لهذا "طاف الكوب"... أميركا تنتقم لماضيها: من نحن؟
لماذا يحطّم الأميركيون تماثيلهم ورموزهم؟ دعونا نحاول سبر غور هذه الأـسباب، لبابها؟ ماهياتها؟ إلى حيث يحلو للبعض المقارنة... لا بل الغمز من قناة تباهي جنود المارينز بإسقاط تمثال الرئيس العراقي صدام حسين بعد احتلال بغداد، وارتداد ذلك على تبعات إخفاقات متعددة لحقت ببلاد العمّ سام.
تباهى جنود قوات المارينز الأميركيون بعد احتلالهم العاصمة العراقية بغداد بإسقاط تمثال ضخم للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بعد الغزو الأميركي لبغداد فى مطلع شهر نيسان/أبريل 2003.
اليوم وبعد 17 عاماً، تشهد المدن والساحات الأميركية أكبر حملة لإزالة تماثيل ورموز ترمز إلى حقبة تاريخية أميركية كاملة، أبرزها تحطيم تمثال "مكتشف أميركا كريستوفر كولومبوس"!
"من نحن كشعب أميركي"!
أستاذ التاريخ في جامعة كنساس ديفيد فاربر قال في تعبير لافت "يبدو أننا لربما وصلنا إلى نقطة مفصلية في إعادة سرد الرواية بشأن من نحن كشعب أميركي".
وأضاف "رأينا عشرات الملايين إن لم يكن مئات الملايين من الأميركيين يخوضون صراعاً مع أسئلة جوهرية بشأن ما الذي علينا فعله مع جوانب ماضينا البغيضة، وبصراحة اللاأخلاقية حتى".
BREAKING: Protesters have toppled the Christopher Columbus statue at the Minnesota State Capitol. @WCCO pic.twitter.com/uCpZY1zoA8
— Nick Streiff (@nickstreiff) June 10, 2020
د. خوري للميادين نت: وثيقة تحرير العبيد بقيت حبراً على ورق
من الناحية السيكولوجية يقول د. نبيل خوري الاختصاصي في علم النفس والناشط الاجتماعي للميادين نت، إن ما يجري هو ردة فعل بدأت عفوية، وانطلقت لتصبح جماعية شمولية تعبّر عن وجهة نظر مفادها أن الثقة التي كانت موجودة بالمبادىء والمثل العليا التي أنشئت عليها الولايات المتحدة الأميركية، والتي وردت في دستورها، والمواثيق التي أتبعت بهذا الدستور كلها قد سقطت، لا بل أمسى سقوطها مدوياً".
ويضيف "بعد قرار وثيقة تحرير العبيد عام 1861، التي سببت الحرب الأهلية وكانت موقعة من إبراهام لينكون، تبين أن هذه الوثيقة وحتى 100 عام بقيت حبراً على ورق".
ويقول إن "التعبير كان عنيفاً لأن ردة الفعل كانت كذلك من قبل الشرطة، والعنف هنا ولّد العنف، والحقيقة المرّة هو أن هذه التماثيل ترمز إلى حقبة تاريخية تحكي عن المبادىء.
ويعتبر أن "هذه ردة فعل سيكولوجية – طبيعية مؤداها أن الإنسان يريد أن ينفّس احتقانه، وقتل فلويد في الشارع بهذا الشكل الشنيع، كان النقطة التي تسببت بطوفان الكوب، لأن عمليات العنف ضد السود متكررة، وعدد المسجونين من السود يكاد يتعدى الـ 70%، وهناك سوء معاملة في كل النواحي، ورسالة الناس من خلال تحطيم التماثيل هي أننا لم نعد مقتنعين بكل ما تحاولون ترويجه من مبادىء وقيّم، ونريد أن نثبت ذلك للعالم".
ملاعب للميادين نت: أميركا في ردة عنيفة لقراءة تاريخها لا بل ومحاسبته
الإعلامي والمحلل السياسي عامر ملاعب يقول للميادين نت "فجأةً وبسرعة قياسية أميركا الحلم والحلم الأميركي يتساقط مع تماثيل تاريخ هذه الامبراطورية، ومن يرى لحظة الهجوم على تمثال مكتشف القارة الأميركية يُدرك أن أشياءً كثيرة سقطت".
ويستذكر لحظة احتلال بغداد في العام 2003، قائلاً: "في استعراض إعلامي مقصود، صعد الجندي الأميركي إلى تمثال الرئيس الأسبق صدام حسين في وسط العاصمة، ووضع العلم الأميركي على وجه التمثال ثم خلع الرأس وأسقط جسده، بالتوازي مع صرخات وهتافات مدروسة مرحبةً، في الحقيقة هذه هي لحظة سقوط العراق نفسياً، وكانت هذه هي صورة الهزيمة العربية في القرن الجديد بعد صورة احتلال فلسطين في القرن الماضي".
ويقارن بين الحدثين "في هذه الأيام تبدو الولايات المتحدة الاميركية في ردة عنيفة لقراءة تاريخها لا بل ومحاسبته، هل هي لحظة يقظة للتصحيح، ام صحوة ما قبل الموت والغياب؟.
السقوط النفسي في لحظة العراق تقابله لحظة إحراق وإزالة تمثال كولومبوس في فرجينيا، وسط تصاعد موجة الاعتراض والرفض في أميركا، لكن الفارق أن في الأول احتلال من دولة إلى دولة أما هنا، فهي لحظة يقظة على تاريخ من العنصرية والظلم، وما هذه التماثيل سوى لتمجيد شخصيات كان لها دور في إذكاء التفرقة والتمييز بين البشر".
الهبّة في أميركا استدعت استنفار كل قوى السلطة الحاكمة
وإذ يرى أن "هذه الهبّة في أميركا، استدعت استنفار كل قوى السلطة الحاكمة وأركان الدولة العميقة التي رفضت بشكلٍ مطلق إزالة أي من هذه التماثيل وتغيير مسار تاريخ تمجيد للآباء المؤسسين، يعتبر أن الموجة انتقلت إلى أوروبا بالطبع لترابط التاريخين في بوتقة واحدة من مسار العنصرية والدماء والألم".
"في المحصلة فإن التاريخ سيعيد تصحيح مساره مهما طال الزمن ويبدو أن تاريخ بلاد العم سام قد نهض في هذه اللحظة بوجه من يستغل دماء البشرية لحساب طبقة اعتادت أن تعتاش على دماء وعرق البشر، يبدو أننا أمام لحظة تاريخية كبيرة تتبلور وتصنع تاريخاً جديداً"، يختم ملاعب.