14 كانون الثاني: شارع الحبيب بورقيبة الشارع الرمز والشاهد الأكبر على الثورة التونسية
شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية، الشارع الذي هز عرش بن علي، والشاهد الأكبر على تاريخ جديد خطه التونسيون بدمائهم، هنا في هذا الشارع وذات 14 جانفي 2011 ضرب التونسيون موعدا مع الحرية وأطلقت الحناجر "شغل، حرية، كرامة وطنية"، وبكلمة واحدة "dégage" كانت كفيلة للإطاحة بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي بعد حكم دام 23 عاما.
صادف أمس الثلاثاء 14 كانون الثاني/يناير، ذكرى اندلاع الثورة التونسية، ومع كل ذكرى يجدد التونسيون لقاءهم بالشارع الرمز، شارع الحبيب بورقيبة، 9 سنوات مرت وبقي تاريخ 14 جانفي 2011 راسخاً في أذهان التونسيين، رغم الخيبات التي تعتري شعور الكثيرين بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
أصبح شارع الحبيب بورقيبة نقطة لقاء التونسيين والحاضن لكل المحتفلين بذكرى الثورة، وحتى الغاضبين منهم الذي يأتون محتجين رافعين شعارات تطالب بالتشغيل وتذكر الحكام الجدد بالمطالب التي من أجلها اندلعت الثورة.
أمام كل المداخل المؤدية لشارع الحبيب بورقيبة تمركزت نقاط أمنية للتثبت من هويات كل المارة وتفتيش أمتعتهم، وعلى امتداد كامل الشارع وفي المنافذ الرئيسية المتفرعة عنه وضعت الحواجز الحديدية، هو يوم استثنائي تطلب تعزيزات أمنية استثنائية.
العشرات من العائلات التونسية توافدوا اليوم إلى شارع الحبيب بورقيبة، هو يوم عيد، هكذا أرادوه أن يكون، ألبسوا أطفالهم الراية التونسية والتقطوا الصور التذكارية، تجولوا بالشارع ذهاباً وإياباً وكأنهم يكتشفونه من جديد، بل لعله الحنين لمشاهد طبعت بالذاكرة: آلاف التونسيون كسروا جدار الخوف واجتمعوا أمام وزارة الداخلية مطالبين بسقوط النظام... مشاهد لا يمكن أن توضع في رفوف النسيان.
على بعد أمتار قليلة من نصب ابن خلدون، شيدت خيمة مخصصة للعروض الموسيقية والمسرحية، وعلى إيقاع الموسيقى الصاخبة عبّر الشباب برقصاتهم عن "الفرحة والأمل" وتغنوا بتونس الجميلة تونس الحلم التي " لا يجوع فيها مواطن ولا يقهر فيها مظلوم" تونس كما يريدونها أن تكون.
لكن الموسيقى الصاخبة التي عمت الشارع، لم تخمد أصوات المحتجين الذين أتوا ليحيوا الذكرى على طريقتهم، شباب من أصحاب الشهادات العليا عاطلين من العمل، من بينهم أساتذة في الطب يبحثون عن خلاص من شبح البطالة، مطالبين الحكومة القادمة بحل هذه المعضلة التي ترتفع نسبتها من سنة إلى أخرى.
اختلطت المشاعر في هذا اليوم لدى التونسيين في شارع الحبيب بورقيبة، بين التباهي بالتحول السياسي الذي عرفته البلاد وبين الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي بات مصدر قلق لكل العائلات التونسية.. بين تركيز خطى ثابتة في المسار الانتخابي وبين ضبابية تعتري المشهد السياسي بسقوط حكومة الحبيب الجملي والانطلاق مجدداً في مفاوضات قد تخفي مفاجآت لا تحمد عواقبها.
الاحتفال بشارع الحبيب بورقيبة، كان مغايراً لكل الاحتفالات التي مضت خلال الثماني سنوات الماضية، فقد غابت الأحزاب عن التظاهرات وغابت معها الصراعات والمشاحنات بين الأنصار.
كان حضور الأحزاب اليوم باهتاً، لعل ما يشغلها اليوم أكثر هو مشوار المفاوضات الجديد، لتشكيل حكومة ترأسها الشخصية الأقدر من وجهة نظر رئيس الجمهورية.