"الجميلة النائمة".. لماذا يتعثر مسار إصلاح مجلس الأمن؟
قضية إصلاح مجلس الأمن الذي لم تتغير تركيبته منذ نشأته في أعقاب الحرب العالمية الثانية، تطالب فيها العديد من الدول في الفترة الأخيرة، فما هي الأسباب؟
شهدت الفترة الأخيرة مطالبة أطراف دولية عدة، أكثر من أي وقت مضى، بإصلاح مجلس الأمن الدولي الذي لم تتغير تركيبته منذ نشأته في أعقاب الحرب العالمية الثانية (1939-1945).
ومع جائحة كوفيد-19، بلغت الانقسامات بين الدول الخمس الدائمة العضوية وهي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا، مستويات لم تعد مقبولة بالنسبة لكثيرين.
ويضم مجلس الأمن الدولي 15 عضواً. لكن الدول العشر غير الدائمة العضوية فيه التي تتجدد كل خمس سنوات، لا تملك حق الفيتو، بخلاف الدول الخمس الدائمة العضوية.
ومع غياب التوافق بين القوى العظمى، لا يمكن تصور أي تعاون فعال أو حلّ للنزاعات والأزمات التي يعيشها العالم، فمن أميركا الجنوبية إلى آسيا، مروراً بأفريقيا وأوروبا، استغل قادة دول عدة فرصة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر الماضي، للتشديد على الضرورة الملحة لإصلاح مجلس الأمن الدولي، ليعكس حال العالم اليوم بطريقة أفضل. وفي ختام اجتماع مغلق، طالبت الهند واليابان والبرازيل وألمانيا بأن تصبح أعضاء دائمة في مجلس الأمن.
وشددت الدول الأربع على ضرورة إصلاح مجلس الأمن على وجه السرعة، من خلال توسيعه، "لجعله يتمتع بصفة تمثيلية أكثر شرعية وفعالية"، وإلا قد يصبح "بالياً".
أمس الإثنين، عقدت جلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة في المقر الدائم للمنظمة الدولية في نيويورك، بشأن مسألة التمثيل العادل في مجلس الأمن وزيادة عدد أعضائه.
وتعرضت الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن لانتقادات خلال الجلسة التي ناقشت مستقبل هذه الهيئة التي تشلّها "مصالحها المتضاربة".
واعتبرت الجزائر أن كل عضو جديد في مجلس موسع ينبغي أن يحصل على حق الفيتو. إلا أن الولايات المتحدة وروسيا التي استخدمت هذا الحق 15 مرة منذ العام 2011 في الملف السوري وحده، تعارضان ذلك.
من جهتها، قالت مساعدة السفير الروسي إلى الأمم المتحدة آنا إفستيحنيفا إن "الأفكار المؤدية إلى تآكل صلاحيات الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ولا سيما حق الفيتو، غير مقبولة". وأضافت أن اللجوء إلى الفيتو والتهديد باستخدامه "جنّب الأمم المتحدة في مرات كثيرة الخوض في مغامرات مشبوهة".
وأشارت بريطانيا إلى أنها لم تستخدم حق الفيتو منذ العام 1989، في حين أعربت فرنسا عن تأييدها لمجلس يضم 25 بلداً، من دون أن تبدي رأياً بمنح حق الفيتو لدول جديدة، معتبرة أنه "موضوع حساس".
وندّد السفير الصيني جان جون من جهته "بالتمثيل المبالغ به للدول المتطورة"، داعياً إلى وجود أكبر للدول الصغيرة والمتوسطة، ولا سيما الأفريقية منها. وقال: "أكثر من ستين دولة لم تكن يوماً عضواً في مجلس الأمن، وبعض الدول الصغيرة لا تتمكن من المشاركة فيه إلا كل خمسين سنة".
أما ألمانيا، فقد سخرت من مجلس الأمن، قائلةً إنه "الجميلة النائمة بانتظار قبلة تنعشها".
وألمانيا مرشحة لمقعد دائم في مجلس الأمن، إلى جانب البرازيل واليابان والهند. وتسعى أفريقيا في المقابل للحصول على مقعدين، من دون أن تحدد حتى الآن الدول التي ستشغلهما.
بوزكير: مجلس الأمن فشل في صون السلم والأمن الدوليين
وخلال الجلسة، اعتبر رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة فولكان بوزكير أن "مجلس الأمن الدولي أخفق، في مناسبات عديدة، في الاضطلاع بمسؤوليته في صون السلم والأمن الدوليين"، وشدد على أن "إصلاح المجلس بات ضرورة حتمية وصعبة على حد سواء".
وقال بوزكير في إفادته: "أدى تضارب المصالح بين أعضاء مجلس الأمن، والاستخدام المتكرر لحق النقض (الفيتو)، إلى الحد من فعالية هذا المجلس".
وأضاف: "وفي بعض الأزمات الإنسانية الأكثر إلحاحاً، لم يتمكَّن المجلس من توفير استجابة مناسبة، وفي الوقت المناسب، وهي نكسة خطيرة للمبادئ التأسيسية للأمم المتحدة ولجهودنا المشتركة لبناء عالم يسوده السلام".
المسؤول الأممي أكّد أن "نجاح مجلس الأمن أو فشله يقع على عاتق جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ولا يمكن تحقيق الإصلاح الحقيقي إلا إذا سعينا جاهدين من أجل قبول سياسي أوسع بين الدول الأعضاء".
وحثّ بوزكير وفود الدول "على السعي إلى تحقيق أوسع توافق ممكن في الآراء بشأن الإصلاحات الشاملة لمجلس الأمن، ومواصلة الجهود لحل الخلافات الرئيسية بين الأعضاء".
روانجي: إصلاح مجلس الأمن الدولي يجب أن يتضمن مصالح الجميع
في السياق نفسه، أكد سفير إيران ومندوبها الدائم في منظمة الأمم المتحدة مجيد تخت روانجي، خلال الجلسة، ضرورة إصلاح مجلس الأمن الدولي، بحيث يتضمن مصالح الجميع، وقال في كلمةٍ له أمس الإثنين، خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن "المجلس يجب إصلاحه، وإن إجراءات ذلك يجب أن تكون مبنية على القانون وتوفير مصالح جميع دول العالم".
واعتبر المسؤول الإيراني أن "المجلس يواجه أزمة شرعية وأزمة وجود بأدائه الضعيف والانفعالي، وفي بعض الحالات بأدائه غير القانوني والمتجاوز للقانون، كما أنه يخضع غالباً لهيمنة الدول الغربية، ويجري استغلاله من قبل بعض الأعضاء الدائمين فيه، ولا يتحمل المسؤولية كذلك إزاء أدائه، وهو غير ديموقراطي أيضاً، بسبب الحضور الضعيف للدول النامية في تركيبة أعضائه".
روانجي أشار أيضاً إلى "استخدام مجلس الأمن بكثرة وسرعة لصلاحياته في إطار الفصل السابع لميثاق منظمة الأمم المتحدة كفرض الحظر، في الوقت الذي يجب أن يستخدم المجلس هذه الصلاحيات فقط كآخر وسيلة، وحين يستنفذ كل مسارات الحل والتسوية السلمية للخلافات، وبعد تقييم تداعيات وتبعات ذلك". ولفت إلى أن "الحظر أسلوب غير مدروس، وهناك شكوك قوية في فاعليته وشرعيته الأخلاقية، نظراً إلى استهدافه الشرائح الضعيفة في الدول المعنية".
ماكرون: مجلس الأمن الدولي لم يعد ينتج حلولاً مفيدة
بالتوازي، اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الإثنين، أن "مجلس الأمن الدولي لم يعد ينتج حلولاً مفيدة اليوم"، ودعا إلى "تحديث الهيئات الدولية".
ورأى ماكرون في مقابلة طويلة أجراها معه موقع "لو غران كونتينان" أن "ضمان أن تكون أوروبا قوية هو الاحتمال الوحيد لإعادة فرض قيمنا، لتجنب الاحتكار الثنائي الصيني-الأميركي"، مؤكداً أن "الولايات المتحدة لن تحترمنا كحلفاء لها إلا إذا كنا جادين مع أنفسنا، وإذا كنا سياديين في دفاعنا الخاص".
وأشار ماكرون إلى أنه يجب "أخذ العلم بأن إطارات التعاون المتعدد الأطراف باتت اليوم ضعيفة، لأنها معرقلة".
وقال الرئيس الفرنسي: "أنا مضطر إلى القول إن مجلس الأمن الدولي لم يعد ينتج حلولاً مفيدة. اليوم، نحن نتحمل جميعاً مسؤولية مشتركة عندما يصبح البعض رهائن أزمات التعددية، مثل منظمة الصحة العالمية"، مضيفاً: "يجب أن ننجح في إعادة ابتكار أشكال مفيدة للتعاون وائتلافات المشاريع وجهات فاعلة، وعلينا أن ننجح في تحديث الهياكل وإعادة توازن هذه العلاقات".
وفي هذا الإطار، لفت إلى أن "المسار الصحيح في الوقت الحالي هو تعزيز وبناء أوروبا من الناحية السياسية، لأنه إذا أردنا أن يتمّ خلق تعاون، فيجب أن يتمكن أقطاب متوازنون من بناء هذا التعاون حول تعددية جديدة، ما يعني إقامة حوار بين القوى المختلفة لاتخاذ القرارات معاً".
وأردف قائلاً: "أعتقد أن تغيير الإدارة الأميركية هو فرصة لمواصلة بطريقة سلمية تماماً وهادئة، ما يجب أن يفهمه الحلفاء في ما بينهم: نحن بحاجة إلى مواصلة بناء استقلالية لأنفسنا، كما تفعل الولايات المتحدة، وكما تفعل الصين".
مسؤول روسي يعلّق على انتقادات ماكرون لمجلس الأمن الدولي
كلام الرئيس الفرنسي علّق عليه رئيس اللجنة الدولية في مجلس الاتحاد الروسي، قسطنطين كوساتشيوف، وقال إن "الدول الأوروبية ليس لديها سبب للحديث عن عدم وجود قرارات مفيدة من قبل مجلس الأمن الدولي، لأن هذا خطأهم أيضاً، وماكرون يدرك جيداً أن مجلس الأمن ليس هيئة ذات سلطة مستقلة تتخذ القرارات وفقاً لتقديرها الخاص، ولكنه هيكل جماعي، وبمشاركة فرنسا".
وقال السياسي الروسي: "إذا كانت هناك رغبة في إقامة تعاون، فيجب أن تكون الأقطاب المتوازنة قادرة على إعطاء شكل لهذا التعاون، أي الحوار بين القوى المختلفة للتوصل إلى حلول مشتركة، لكن إطار التعاون المتعدد الأطراف ضعيف اليوم، لأنه معطل".
وأكد كوساتشيوف أن "ما يعرقل بشكل منهجي تعددية الأطراف هو اتباع نظام أحادي القطب، ولن يعترف الأميركيون بالأوروبيين كحلفاء إلا إذا أخذوا أنفسهم (الأوربيون) على محمل الجد، وكانوا مستقلين في سياستهم الدفاعية".
وخلص السيناتور الروسي إلى القول: "ماذا يمكن أن نتوقع في هذه الحالة من الهياكل المجالس الدولية بمشاركة القوى الأوروبية؟ لا يوجد شيء يمكن لوم مجلس الأمن به، إذا كانت السياسة الخارجية للأوروبيين ضعيفة".