إخفاقات مدوية لترامب قبل "بوعزيزي" الأميركي... نعم "نريد أن نتنفس"!
جام الغضب الشعبي الأميركي الذي انهال بعد مقتل جورج فلويد على الرئيس الأميركي وإدارته وشرطته، ليس وليد ساعته بالتأكيد، و"الإناء ينضح بما فيه"، كما يقول المثل الشعبي، فهل أميركا على شفا حرب أهلية؟ أو في سياق الانهيار؟ أم سنلفيها أكثر "هجومية" مستقبلاً؟
أظهر استطلاع لـ" رويترز ابسوس" أنَّ غالبية الأميركيين تعارض طريقة تعاطي الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع الاحتجاجات وأنها تتعاطف معَ المحتَجّين".
وأظهر استطلاعٌ آخرُ أنّ 47% من الناخبين المسجّلين يخطِّطون لدعم المرشح الديمقراطيِّ جو بايدن في الاِنتخابات الرئاسيّة المُقبلة.
بالتوازي، أرخى الاستطلاع الذي أجرته مؤسَّسة "راسموسن ريبورتس" بظلاله على المشهد الأميركي القادم، خاصة وأنَّ 31% من الأميركيين المستطلعة آراؤهم رجحّوا أن تشهد الولايات الأميركية حرباً أهلية ثانية في وقت ما خلال السنوات الخمس المقبلة.
لا شك بأن دور الولايات المتحدة بدأ بالتراجع في العالم، وهذه هي السُنَّة الطبيعية للدول خصوصاً بعدما وصلت واشنطن إلى مجد قوتها في العقد الأخير من القرن الماضي ونصف العقد الأول من القرن الحالي، بعد انهيار الثنائية القطبية.
هذا ما يؤكده الباحث د. علوان أمين الدين – مؤسس ومدير مركز "سيتا" للميادين نت، فيشير إلى إن الحروب الكثيرة التي خاضتها، لا سيما خلال حقبة "المحافظين الجدد"، كان لها الأثر البالغ على الأزمة الإقتصادية التي ضربت العالم، العام 2008، حيث لا تزال هناك بعض التداعيات إلى وقتنا هذا".
ويضيف أن دفع أميركا تريليونات الدولارات على حروبها من دون الاستفادة الإقتصادية منها، كان أحد الأسباب المهمة في ما شهدته الدول حينها، حيث عادت لتقييم سياستها، وأبرز دليل على ذلك توقيع "إتفاق الدوحة" مع حركة طالبان، 2020، من أجل تأمين خروج تدريجي لقواتها العسكرية من كابول.
النفط... انقلاب السحر على الساحر!
ويذكّر أنه ومع بدء حرب النفط الروسية – السعودية، كانت ترامب "مسروراً جداً"، لكون انخفاض الأسعار سيصب في مصلحة حليفه التاريخي عبر الاستحواذ على الأسواق النفطية التي تمدّها موسكو وبعدها يصبح، مع حليفه، المصدّر والمستفيد الأول، "لكن حسابات البيدر لم تتوافق مع حسابات السوق"، حيث انقلب السحر على الساحر وهبطت عقود النفط الآجلة الأميركية إلى 37- (ناقص) دولاراً للبرميل، ليعود الرئيس نفسه وينتقد هذه السياسة ويطالب بتغييرها".
النفوذ في "الحديقة الخلفية"!
أيضاً، خسرت الولايات المتحدة نفوذها على الكثير من دول "الحديقة الخلفية" مع وصول العديد من الأحزاب اليسارية إلى سدة الحكم لتعاود العمل، ومنذ فترة، العمل على استعادتها مجدداً حيث تجلى ذلك في البرازيل، مع وصول جايير بولسونارو أو "ترامب – البرازيل" إلى سدة الحكم، وبوليفيا، مع "الإنقلاب" على الرئيس إيفو موراليس، وتأليب كولومبيا على فنزويلا، مع محاولات للانقلاب أو اغتيال الرئيس نيكولاس مادورو.
ناقلات إيرانية تتحدى: إلى فنزويلا
وأدى انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، إلى وضع إدارته في مرمى الداعي للحرب، مع رفض أوروبي - دولي لهذا الانسحاب، ولفرض العقوبات، في وقتٍ كانت طهران تزداد قوةً ومناعة في الداخل، ما جعلها تنفّذ وعدها في إرسال ناقلات النفط الخمس إلى فنزويلا، دون أن تحرّك أميركا قواتها البحرية والجوية.
ومن نافل القول، لا بد من التذكير أن ترامب "ضرب الرقم القياسي" في فرض العقوبات أو تجديدها على الدول الكبرى والصغيرة.
وفي الحديث عن التراجع الأميركي الخارجي، هنا لن ننسى الإخفاقات الأميركية العسكرية والسياسية (مباشرة أو غير مباشرة) في سوريا والعراق واليمن وغيرها...
لا تنسوا تهديد ولاية كاليفورنيا!
داخلياً، يذكّر د. أمين الدين أنه مع وصول ترامب إلى سدة الحكم، وعد الناخبين بعبارة شهيرة "وظائف.. وظائف.. وظائف" حيث قال بأنها ستصل إلى حدود المليون وظيفة، ناهيك عن ضرورة الحصول على تريليون دولار من دول الشرق الأوسط كدفعة على حساب تعويض واشنطن عن تدخلها العسكري غير المنتج مالياً، لها بالتأكيد.
من هنا، بدأ بعملية "ابتزاز" تحت غطاء عقود التسليح حيث وصلت المبالغ إلى حدود الرقم الذي أراده ترامب ما ساهم في انتعاش الوضع الداخلي وتحريك عجلة الإقتصاد.
يضيف أن هناك الكثير من الظروف ترافقت مع وصول الرئيس ترامب إلى سدة الحكم، فخلال فترة الانتخابات، هددت ولاية كاليفورينا، التي يوجد فيها ما يعرف بـ "وادي السيلكون"، (منطقة استثمارية تقنية أميركية؛ تعتبر العاصمة التقنية في العالم لاستضافتها المقرات الرئيسية لآلاف الشركات العملاقة العاملة في مجال التكنولوجيا المتقدمة) بالانفصال عن الولايات المتحدة بحال وصوله، وهو ما يعد شرخاً ولو معنوياً في حالة الاتحاد.
أيضاً، لم يستطع ترامب أن يكوِّن "كابينت" حكم خاصة به حيث توالت استقالات وإقالات المستشارين بين الفينة والأخرى إلى حدود لم يسبق للولايات المتحدة أن عرفتها، ما يظهر تخبطاً في إدارة الرئيس.
أما الدليل على ما كان يحصل فيمكن مراقبته على موقع "تويتر"، الذي عاد الرئيس ووقّع أمراً تنفيذياً يهدف إلى إلغاء بعض جوانب الحماية القانونية الممنوحة لمؤسسات التواصل الإجتماعي بعد أحداث مينيابوليس. فلقد كان الرئيس ترامب يقوم بالتغريد حول مسألة ما ليقوم البنتاغون أو وكالة المخابرات الأميركية بالتغريد على خلافه، وكلنا يذكر إعلان الرئيس خروج قواته من الشمال السوري وما رافقه من تغريدات مضادة ومواقف وما حصل بعد ذلك.
علاقة متأزمة مع وسائل التواصل الاجتماعي
وهنا لا بد من التعريج على علاقة ترامب الملتبسة، لا بل المتأزمة مع وسائل التواصل الاجتماعي، فمنذ أيام نشر موقع "تويتر" تحذيراً غير مسبوق، بشأن محتوى إحدى تغريدات ترامب، والتي هدد من خلالها بـ"إطلاق النار على متظاهري ولاية مينيسوتا الذين يحتجون على مقتل مواطن أسمر البشرة على يد الشرطة".
ووضع موقع التواصل الاجتماعي الشهير إشارة "تمجيد للعنف" على تغريدة ترامب بشأن أحداث مدينة مينيابوليس.
وانضمت شركتا "فيسبوك" و"سناب شات" إلى قائمة الشركات الأميركية المنددة بالتمييز العرقي في الولايات المتحدة، على خليفة مقتل فلويد.
كورونا والفشل الأميركي: ابتزاز الصين
مع وصول جائحة "كورونا" إلى الولايات المتحدة وفشل الإدارة بالتعامل معها، يقول أمين الدين، "بدأ الهجوم المضاد على بكين حيث ظهر ذلك جلياً مع وضع الرئيس للوباء بانه "فيروس صيني"، متهماً إياها بأنها أخفت معلومات مهمة عنه إلى أن انتشر في العالم. ولكن في حينها، كانت نيّة الرئيس إلصاق التهمة ببكين من أجل إرغامها على دفع تعويضات مالية الهدف منها كسب المال وإضعاف الدور الإقتصادي للصين عالمياً بعد الحرب التجارية التي شنتّها أميركا ضدها ومحاولة إبتزازها عبر إتفاقيات تجارية جديدة".
ويعقّب، "ترافق ذلك مع وصول عدد العاطلين عن العمل إلى 20 مليون عامل، وباستثناء عمّال قطاع النفط من هذا العدد، وعند القيام بعملية حسابية بسيطة، نرى بأن عدد العاطلين، وصل إلى 36 مليون شخص أي أن المليون وظيفة قابلها 35 مليون عاطل، ناهيك عن قيام الحكومة بضخ 2 تريليون دولار بالسوق المحلية كمساعدات للمواطنين ما يعني نفاذ التريليون دولار وفوقه تريليون آخر.
كل هذه الأزمات، أربكت الإدارة الأميركية الحالية خصوصاً أنها على أبواب إنتخابات رئاسية وخصوم الرئيس ترامب "في غاية السعادة" بسبب تراكم الأزمات عليه وفشله في حلها أو حلها بالطريقة الخاطئة بحيث تزيد نتائجها من سجل الرئيس الفاشل بالتعاطي مع الأزمات".
"بو عزيزي مينيسوتا"!
من هنا، "أفضت حادثة قتل المواطن جورج فلويد، "بوعزيزي" مينيسوتا، إلى خروج الناس للشوارع خصوصاً بعد فترة الحجر الطويلة ونفاذ الأموال والخوف من المستقبل الذي يحمل الكثير من الرؤية السوداء مع إفلاس الكثير من الشركات العملاقة التي تحوي الملايين من الموظفين، بما فيها عائلاتهم"، يشرح أمين الدين.
أيضاً، كان للتعاطي "المتعجرّف" لترامب مع عائلة جورج فلويد، عندما اتصل بها، أثرٌ كبير في تأجيج الأمور والزيادة في استعارها، ناهيكم عن التهديد باستعمال القوة لمواجهة المحتجين، وحمله للإنجيل أمام الكنيسة والذي ترافق مع الانتقادات اللاذعة.
هنا يذكّر د.أمين الدين أن موضوع تمييز المواطنين الأميركيين الأفريقيين عن البيض ليس بجديد، فكلنا يذكر على سبيل المثال إعصار "كاترينا" الذي ضرب ولاية لويزيانا، العام 2006، وكيف كانت طائرات المساعدات تقوم بإخلاء البيض أولاً.
هل نحن في سياق الانهيار؟
ثمّة من يقول أن ترامب يكرر تجربة نجاح المرشح الجمهوري ريشارد نيكسون سنة 1968 بعد أن انتشرت التظاهرات وأعمال الشغب، وازداد الانقسام المجتمعي بسبب حرب فيتنام وحملة مارتن لوثر كينغ للحقوق المدنية... حيث استطاع الأخير تسجيل انتصار على الديموقراطيين.
يجيب د. علوان "بالنسبة إلى ما يحصل في الولايات المتحدة اليوم، فإنه لا يمكن وضعه في سياق إنهيارها أو حتى تفككها، فهناك دولة عميقة جداً موجودة فيها خصوصاً وأنها تتحكم بإقتصاد العالم عبر عملتها... بالتالي، إن أي خطة لإسقاطها، هذا في حال كان ذلك موجوداً بالأساس، سيكون له تدابير كثير يجب إتخاذها أولاً.
هذا "الحلم" يراهن عليه الكثيرون خصوصاً وأن الموقع الجغرافي لأميركا، ناهيك عن قوتها العسكرية، يساعدها كثيراً على المواجهة والصمود في وجه أية حرب. برأيي، هذا أمر مستبعد كثيراً".
خشية من "سياسات هجومية مستقبلية"!
خلاصة القول، يلخصّه الباحث د. علوان بقوله " إن ما يمكن توقعه في هذه المرحلة هو سقوط الرئيس ترامب انتخابياً، وهو مطلب خصومه السياسيين، مع بعض الارتدادات التخريبية التي فجرّها مقتل فلويد، وليس هو سببها كلها بالتأكيد، إضافة إلى إمكانية وجود خطة لإعادة ترتيب بعض السياسات الداخلية والخارجية.
لكن يبقى الخوف أن تكون سياسات أميركا المستقبلية "هجومية" أكثر من قبل من أجل تعويض خساراتها المثيرة لا سيما المالية منها... لكن المؤكد أن ما بعد مقتل "فلويد ليس كما قبله"!