"المتاجرة باسم الشعب".. من المحرض إلى الأداة المنفذة

"الشعب يريد"، ربما يكون الشعار الأسرع والأكثر تداولاً، في أي احتجاجات شعبية مطلبية في المنطقة، لا تتأخر بعدها لتخرج جهات كثيرة يدعي معظمها تبنى مطالب الشعب، وتقدم نفسها ممثلة للشعب ولمطالبه، من يستغل الشعب ولأي أغراض؟

  • لم تمانع جهات موجهة بث التحريض والكذب والتضليل لتحوير مطالب الشعوب بهدف تطويعها وحرفها عن أهدافها
    لم تمانع جهات موجهة بث التحريض والكذب والتضليل لتحوير مطالب الشعوب بهدف تطويعها وحرفها عن أهدافها

تحدث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في كلمته اليوم الأحد، عن الشعب والشارع ومطالبه. وأكد الاستعداد لمناقشة أي آلية توضح مطالب الشعب لقطع الطريق على من يفرض مطالب ويسميها شعبية.

إشكالية واضحة طرحها السيد نصر الله، تقوم على ضرورة اعتماد آليات توضح مطالب الشعب، لقطع الطريق على كل من يفرض مطالب ويسميها شعبية.

هذه الإشكالية لا تطرح في لبنان وحده، بل في الكثير من دول المنطقة، وهي ربما تعكس ما تعرضت له مطالب الشعوب من تعميم خطير من قبل جهات سياسية وإعلامية ومؤسسات مجتمع مدني موجهة.

الجهات السياسية والإعلامية هذه لم توفر فرصة لاستغلال اسم الشعب لتحقيق أجندات دول إقليمية ودولية تدعمها، والسيناريو اللبناني خير دليل على ذلك.

أطراف سياسية وقنوات تلفزيونية وجيوش إلكترونية مررت رسائل تخدمها، بثت شائعات استخدمت في التضليل والتجييش، ثم يبنى على التضليل خطاب سياسي تحريضي، وقد دفعت في لبنان مثلاً أموالاً طائلة لبث الشائعات لتشويه صورة المقاومة.

السيناريو اللبناني الذي عرج عليه السيد نصر الله، شهدته بعض دول المنطقة أيضاً. إذ لم تمانع جهات موجهة بث التحريض والكذب والتضليل لتحوير مطالب الشعوب بهدف تطويعها وحرفها عن أهدافها، ولم تتوان عن جر البلاد إلى فوضى عارمة لتمرير أجنداتها الممولة خارجياً، في محاولة لفرض توجيه سياسي واضح على الشعوب لتحقيق مصالحها الضيقة تنتهي بالتحكم بمصيرها ومستقبلها.

هي بدعة جديدة منذ منتصف التسعينيات، وبدأ التحضير لها من منتصف الثمانينات، مع "الثورات الملونة".

تاريخياً هناك ثورات وقوانين وقواعد لهذه الثورات، خاصة في دول العالم الثالث، هذه الثورات ضد الاستعمار ومن أجل التحرر الوطني، ومن أجل نظام اجتماعي أو ما يعبر عنه الشعب من حقوق ومطالب.

في منتصف التسعينيات، بدأت المسائل تنقلب رأساً على عقب، ومنظمات غير الحكومية تقول "الشعب يريد إسقاط النظام"، ولكن في الحقيقة هي تحضر لمعركة لتدخل خارجي، كما حصل في سوريا على سبيل المثال، بحجة أنها تغير النظام، هي كانت ولم تزل تريد تغيير موقع الدولة السياسي، وسياساتها الخارجية، 

في العالم العربي يوجد المئات وربما الآلاف من المنظمات غير الحكومية، وفي لبنان يوجد العشرات منها، وهي تحظى بدعم وتمويل من مؤسسات أوروبية وليس من الدول الأوروبية مباشرة.

هناك مؤسسات تقوم بدعم هذه المنظمات، وأعضاء هذه المنظمات يتقاطعون بالسياسة مع السياسات الأوروبية، ويخضعون لدورات وورش عمل لتتحول هذه المنظمات إلى تقاطع كبير مع السياسات الغربية الليبرالية.

عندما تحصل الأزمات كمان في لبنان، منذ 17 تشرين الثاني/نوفمبر حتى الآن، شاهدنا على سبيل المثال أن معظم الضيوف الذين استضافتهم وسائل الإعلام هم من هذه المنظمات والجمعيات غير الحكومية، وبالتالي هؤلاء يقومون بتشكيل رأي عام داخل أوروبا، لديه وجهة نظر محددة، الرسالة عن الوضع في لبنان أو العالم العربي تأتي من هذه المنظمات، لأن هؤلاء يحظون بتغطية إعلامية.

لذا، عند تدخل أي دولة أوروبية في شؤون دولة عربية، تحظى الحكومات بدعم وبتفهم الرأي العام. ولا شك أن هناك استهداف للمقاومة من قبل التحالف الذي يضم الدول الغربية وبعض دول الخليج مع بعض الإعلام في العالم العربي، وبعض القوى السياسية والإعلام في لبنان.

صاحب المال يدعي أنه صاحب القاعدة الشعبية

على مواقع التواصل الاجتماعي، فالأمر أكثر سهولة، وذلك لأنها افتراضية، ويمكن استغلال أو مصادرة الشعبية دون الرجوع إلى حيثية عملية على الأرض، فأي شخص يمكن أن يزعم أنه يمثل شريحة معينة، إلا أن هذا التمثيل افتراضي، ربما يكون مزيف أو مبتكر، ولكن لا حاجة لبرهنة هذا الموضوع عملياً، عادة الشائعات والادعاء يحتاج نوعاً من التكتيك لنشر هذه المعلومة ومن ثم تداولها ومن ثم توظيفها سياسياً.

ولكن عندما نتحدث عن هذه المنصات، فيمكن لحساب مزيف أن يكون هو المصدر الذي يتم استغلاله لنشر هذه المزاعم ثم الانطلاق لتوظيفها، لأن هذه المنصات دخلت بسهولة إلى كل البيوت، فهي سهلة الاستخدام، مباشرة ورخيصة، ومحببة لقلب الشباب وهم الفئة الأنشط في المجتمع، والتي يسهل تحريكها والتفاعل معها.

إلا أن ما شهدناه في لبنان والعراق وليبيا خلال الشهور الماضية، يتعدى الجيوش الالكترونية، حيث تم قرصنة للمؤثرين، وقامت صفحات، خاصة على انستغرام، من مؤثرين بمجالات الأزياء او السيارات والطعام، وبعد أن كوّنوا قاعدة متنوعة من المتابعين، فجأة بدأوا يتداولون أو ينشرون شائعات أو أخباراً بطريقة مبطنة وعفوية بطريقة الاستغراب والاستهجان وبعد أيام نجد هؤلاء المؤثرين في الشوارع يدعون لمظاهرات.

ومن الأسباب الأساسية للتساهل في هذا الموضوع هو المال، فصاحب المال اليوم يستطيع أن يروج لاستخدام الدعايات الموجهة والجيوش الالكترونية لبث كل هذه الشائعات وحملات التضليل دون أن ينطلق من قاعدة شعبية معينة. إذاً صاحب المال يدعي أنه صاحب القاعدة الشعبية التي يزعم أنه يمتلكها.

أيضاً تواطؤ المنصات مع الأجندات لبعض الحكومات التي تسهل لفئة دون فئة أخرى للترويج لهذه الأفكار.

اخترنا لك