأيدي، فقاموا بمبادرات وحملات إنسانية لمساعدة أبناء وطنهم.
-
نسبة المحتاجين في لبنان ازدادات جراء الأزمة الاقتصادية
يتجلى مفهوم التكافل الإجتماعي في الأزمات، خصوصاً عند فشل الدولة في تحقيق استدامة اقتصادية، تتمكن من تأمين عيش كريم لمواطنيها.
الإنسان للإنسان في أزماته. انطلاقاً من هذه القاعدة، خرجت مبادرات اجتماعية كثيرة في لبنان، للمساعدة في تسديد حاجات الأفراد المتضررين جراء أزمة اقتصادية طالت لقمة العيش وأبسط الحقوق الحياتية.
الأزمة الاقتصادية في لبنان طالت لقمة غذاء المواطنين والكساء والمأوى. أسعار المواد الغذائية بفعل هبوط قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار، وجشع بعض التجار، باتت باهظة جداً. وعلى إثر ذلك، لم يعد يستطيع اللبنانيون تأمين إلا القليل من غذائهم، واضطروا إلى اختزال العديد من الأطعمة الأساسية، كاللحوم الحمراء والبيضاء، وغيرها، ذلك عدا عن الأدوية التي ما عادت تتوفر في الصيدليات، وانقطاع المحروقات في العديد من المناطق وتقطيرها على المواطن، وارتفاع سعرها.
الأزمة في لبنان زادت نسبة المحتاجين، وأمام ما يعانوه، لم يقف أبناء لبنان المغتربين مكتوفي الأيدي، بل بادروا بالقيام بحملات تبرع ومساعدات مالية وغيرها، عبر جمعيات تعنى بالمساعدة الإنسانية غير المشروطة، وتمدّ يد العون لكلّ من يقرع بابها.
من الصين، فرنسا، ألمانيا، أفريقيا وغيرها من البلدان، تحدث الميادين نت مع جاليات لبنانية قامت بحملات جمع مساعدات وإرسالها إلى العائلات اللبنانية المحتاجة في البلاد، حيث تحدث هؤلاء عن آلية عملهم وأهدافهم.
في هذا الإطار، روى شابان لبنانيان يسكن أحدهما في الصين والآخر بألمانيا، للميادين نت رحلتهما في جمع تبرعات مالية وإرسالها إلى لبنان.
المشروع بدأ به الشاب مازن، الذي يسكن ويعمل في الصين، بشكل فردي، بعد أن زار لبنان في بداية الأزمة، وعاين أوضاع الأهالي الصعبة في منطقته فقرر حينها شراء مواد غذائية ووضعها لتلبية حاجة أهله وأقاربه.
طوّر مازن مشروعه فيما بعد، وأنشأ جمعية تسمى "مجهولون في الأرض" لجمع المساعدات والتبرع بها للمحتاجين، وطرح المشروع على صديقه في ألمانيا، الذي بات اليوم جزءاً منه، ويساعده فيه عبر جمع المساعدات من ألمانيا أيضاً.
قال مازن للميادين نت إنه تمت مساعدة أكثر من 200 عائلة منذ نشأة المشروع، وسيتم توزيع حصص غذائية على 100 عائلة بحلول شهر رمضان، مؤكداً أن أعضاء هذه الجمعية لا تريد الشهرة، بل هدفهم فقط مساعدة الناس وتشجيع المغتربين على التبرع، والتكاتف لأجل لبنان.
وشدد على أن العائلات التي يتم مساعدتها ليست محصورة بمنطقة جغرافية معينة، وقال "الجوع والفقر ليس لهما دين".
جمعيات في ألمانيا بإدارة لبنانية ترسل المساعدات للبنان
أما صديقه الذي يسكن في ألمانيا، حسن، تحدث مع الميادين نت أيضاً، وقال إن اللبنانيين لا يستحقون ما يعيشونه اليوم بسبب الفساد. وأكد أن المجموعة تعمل بسرية تامة ولا تطمح لأي أهداف غير مساعدة الناس.
ومن ألمانيا أيضاً، قالت الشابة "زهراء" للميادين نت، إن هناك جمعيات قائمة في ألمانيا بإدارة لبنانية، مثل جمعية "أعطي السلام"، تقوم بجمع المساعدات من أموال ثياب ومواد غذائية.
وأشارت إلى أن الثياب والمواد الغذائية يتم شحنها إلى لبنان، أما الأموال فيتم إرسالها عبر أشخاص موثوقين، ولا يتم إرسالها عبر شركات تحويل الأموال لأنها تقتطع نسبة كبيرة منها.
واللافت أن المتبرعين في ألمانيا ليسوا فقط من الجالية اللبنانية، بل أيضاً هناك متبرعين من أفغانستان، باكستان، تركيا، ودول أخرى، وفق "زهراء"، التي شددت على أن توزيع المساعدات يتم على مختلف المناطق اللبنانية وليس محصوراً بمنطقة معينة.
وتحدثت أيضاً عن جمعيات لبنانية ومقرها لبنان، تطلب المساعدات من المغتربين وهم بدورهم يقومون بجمع التبرعات من ألمانيا.
وأضافت أن أغلب التبرعات هي تبرعات مالية خاصة مع حلول شهر رمضان، لكن أيضاً يتم إرسال مساعدات لحالات مرضية معينة.
لبنانيون في أفريقيا: خائفون من الرقابة
ومن الغابون في القارة الأفريقية، قال شاب لبناني فضّل عدم نشر اسمه، إن هناك مجموعة من 10 أشخاص تقوم بجمع الأموال وإرسالها إلى حملة "وتعاونوا" بحسب قدرتهم، لأن جميعهم هم موظفون وليسوا أرباب أعمالهم.
وأضاف للميادين نت أن مشروعهم بدأ منذ حوال 8 أشهر، ويحاولون مضاعفة المبلغ الذي يتم إرساله مع اقتراب شهر رمضان، لافتاً إلى أن هناك العديد من المغتربين يريدون التبرع إلا أنهم يخافون من الرقابة في بلدانهم، وخاصة اتهامهم بتمويل حزب الله.
لبنانيون في فرنسا يجتمعون عبر "كلوب هاوس" للتنسيق
بدأت القصة على تطبيق "كلوب هاوس"، حيث دار حديث بين مجموعة من اللبنانيين منهم مقيم في لبنان ومنهم مغترب، حول الحملات التي ترسل مساعدات إلى العائلات المحتاجة بفعل الأزمة الاقتصادية في بلدهم.
مشارك في هذه المجموعة وهو رجل أعمال مقيم في فرنسا، قرر حينها التبرع بمبلغ من المال لمساعدة 150 عائلة لبنانية، ودعا حينها أصدقاءه في باريس للتبرع، وغيرهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حتى صار مجمل العائلات التي تم مساعدتها تتراواح بين 400 إلى 500 عائلة.
وأشار في حديثه للميادين نت إلى أنه عادة يتم إرسال المساعدات بشكل فردي وشخصي إلى ذويهم وأقاربهم لعدم ثقتهم بالجمعيات في لبنان، لكن هذه المرة فضّلوا تحويل المساعدات إلى حملة "وتعاونوا" التي تعنى بتوزيع آلاف المساعدات على جميع المناطق اللبنانية.
ولفت إلى أن "وتعاونوا" تعتزم مساعدة 20 ألف عائلة بحلول شهر رمضان، مع الإشارة إلى أن كل حصة غذائية تكفي لـ15 يومأً.
اللافت في مبادرتهم، أنه كان من بين المشاركين في الحديث على "كلوب هاوس"، طلاب لبنانيون مقيمون في فرنسا، أبدوا استعدادهم للتبرع لو بمبالغ بسيطة، الذين يعانون من ظروف قاسية بسبب تعنت المصارف من إجراء تحويلات مالية لهم بالعملة الصعبة، أو لعدم توفر الدولار لدى ذويهم.
ووفق رجل الأعمال اللبناني المقيم في فرنسا، قال إن أحد المشاركين في الحديث على "كلوب هاوس"، يتقاضى راتباً قيمته مليون ليرة لبنانية، أبدى استعداده للتبرع بمبلغ قيمته 300 ألف ليرة رغم أن راتبه كاملاً لا يؤمن قوته الأساسي حتى بفعل ارتفاع الأسعار.
"ولأن المساعدة والصدقة تعود بشكل من الأشكال لنا"، قرر رجل الأعمال التبرع أيضاً بمبلغ معين لهذا الشاب لمساعدته.
ومن دول أميركا وأوروبا، والدول العربية، كانت هناك العديد من المبادرات الإنسانية، وكان التركيز أكبر هذه المرة على مساعدات المغتربين وذلك لقدرتهم على إرسال الأموال بالدولار الأميركي، وذلك إثر هبوط العملة اللبنانية وعدم توفر الدولار في السوق، في مقابل الارتفاع الجنوني في أسعار السلع عموماً والمواد الغذائية خصوصاً.