المشهد الأميركي الداخلي يواجه تعقيدات برفض ترامب تسليم السلطة
البيت الأبيض يمنع الإدارة الأميركية من التعاون رسمياً مع الرئيس المنتخب، وجو بايدن يشكل فريقاً من المستشارين للالتفاف على ذلك. ما هي تفاصيل تعقيدات المشهد الداخلي ومسألة تسليم السلطة في ضوء إجراءات ترامب وما يمكن توقعه خلال الفترة المتبقية من ولايته؟
يملك الرئيس المنتخب جو بايدن شبكة واسعة من الحلفاء ذوي الخبرة والعلاقات الحكومية الواسعة لقيادة عملية انتقال السلطة بعناية، للتغلب على جهود إدارة ترامب غير المسبوقة لعرقلة الانتقال السلس.
ومع قيام البيت الأبيض بمنع الإدارة من التعاون رسمياً مع بايدن، يخضع أعضاء الفريق الانتقالي للحزب الديموقراطي لأوامر صارمة بعدم إجراء أي اتصال مع المسؤولين الحكوميين الحاليين، حتى المحادثات عبر القنوات الخلفية، وفقاً للإعلام الأميركي.
وقال أحد هؤلاء المستشارين إن "أي اتصال بين الإدارة والمجموعات الانتقالية يمكن أن يقوض الإجراءات القانونية المحتملة في المستقبل. وإذا كانت إدارة ترامب قادرة على القول إن مستشاري بايدن الانتقاليين يحصلون على ما يحتاجون إليه من دون العملية الرسمية، فقد يؤدي ذلك إلى تقويض قضية محتملة".
وبدلاً من ذلك، يقوم أعضاء فريق بايدن الانتقالي بالاتصال بالمسؤولين الحكوميين المغادرين مؤخراً وغيرهم من الخبراء، للمساعدة في إعداد الإدارة الجديدة، وهم يعتمدون على فريق بقيادة مسؤول كبير سابق في وزارة الخارجية، للتعامل مع تدفق المكالمات من القادة الأجانب. كل ذلك من دون الاستفادة من الخط الحكومي الآمن أو خدمات الترجمة التي تقدمها وزارة الخارجية الحالية.
ووفقاً للإعلام الأميركي، في ظلّ انتقال طبيعي، ستقوم وزارة الخارجية بتسهيل تلك المكالمات على خط محمي، لتجنب المراقبة من قبل أجهزة المخابرات الأجنبية المعادية "والجهات الفاعلة الخبيثة" الأخرى. وستوفر الوزارة أيضاً مترجمين مدربين من قبل الحكومة، حتى لا يضطرّ فريق بايدن إلى الاعتماد على أفراده أو على مترجمين فوريين يمكنهم تقديم نكهة مختلفة للمناقشة الثنائية.
ونقلت شبكة "سي إن إن" الأميركية عن مسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية قولهم إن مجموعة من الرسائل من قادة أجانب إلى الرئيس الأميركي المنتخب موجودة في وزارة الخارجية، لكن إدارة ترامب تمنعه من الوصول إليها.
هذا الصدام يُظهر كيف أصبح رفض ترامب الهزيمة في الانتخابات الأميركية أكثر من مجرد موقف رمزي. ويأتي ذلك وسط ارتفاع متزايد بالإصابات بفيروس كورونا وتراجع اقتصادي، ما أثار مخاوف متزايدة من أن هذه الظروف ستعوق جهود بايدن لمواجهة دوامة الأزمات التي تواجه الولايات المتحدة.
كما تعوق الأوامر التي أصدرها ترامب بحظر الاتصال بفريق بايدن قدرة مساعدي بايدن على تلقي معلومات سرية حول التهديدات الأجنبية من خصوم الولايات المتحدة والأمراض المعدية وقضايا تطوير اللقاحات المتعلقة بوباء فيروس كورونا.
ماكس ستير، رئيس مؤسسة "Partnership for Public Service" التي تساعد في عمليات الانتقال الرئاسية، قال إن المشاكل "ستصبح أكثر حدة كلما طال أمدها".
وأضاف: "حكومتنا هي أكبر منظمة وأكثرها تعقيداً، ليس في الولايات المتحدة فقط، ولكن ربما في العالم، وفي التاريخ. لذا، فإن إدارتها بشكل فعّال مهمّة ضخمة".
هذا وسعى بايدن يوم الثلاثاء للتقليل من أهمية مقاومة ترامب، وقال "لقد بدأنا بالفعل في الانتقال. نحن على ما يرام، حقيقة أنهم ليسوا على استعداد للاعتراف بأننا فزنا ليست ذات أهمية كبيرة".
Biden: "The fact that they’re not willing to acknowledge we won at this point, is not of much consequence in our planning and what we're able to do between now and January 20th."pic.twitter.com/JgItSEMT8m
— The Recount (@therecount) November 10, 2020
في اليوم نفسه، أعلن بايدن اختياره عشرات الخبراء والمسؤولين الحكوميين السابقين للعمل كأعضاء في الفريق وتمهيد الطريق لجدول أعمال بايدن.
يحصل هؤلاء الأعضاء عادةً على التمويل والوصول إلى الغرف والأشخاص داخل الوكالات المخصصة لهم، مثل وزارة الدفاع ووكالة حماية البيئة ووزارة العدل، ولكن نظراً إلى أن إدارة الخدمات العامة لم تعترف ببايدن كرئيس مقبل، ولم تبدأ رسمياً عملية الانتقال، فلن يتمكنوا من دخول مباني الوكالات وتلقي المعلومات.
وقال حاكم ديلاوير السابق جاك ماركل، وهو حليف لبايدن: "في حين أن هناك أشياء معينة لا يمكننا القيام بها، مثل التواصل مع الأشخاص في الوكالات الفيدرالية الآن، لكن الفرق تمضي قدماً بأقصى قوة ممكنة".
ورفعت حملة ترامب الانتخابية دعوى قضائية في ولاية ميشيغن، لتمنعها من توثيق فوز الرئيس المنتخب جو بايدن بأصوات الولاية.
ووفقاً لشكوى رفعت في محكمة اتحادية غرب ميشيغن، فقد تقدمت الحملة بشهادات عن مخالفات وقعت خلال التصويت، بالتركيز على مقاطعة واين التي تضم مدينة ديترويت، وتعدّ معقلاً للديموقراطيين.
وقبل ميشيغين، أعلنت ولاية جورجيا الأميركية إعادة فرز الأصوات بطريقة يدوية، بعد ملاحظة وجود هامش صغير جداً بين الرئيس الجمهوري ومنافسه الديموقراطي.
هذه الخطوة تأتي بعد اتهام ترامب الحزب الديموقراطي بسرقة الانتخابات، مشككاً في عمليات فرز الأصوات التي أشار إلى تضمّنها أصواتاً غير قانونية، في إشارة إلى الأصوات التي وصلت عبر البريد بعد يوم الانتخابات، والتي تم احتسابها ضمن الأصوات، ورجحت كفة الديموقراطي جو بايدن في عدة ولايات.
ولم يعترف ترامب حتى الآن بخسارته انتخابات الرئاسة بعد خمسة أيام من إعلان الإعلام الأميركي فوز بايدن بعد تجاوزه الأصوات الـ270 اللازمة في المجمع الانتخابي للفوز بالرئاسة.
ومن المعروف أن ترامب لا يعترف بالخطأ أو الفشل، وهو أكثر عرضة لتأجيج الانقسامات من معالجتها، كما أظهرت تغريدة على "تويتر" يقول فيها: "أوقفوا العد!"، حين اقترب بايدن من 270 صوتاً انتخابياً مطلوباً للفوز بالبيت الأبيض.
واعتلى ترامب المنصة في 6 تشرين ثاني/ نوفمبر لتقديم سلسلة من الادعاءات التي لا أساس لها حول تزوير الانتخابات واتهام الديموقراطيين بمحاولة "سرقة" الانتخابات، مع عدم تقديم أي دليل على وجود نشاط غير قانوني.
ويعتقد البعض أن ترامب سيأتي ويلقي خطاب تنازل فقط للحفاظ على مكانته السياسية، وهو ما مهّدت له حملة الرئيس الأميركي، إذ ناقشت إمكانية ترشحه في الانتخابات الرئاسية للعام 2024.
وإذا رفض ترامب إلقاء خطاب تنازل علني أو إجراء مكالمة تهنئة لبايدن، فسوف يحطم 124 عاماً من التاريخ الأميركي. ويقول الخبراء إن ذلك سيقوض نتائج الانتخابات، ويؤدي إلى تفاقم التوترات السياسية في البلاد، والتي ظهرت بالفعل من خلال رفضه تسليم السلطة.
ويليام هويل، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة "شيكاغو"، قال في السياق إن ذلك "سيكون ضاراً حقاً"، مشيراً إلى أن "خطابات التنازل هي نوع من التأكيد على شرعية الانتخابات".
وكما جرت العادة منذ العام 1896، يرسل كل مرشح رئاسي خاسر في التاريخ الأميركي رسالة تنازل، سواء عن طريق البرقية إلى المنتصر أو عبر خطاب متلفز على المستوى الوطني.
وكان ترامب ألمح إلى أنه قد لا يقبل بنتائج انتخابات 2020 مرات عديدة، كما رفض خلال الأشهر الستة الماضية مراراً الالتزام بعملية انتقال سلمي للسلطة، عندما سئل عن ذلك، وزعم أنه لن يخسر الانتخابات إلا إذا تم تزويرها.
وفي العام 2016، أظهر ترامب أيضاً عدم التزامه في نتائج الانتخابات، لكن التوقع بتأخير النتائج هذا العام منحه مجالاً أوسع للزعم بأنه لا يمكن الثقة بنتائج الانتخابات، وفق صحيفة "الغارديان".
وبدا ترامب وكأنه مهّد الطريق لرفضه الاعتراف بنتيجة الانتخابات في مقابلة أجراها معه كريس والاس من "فوكس نيوز" في تموز/يوليو الماضي، وذلك عندما سأله والاس عما إذا كان سيقبل بنتائج الانتخابات، فكان رد ترامب حينها: "عليّ أن أرى. لا، أنا لن أكتفي بالقول نعم. ولن أقول لا".