انتقادات واسعة تطال القضاء الفرنسي بعد فوزه المتكرر ضد سياسيين يمينيين
القضاء الفرنسي يتعرّض لانتقادات واسعة وإتّهامات بالتحيز بعد انتصاراته المتكررة في قضايا فساد ضدّ سياسيين يمينيين خصوصاً بعد إدانة الرّئيس الفرنسي السابق ساركوزي الأسبوع المقبل و الحكم عليه بالسجن.
حقّق القضاء الفرنسي "سلسلة انتصارات كبيرة في قضايا فساد بارزة ضد سياسيين يمينيين"، لكنّ النجاحات أثارت إاهامات بالتحيّز وعرّضت المدّعين والقضاة إلى إنتقادات.
فقد أشعلت إدانة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، الصادمة هذا الأسبوع نقاشات محتدمة حول ما إذا كان سيف العدالة يزداد وطأة أم أن ضرباته موجّهة سياسياً.
وسعى ساركوزي، أول رئيس فرنسي في التاريخ الحديث يحكم عليه بالسجن، بشكلٍ مستمرٍ لتصوير التحقيقات العديدة التي طالته منذ غادر السلطة في 2012 على أنها مطاردة شعواء.
ووصف ملاحقته قضائياً بـ"الفضيحة التي ستبقى في سجّلات التاريخ" وتساءل عمّا اذا كانت فرنسا لا تزال تعيش في ظل سيادة القانون، مشيراً إلى أن أساليب المحققين تذكّر بـروسيا تحت حكم الرئيس فلاديمير بوتين.
هذا وتعقب إدانة ساركوزي بتهمة استغلال نفوذه، حكماً صدر في حزيران/يونيو الماضي بحق حليفه ورئيس الوزراء في عهده فرانسوا فيون، الذي أدين بتهمة منح وظائف برلمانية وهمية لزوجته، هذه الإدانة التي شكّلت ضدّه ضربة لحملته للإنتخابات الرئاسية في 2017، الأمر الذي جعله يتّهم القضاة بالتآمر في إطار عملية إغتيال سياسية.
وجاء الخميس دور وزير الدفاع السابق فرانسوا ليوتار، الذي قال إنّه يشعر "بالعار حيال النظام القضائي الفرنسي" بعدما أدين بتلقي رشاوى في إطار صفقات دفاعية في تسعينات القرن الماضي.
ودفعت الهجمات، خصوصاً من قبل ساركوزي وحلفائه، وزير العدل إريك دوبون-موريتي، هذا الأسبوع للتعبير عن قلقه من "الصخب" وما وصفه بـ"غياب الثقة" في النظام القضائي.
لكنّ فرانسوا أولاند، الذي خلف ساركوزي كرئيس، أشار السبت، إلى أنّه لا يمكنه "قبول هذه الهجمات المتكررة على القضاء وإستقلاليته" خصوصاً أن الإستطلاع السنوي الذي أجراه معهد "سيفيبوف" السياسي في معهد العلوم السياسية في باريس كشف أن 48 في المئة من المستطلعين أعربوا عن ثقتهم بالنظام القضائي الفرنسي .
وكان الجزء الأكبر من "الصخب" موجهاً إلى المكتب الوطني للادعاء المالي، وهي وكالة متخصصة بمكافحة الفساد تأسست عام 2014 لملاحقة القضايا المرتبطة بالإحتيال والمجرمين من الموظفين الإداريين.
وعلى مدى 7 سنوات مذاك، تحوّل المكتب إلى أحد أجهزة الملاحقة القانونية الفرنسية الأكثر هيبة بعدما اتّخذ إجراءات بحق ساركوزي وفيون وكلود غيان الذي يعد بين أبرز الشخصيات المقرّبة من ساركوزي. وتمّت إدانتهم جميعا، لكنهم سيستأنفون .
وعلى الرغم من أن المكتب يبدو في أوج قوته بعد توصلّه إلى إدانة ساركوزي تحديداً، إلا أنه بات مكشوفا جداً و صارت مصداقيته على المحك، ويتوقع أن يخسر قوّته هذه في حال استطاع الرئيس السابق ساركوزي أسقاط إدانته، خصوصاً أن المكتب "خرج معزّزا بفضل الحكم الصادر عن المحكمة (بحق ساركوزي)، دون أن يكون متأكدا تماما بشأن المستقبل" كما أشارت صحيفة "لوموند" الفرنسية.
ويرتبط جزء من الإنتقادات باختيار المكتب في الغالب لشخصيات يمينية، بينما شكّك آخرون بأساليب الجهاز التي تشمل عمليات تنصّت واسعة.
وأكد مدير المكتب جان-فرنسوا بونير لدى سؤاله هذا الأسبوع بشأن اتهامات التحيّز أن "العدالة المسيّسة أمر من بلدان أخرى"، وأن"المكتب الوطني للإدعاء المالي لا يتعامل مع الجرائم السياسية بل مع الجرائم الإقتصادية والمالية فقط".
ويشير المدافعون عن المكتب إلى أن حكومة إشتراكية أنشأته لملاحقة أحد المنتمين إليها وهو وزير الموازنة السابق جيروم كاهوزاك، الذي تبيّن أنه كان يخفي مبالغ نقدية في حساب مصرفي سويسري.
والجدير ذكره أنّ المكتب تفاوض في 2017 على دفعة قدرها 300 مليون يورو (360 مليون دولار) من الفرع السويسري لمصرف "إتش إس بي سي" البريطاني، بينما حصل على غرامة بقيمة 3,7 مليار يورو سدّدها مصرف "يو بي إس" السويسري سنة 2019، لتشجيعه العملاء على الاحتيال.
ومنذ تأسس، "أعاد (المكتب) مبلغا كبيراً قدره 10 مليارات يورو إلى خزينة الدولة من خلال عمليات المصادرة والغرامات"، بحسب ما أفاد بونير إذاعة "آر تي إل" الثلاثاء.
ويذكر أن الملاحقات القضائية للسياسيين الفرنسيين، واتهامات التحيّز، تعود إلى ما قبل تأسيس المكتب، فقد سبق أن أدين الرئيس اليميني الراحل جاك شيراك، إضافة إلى رئيسي الوزراء السابقين ألان جوبيه، وإديت كريسون.