المشهد الانتخابي الإسرائيلي: استمرار الاستعدادات واحتدام الحملات
كلما اقتربت "إسرائيل" أكثر من يوم الانتخابات في 23 آذار المقبل، كلما ارتفعت حدّة المناوشات والاتهامات، لا سيّما داخل المعسكرات، وذلك بهدف سحب الأصوات من حزب إلى آخر داخل المعسكر نفسه.
أقل من 40 يوماً على فتح صناديق الاقتراع لانتخابات الكنيست الإسرائيلي في الـ23 من آذار/مارس المقبل، والمعطيات والتقديرات تشي بأن المأزق السياسي في "إسرائيل" لا زال مرشّحاً للاستمرار، حتى بعد انتخابات مبكرة هي الرابعة في غضون عاميْن.
وما لم تقع مفاجأة ربع الساعة الأخير، فإنّ المشهد المتشكّل وفقاً لآخر استطلاعات الرأي يُظهر أنه لا معسكر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ولا بقية الكتل يملكون ائتلافاً مضموماً من 61 عضو كنيست أو أكثر، الأمر الذي قد يكرر السيناريو ذاته الذي جرى في الجولات الثلاث السابقة، أو يجعل الأمر مرهوناً بالحزب الذي سيفوز بلقب بيضة القبان، ويكون موقفه حاسماً في اختار الشخصية المكلفة بتشكيل الحكومة المقبلة.
في الأثناء، أكملت الأحزاب استعداداتها لجهة التوقيع على اتفاقات فائض الأصوات، فيما بدأ كل حزب بحملته الانتخابية على وقع احتدام السجالات واشتداد الاتهامات، لا سيما بين الأحزاب اليمينية.
اتفاقيات فائض الأصوات
ما تبقى من أحزاب متنافسة على الصدارة، أو تلك التي لها حظوظ متفاوتة في تجاوز نسبة الحسم، أكملت استعداداتها فيما خصّ توقيع اتفاقات فائض الأصوات، بحيث يجري توزيع المقاعد المتبقية بعد احتساب أصوات المقترعين بين قائمتين عبرتا نسبة الحسم (3.25%). ويجري بموجب هذا الاتفاق نقل الأصوات الفائضة من القائمة الأصغر إلى القائمة الأقرب للوصول إلى حاصل لمقعد إضافي. وفي هذا السياق:
وقَّع حزب الليكود، الأربعاء، على اتفاق فائض أصوات مع قائمة "هتسيونيت هدتيت" (الصهيونية الدينية) برئاسة عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش، والتي تضمّ أيضاً حزب "عوتسما يهوديت" (قوة يهودية) المنبثق عن حركة "كاخ" العنصرية المحظورة، برئاسة ايتمار بن غفير. وذكرت قائمة "هتسيونيت هدتيت" في بيانٍ أن مرشحيها أصرّوا على أن يتعهّد نتنياهو، في اتفاق فائض الأصوات بأن تكون هذه القائمة جزءاً من حكومة يمينية تُشكل بعد الانتخابات. وبعد توقيع الاتفاق أوضح نتنياهو أن "بن غفير" لن يكون جزءاً من الحكومة إذا شكلها هو، ولكنه سيكون جزءاً من الائتلاف الحكومي. وأثار توقيع هذا الاتفاق موجة من الغضب والانتقادات لحزب الليكود، كما حظيت هذه الخطوة باستياء أيضاً داخل حزب الليكود.
وعلّقت رئيسة كتلة ميرتس في الكنيست، تمار زندبيرغ، على الاتفاق قائلة: "بعد أن بذل نتنياهو كل ما في وسعه لتوحيد الأطراف الأكثر تطرفاً وعنصرية، ها هو يقوم بخطوة إضافية مقلقة لتأهيلهم للدخول إلى الحكومة، كل ذلك من أجل الحصول على الحصانة في المحكمة".
كما نددت منظمة اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة أغلبية ديمقراطية من أجل "إسرائيل"، باتفاق فائض الأصوات بين الليكود و"هتسيونيت هدتيت".
ووقّع حزبا العمل وميرتس على اتفاق فائض أصوات، ذلك في ظلّ مخاوف من عدم تجاوز ميرتس لنسبة الحسم، وفق ما أظهرت استطلاعات الرأي.
كذلك وقع حزب "كاحول لفان" برئاسة بني غانتس اتفاق فائض أصوات مع "همفلغا هكلكليت" (الحزب الاقتصادي) برئاسة يارون زليخا، اتفاق فائض أصوات. وبينما يكافح "كاحول لفان" لتجاوز نسبة الحسم، تُجمع استطلاعات الرأي على أن حزب زليخا سيفشل في تخطّي نسبة الحسم.
الحملات الانتخابيّة
حتى الآن تتركّز الحملات الانتخابية داخل معسكر اليمين بصورة خاصة، حيث يوجد بنيامين نتنياهو، الذي يدير حملته الانتخابية بين حدّيْن: من جهة ضمان الليكود كالحزب الأكبر، دون إسقاط قائمة "هتسيونيت هدتيت"؛ ومن جهة ثانية أضعاف خصومه في معسكر اليمين كحزبي "تكفا حدشا" برئاسة غدعون ساعر، و"يميناً" برئاسة نفتالي بنيت، لتخفيض قوّة مساومتهما بعد الانتخابات.
بدأ رئيس حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، حملته الانتخابية، أبكر مما كان متوقعاً هذه المرّة. وتهدف الحملة إلى نقل أصوات من أحزاب اليمين الأخرى، لتحقيق أكبر عدد من المقاعد لحزب الليكود، ذلك على الرغم المخاطر من هذه السياسية التي اعتمدها نتنياهو في الجولات الماضية. وفي شريط فيديو نشره نتنياهو (الأربعاء)، كرّر الرسائل التي مفادها أن حزب ليكود كبيرا فقط هو الذي سيحقق "حلم حكومة يمين صرفة". ودعا ناخبيه إلى عدم تشتيت الأصوات داخل معسكر اليمين. ويذكر أن تحدّي نتنياهو في الحفاظ على أصوات اليمين بات أكثر تعقيداً مع وجود مروحة واسعة من أحزاب يمينية منها غير مؤيدة له أو غير موالية له بالمطلق.
دشّن حزب الليكود حملته الانتخابية بالهجوم على نفتالي بنيت، رئيس حزب "يمنياً"، وجاء في إعلان (بوست) صادر عن الليكود: "انتخب بنيت تحصل على حكومة برئاسة لبيد"، و"وانتخب بنيت تحصل على حكومة يسار".
ودعا رئيس حزب يميناً، نفتالي بنيت، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى مواجهة تلفزيونية مفتوحة حول مواجهة أزمة كورونا والنهوض بالاقتصاد. نتنياهو لم يعلق على الدعوة.
ونشر رئيس حزب "عوتسما يهوديت" ايتمار بن غفير إعلاناً لاذعاً لنتنياهو، كتب فيه "فقط بن غفير قادر على انقاذ نتنياهو".
خلافات ومواقف
كلما اقتربت "إسرائيل" أكثر من يوم الانتخابات في 23 آذار/مارس المقبل، كلما ارتفعت حدّة المناوشات والاتهامات، لا سيّما داخل المعسكرات، وذلك بهدف سحب الأصوات من حزب إلى آخر داخل المعسكر نفسه، أو على تخوم المعسكرات حيث توجد الأصوات العائمة.
في إطار النزاع على أدارة أزمة كورونا، رفض رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، طلب رئيس حزب "كاحول لفان" (أزرق – أبيض) وزير الأمن، بني غانتس، بكشف بروتوكولات مداولات الحكومة حول مواجهة فيروس كورونا، وذلك على خلفية التباينات بين حزبه وبين الليكود حول إدارة الأزمة، وتمديد الإغلاق. وكانت الحكومة قد قرّرت في أعقاب انتشار كورونا، العام الماضي، إبقاء المداولات سريّة، ومنعت بذلك نشر البروتوكولات لثلاثين عاماً.
فيما يشبه تسجيل نقاط على نتنياهو، قال رئيس حزب "تكفا حدشا" (أمل جديد) غدعون ساعر: "لن أنكر دعمي لفكرة تطبيق القانون الإسرائيلي على مجتمعاتنا في الضفة الغربية. هذا شيء يظل هدفاً إسرائيلياً. لكن رئيس الحكومة (نتنياهو) تعهَّد في حوار مع إدارة ترامب في ذلك الوقت، بتعليق فكرة تطبيق السيادة لعدة سنوات". وأضاف "أنه سيحترم التزام نتنياهو بتعليق خطط ضم أجزاء من الضفة الغربية، إذا تمَّ تعيينه رئيساً للوزراء".
في تصريح غير جديد، ولكنّه لافت عن الجناح اللتواني في قائمة "يهودت هتوراه"، قال رئيس الحزب موشيه غافني، أنّه لا يستبعد المشاركة في حكومة يرأسها يائير لبيد، رئيس حزب "يش عتيد" (يوجد مستقبل). وأوضح أنه قد يكون هناك وضع لا توصي فيه كتلته على بنيامين نتنياهو لتشكيل الحكومة المقبلة.
وهاجم رئيس حزب "كاحول لفان" بني غانتس حزب الليكود بالقول إن "الليكود يحافظ على نفسه كالعادة بدلا من الحفاظ على الجمهور".
استطلاعات الرأي وموازين القوى
تنشغل استطلاعات الرأي في احتمالات قدرة بنيامين نتنياهو على تشكيل الحكومة المقبلة من عدمها. وذات المشهد يعيد تكرار نفسه بفوارق بسيطة، بين تحالف متماسك داعم لنتنياهو، وكتلة موقفها ضبابي، والبقية المتفرّقة التي تُعارض استمرار نتنياهو في رئاسة الحكومة، وهو ما يُسمّى بمعسكر "إلا نتنياهو".
وبحسب آخر استطلاع رأي، فإن معسكر نتنياهو يتعزز، دون أن يضمن لنتنياهو تشكيل حكومة، وارتهان نتنياهو بشكل غير مسبوق لـ "بنيت"، في المقابل فإن المعسكر الأخر لا يقوى على إيجاد البديل.
وفي نظرة عامّة على مجمل الاستطلاعات بتبيّن أن التحالف المؤيد لنتنياهو، يضمّ الليكود الذي تقدّر قوته ما بين 29 إلى 30 مقعداً، مقابل 36 مقعداً في انتخابات آذار 2020، وكتلتي المتدينين الحريديم: "شاس" و"يهدوت هتوراه" وقوتهما المجتمعة نحو 16 مقعداً، والتحالف الأشد تطرّفاً الذي يضمّ حزبي "هتسيونيت هدتيت" برئاسة سموتريتش، وحركة "عوتسما يهوديت" برئاسة ايتمار "بن غفير"، وهي حركة منبثقة عن حركة كاخ الإرهابيّة وتقدّر قوتها بما بين 4 إلى 5 مقاعد، وفي كل الاستطلاعات يقدّر بأنها ستجتاز نسبة الحسم.
أما قائمة "يميناً" بزعامة نفتالي بنيت، فتنثر ضبابية على موقفها من استمرار نتنياهو في رئاسة الحكومة، وتقدّر لها استطلاعات الرأي ما بين 10 إلى 13 مقعداً، وهي القائمة التي قد تشكل بيضة القبان في هذه الانتخابات.
في المقابل، فإن القوائم التي لها احتمال في اجتياز نسبة الحسم، وأعلنت رفضها لاستمرار حكم نتنياهو، هي حسب القوة في الاستطلاعات: "يش عتيد"، و"تكفا حدشا"، و"إسرائيل بيتننا"، وحزب العمل، وحزب ميرتس ، و"كاحول لفان" (أزرق أبيض). وفي الفريق المُعارض لاستمرار حكم نتنياهو، القائمة المشتركة.