ابن سلمان يرتكب خطأ فادحاً في مأرب: "القاعدة" في حضن المملكة
السعودية تغفل عن تداعيات تحرير مأرب، حيث أن مقاتلي تنظيمي "القاعدة" و"داعش" يجدون أنفسهم محاصرين، ولا مفر أمامهم سوى السعودية. هذا الأمر يغيب عن بال المملكة، ولم يغب عن بال واشنطن ولندن.
يقترب "أنصار الله" أكثر من رفع رايتهم عند مضيق باب المندب، مع انقشاع غبار المعركة في مأرب الاستراتيجية خلال أيام قليلة، ومن ثم التوغل أكثر جنوباً باتجاه خليج عدن.
تلهث الرياض في السر والعلن، وراء هدنة تلتقط فيها قواتها وحلفاؤها على الأرض فيها أنفاسهم، لكنَّ "أنصار الله" غير مستعجلين، فالمكاسب المحققة في معركة مأرب، لا تتجاوز حدود اليمن إلى لبنان وسوريا فحسب، بل تتعداها نحو الداخل السعودي نفسه، كما سيكتشف محمد بن سلمان عاجلاً.
في السّاعات الأخيرة، تبلورت بوضوح الرهانات السعودية على تنظيم "القاعدة" لوقف الانهيار ما بعد مأرب، حتى باتت الترتيبات اللوجيستية لنقل مقاتلي التنظيم الإرهابي بحراً، تمرّ تحت أنظار التحالف السعودي الإماراتي وعنايته.
يواكب الأميركيون هذا الرهان بإحياء "داعش" في الميدان نفسه. لن يقف الإعلام الخليجي على غرابة التحالف الجديد بين "داعش" و"القاعدة"، فالضرورات تبيح المحرمات، بالنسبة إلى التنظيمات التي استمدَّت فكرها ودعمها من داخل قصور الرياض ومشايخ البلاط، ولم تتعلَّم من دروس العراق وسوريا ولبنان، حيث خاضت حروباً دُفعت إليها بواسطة فِخاخ أميركية – بريطانية، وتمويل خليجي، ومساندة تركية.
التاريخ القريب يعيد نفسه في مأرب، مع فارق جوهري أغفله السعوديون هذه المرة، ولم يغب بالتأكيد عن بال واشنطن ولندن. فعند سيطرة القوات اليمنية على مأرب، سيجد مقاتلو تنظيمي "القاعدة" و"داعش" أنفسهم محاصرين، في منطقة صحراوية واسعة، لا إمداد إليها سوى من الأراضي السعودية براً. وسواء قرّرت جماعة "أنصار الله" تنظيف جيوب التنظيمات التكفيرية ما بعد مأرب أو لم تفعل، فالمؤكّد أنّ هذه التنظيمات ستضطرّ إلى عبور الحدود السعودية، تماماً كما يحصل عند الحدود التركية السورية المباحة لمرور التكفيريين بالاتجاهين.
الفارق في المشهد الّذي يتشكّل سريعاً عند الحدود اليمنية السعودية، هو أن السلطات السعودية لن تستطيع السّماح بتجوّل مقاتلي "القاعدة" و"داعش" في أحياء المدن السعوديّة، كما يفعلون في إسطنبول وأنقرة. طبيعة النظام والمجتمع السّعوديين مختلفة تماماً، وتشهد وثائق الوكالات الأميركية على مدى تحسّس السعوديين، من أيّ جيوب لتنظيم "القاعدة" داخل أراضي المملكة أو حول المنشآت الحيويّة.
وإن كانت المخابرات الأميركية والبريطانية تحديداً، قد استطاعت إقناع السعودية وحلفائها، ومعها تركيا، بدفن الخلافات لأجل معركة مأرب، فإنَّ ما بعد هذه المعركة الخاسرة للتحالف، ستواجهه السّعودية وحدها لاعتبارات عديدة، أهمّها أنَّ واشنطن تريد تحديد الوزن السّعودي وتحجيمه إقليمياً، لمصلحة المشروع العثماني الجديد في المنطقة، والذي بات رأس الحربة في كسر المحور الآخر الممتد من طهران إلى لبنان.