تخريب التماثيل في أميركا والعالم.. ثأر من التاريخ؟

جزءٌ كبيرٌ من الأميركيين يكرهون التماثيل المنصوبة في أنحاء الولايات المتحدة، ولذا، عمدوا إلى تخريب وإسقاط عدد منها.. لكن في الواقع، تمثّل هذه التماثيل الجزء الآخر من أسلاف الشعب الأميركي، وتاريخهم، وحقيقتهم العنصرية.

  • تخريب التماثيل في أميركا والعالم.. ثأر من التاريخ؟
    تمثال كريستوفر كولومبوس في بوسطن بولاية ماساتشوستس الأميركية وقد نزع عنه رأسه (رويترز)

انتفض الأميركيون في الأسابيع الماضية ضد العنصرية التي يواجهونها منذ عقود في الولايات المتحدة، ولم يكتف هؤلاء، بل لم يشفَ غليلهم، الاحتجاج فقط، بل عمدوا إلى إزالة كل ما يذكرهم بما تعرض له أسلافهم، من تماثيل ونصب ولوحات تذكارية ترمز للعنصرية والعبودية، فكان صراعهم مع الذكرى، والهدف إعادة تسطير تاريخ جديد لهم.

بشكل عام، وجود تمثال لأي شخص من أركان الحرب أو الإبادات، يجدد النقمة والحقد، ويبدو كأنه اعتراف بما فعله أصحاب هذه التماثيل، وتأكيد عليها، لكن البعض يعتبر أن وجودها مفيد للتذكير دائماً بالتاريخ، والاتعاظ منه.

أما في أميركا، فرأي الشعب منقسم حول هذه التماثيل، فالبعض يعتبر أنها تمثل إرثاً ثقافياً، أما البعض الآخر يعتبرها رموزاً للعنصرية من إرث العبودية المظلمة في أميركا.

منذ أن قتلت الشرطة الأميركي الأفريقي "جورج فلويد" في 25 أيار/ مايو، استهدف متظاهرون في مدن أميركية عدّة تماثيل ونصباً تذكارية تعود لشخصيات في التاريخ الأميركي والأوروبي اعتبرها المحتجون صاحبة دور كبير في تكريس العنصرية والعبودية وتجارة الرقيق.

وتنتشر تماثيل تمجّد القادة الجنوبيين إبان الحرب الأهلية داخل مبنى الكونغرس في العاصمة واشنطن، إضافة لكثير من الميادين والساحات العامة ومباني حكومات الولايات الجنوبية ويصل عددها إلى 776 تمثالاً.

ما هي التماثيل التي أزالها المحتجون خلال الأسابيع الماضية؟ وأين تقع؟

من أبرز التماثيل التي تعرضت للتهشيم والتخريب خلال الاحتجاجات، تمثال كريستوفر كولومبوس، إذ قطع المحتجون رأس التمثال الموجود في بوسطن بولاية ماساتشوستس، في 10 حزيران/ يونيو، وتعرضت تماثيل أخرى لكولومبوس موجودة في أكثر من مكان في الولايات المتحدة للتخريب أيضاً. 

ريتشموند، فيرجينيا

وبعد يوم واحد من إسقاط تمثال كولومبوس، أسقط حشد من المتظاهرين في ريتشموند تمثال رئيس الكونفدرالية الأميركية جيفرسون ديفيس.

وقال عمدة ريتشموند "ليفار ستوني" في تغريدة صباح الخميس إن "جيفرسون ديفيس كان عنصرياً وخائناً فرّ من مدينتنا بينما نفذت قواته أوامر بحرقها على الأرض، ولا يستحق أن يكون له تمثال".

نورفولك، فيرجينيا

تم إزالة الجزء العلوي من نصب الكونفدرالية في وسط مدينة نورفولك من قبل المحتجين، ويجسد هذا التمثال جندياً يُعرف باسم "جوني ريب"، ويقف هناك لأكثر من 100 عام.

ورفعت الجهات المعنية التمثال بعد أن أوقعه المحتجون أرضاً، ومن المقرر إزالة الجزء السفلي من النصب التذكاري في آب/أغسطس القادم.

وفي 11 حزيران/يونيو أعلن عمدة نورفولك كينيث كوبر ألكسندر، عن خطط لإزالة التمثال وقال إن "استمرار وجود التمثال يمكن أن يؤدي إلى العنف وبالتالي يجب إزالته على الفور".

بورتسموث، فيرجينيا

أصيب رجل أميركي أفريقي بجروح خطيرة على يد الشرطة الأميركية، عندما حاول تدمير نصب تذكاري كونفدرالي.

وقال رئيس بلدية بورتسموث إن "شرطة بورتسموث فعلت الشيء الصحيح في حصر التخريب للممتلكات العامة، من أجل حماية الأرواح والممتلكات الخاصة المتبقية في المنطقة"، معلناً أن "نقل أو إزالة النصب التذكاري بأكمله ستتم معالجتها في جلسة استماع عامة يوم 28 تموز/يوليو".

وقطع المحتجون رأس أحد التماثيل الموجودة على النصب، الذي تم إدراجه في السجل الوطني للأماكن التاريخية عام 1997.

الإسكندرية، فرجينيا

قامت فريق من الإسكندرية بإزالة تمثال برونزي لجندي كونفدرالي اسمه "أبوماتوكس"، الذي أقيم عام 1889 لتكريم الجنود الكونفدراليين من مدينة فيرجينيا.

وقال عمدة الإسكندرية "جوستين ويلسون" في تغريدة إن "الإسكندرية ، مثل جميع المدن العظيمة، تتغير وتتطور باستمرار".

وتعد فرجينيا، موطناً للكثير من النصب التذكارية الكونفدرالية أكثر من أي ولاية أخرى، وفقًا لما قاله حاكمها رالف نورثام الذي تعهد "بفعل شيء" حيال ذلك.

لويزفيل، كنتاكي

تم إزالة تمثال جون بريكنريدج كاستليمان، وهو تمثال لجندي كونفدرالي في قلب وسط مدينة لويزفيل. 

جاكسونفيل، فلوريدا

المحتجون في مدينة جاكسونفيل، أسقطوا أيضاً تمثالاً عمره 122 عاماً، ولوحة كرّمت جنود كونفدراليين. 

وأعلن عمدة المدينة "ليني كاري" أنه سيتم إزالة جميع معالم الكونفدرالية من جاكسونفيل، تتضمن ثلاثة آثار وثمانية علامات تاريخية.

وقال كاري إنه "إذا منعنا تاريخنا من تحقيق كامل الأهداف لمستقبلنا، فإننا بحاجة إلى اتخاذ إجراء، وسيعمل موظفو مكتبي مع المجلس الثقافي في جاكسونفيل لاستقطاب خبراء في التاريخ والفن لضمان الاعتراف بماضينا بطريقة كاملة، لتكون طريقة للمضي قدماً، ولا تترك إرثًا شخصياً لأحد". 

برمنغهام، ألاباما

حاول المتظاهرون في "لين بارك" إزالة نصب تذكاري عمره 115 عامًا مخصص للمحاربين القدامى، وتمثال لقائد البحرية الكونفدرالية "تشارلز لين".

وقال عمدة المدينة "راندال وودفين" للمتظاهرين عند وصوله إلى مكان الحادث، إنه "سينهي لهم المهمة" لكن لم يحدد تاريخ إزالته، وناشدهم بالتفرق قبل أن تأتي الشرطة لاعتقالهم، معبراً عن "تفهمه" لهم.

وعلى بعد حوالى 54 ميلاً غربًا من جامعة ألاباما، أذن مجلس الأمناء ورئيس الجامعة بإزالة ثلاث لويحات في الحرم الجامعي لإحياء ذكرى طلاب جامعة ألاباما الذين خدموا في الجيش الكونفدرالي، وطلاب آخرين شاركوا في الدفاع عن الحرم الجامعي. 

  • تخريب التماثيل في أميركا والعالم.. ثأر من التاريخ؟
    لوحة في الحرم الجامعي لإحياء ذكرى طلاب جامعة ألاباما الذين خدموا في الجيش الكونفدرالي

مونتغومري، ألاباما

هدم المتظاهرون تمثال قائد جيش القوات الكونفدرالية فى الحرب الأهلية "روبرت إدوارد لي" الذي يبلغ من العمر 122 عاماً، الذي يقف أمام مدرسة "لي" الثانوية في مونتغومري.

  • تخريب التماثيل في أميركا والعالم.. ثأر من التاريخ؟
    قاعدة تحمل تمثال "روبرت لي" تقف فارغة

موبيل، ألاباما

وقال عمدة المدينة "ساندي ستيمبسون" في تغريدة إن "المدينة أزالت تمثال الأدميرال الكونفدرالي رفائيل سيمز من وسط موبيل، وأخذته إلى مكان آمن"، مؤكداً أن "قرار إزالة التمثال لم يكن حول سيمز أو محاولة لإعادة كتابة التاريخ، بل يتعلق بإزالة تشتت محتمل، ويجب أن نركّز بوضوح على مستقبل مدينتنا".

ناشفيل، تينيسي

تم نقل تمثال "إدوارد كارماك"، السيناتور الأميركي السابق المعروف بمهاجمته لمناصري الحقوق المدنية، بعيدًا عن المدينة.

وجاءت عملية الإزالة بعد تهشيم المتظاهرين النصب.

نيو أورلينز، لويزيانا

قام متظاهرون في بتحطيم تمثال جون ماكدونو المعروف بـ"مالك العبد"، ورميه في نهر المسيسيبي بعد نقله على متن شاحنة من مكانه إلى النهر.

ويطالب أميركيون منذ سنين بإزالة هذه التماثيل التي تعود لشخصيات استعبدوا أشخاصاً خلال فترة الحرب الحرب الأهلية الأميركية، لكن يستدعي إزالة أي تمثال واستبداله بآخر صدور تشريع من الولاية التي قدمته، ثم تبث اللجنة المشرفة على مباني الكونغرس في قبول أو رفض الاستبدال.

تدمير تماثيل خارج الولايات المتحدة

وليست أميركا وحدها الدولة التي تحتفظ بنصب تذكارية ومعالم أثرية للكونفدرالية، بل إنها منتشرة في جميع أنحاء العالم. 

بروكسل، بلجيكا

المتظاهرون في بلجيكا لطّخوا تمثالاً للملك بولد الثاني في العاصمة بروكسل بسبب ماضيه الاستعماري في القارة الأفريقية حين حكم البلاد بين عامي 1865 و1909، بينما أذعنت بلدية أنتويرب لضغوط الاحتجاجات وأزالت تمثالا آخر له في إحدى ساحاتها العامة.

  • تخريب التماثيل في أميركا والعالم.. ثأر من التاريخ؟
    تمثال الملك بولد الثاني في العاصمة بروكسل (رويترز)

ميلانو، إيطاليا

وتعرض تمثال الصحافي الإيطالي الشهير إندرو مونتانيلي للتخريب وطلي بطلاء أحمر مساء السبت على يد مجهولين في حديقة تحمل اسمه أيضاً في ميلانو.

وأظهرت صور نشرتها وسائل إعلام إيطالية عبارات "عنصري، مغتصب" مكتوبة بطلاء أسود على قاعدة التمثال.

وفي الأيام الأخيرة، طلبت جمعية "إي سنتينيلي"، "المناهضة للفاشية"، من رئيس بلدية ميلانو إزالة تمثال الصحافي الذي اتهمته بالزواج من طفلة في إثيوبيا خلال الفترة الاستعمارية الإيطالية في إفريقيا. 

وقد تعرض هذا التمثال للتخريب في السابق وألقي عليه طلاء وردي العام الماضي خلال تظاهرة نسوية. 

برستل، بريطانيا

سحب المحتجون في بريطانيا، تمثال تاجر الرقيق "إدوارد كولستون" في القرن السابع عشر ودحرجته في الشوارع قبل إلقاءه، بشكل غير رسمي، في نهر آفون.

فرنسا ترفض إزالة التماثيل

إلا أن فرنسا رفضت إزالة التماثيل، إذ قال رئيسها إيمانويل ماكرون إن بلاده "لن تتساهل مع العنصرية"، لكن "الجمهورية لن تمحو أي أثر أو اسم من تاريخها، ولن تنسى أياً من أعمالها الفنية، ولن تزيل التماثيل"، وذلك تعليقاً على خروج سلسلة تظاهرات في فرنسا في ضوء احتجاجات في الولايات المتحدة تخللها تدمير معالم اعتبرت رمزاً للعنصرية. 

نطق المواطن الأميركي الأفريقي جورج فلويد وهو يُخنق من قبل شرطي أميركي: "أريد أن أتنفس"، ومات فلويد خنقاً، آلاف الأميركيين يخرجون في تظاهرات يومية ومواجهات مع الشرطة وهم يرددون عبارة "فلويد"، ومعهم يردد العالم "نريد أن نتنفس".

اخترنا لك