لبنانيون ينتجون قمحهم.. الأزمة ليست قدراً!

في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان، انطلقت مبادرات شعبية في مختلف المناطق تتبناها الجهات الرسمية، هدفها المساهمة في تقليل الاعتماد على استيراد المنتوجات الزراعية، لا سيما القمح، وذلك من خلال الإنتاج المحلّي، ووزير الزراعة اللبناني حسن اللقيس، يؤكد للميادين نت أن "الإقبال واعد جداً".

 

يعتمد لبنان بشكلٍ شبه كلّي على الاستيراد من الخارج من أجل إشباع حاجات سوقه من السلع الغذائية. وفي طليعة تلك السلع يأخذ القمح أهمية قصوى لما يشكلّه من عنصرٍ أساسي في الغذاء اليومي للمواطن لا يمكن تعويضه أو الاستعاضة عنه بسلعةٍ أخرى.

في 24 أيلول/سبتمبر  الماضي حذّر "أصحاب المطاحن" في لبنان، من أن مخزون القمح هبط إلى مستوى "خطير"، معتبرين أن "البلد قد يواجه أزمة إمدادات إذا لم يتم توفير الدولارات اللازمة لاستيراد الحبوب بالسعر الرسمي". حصل ذلك، قبل بداية الاحتجاجات في منتصف شهر تشرين الأول/ أكتوبر، حينها كانت الأزمة النقدية تأخذ مساراً تصاعدياً من جهة تراجع الليرة أمام الدولار في السوق السوداء. 

وبعيداً عن الاتهامات التي طالت الشركات التي تحتكر استيراد القمح، واستغلالها للأزمة عبر تهديدها برفع الأسعار، لم تمضِ أسابيع قليلة حتى بدأت الدعوات تُنشر تباعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، أظهرت رغبة شعبية في زراعة القمح للخروج من الأزمة، ضمن مبادرة انقسم فيها لبنانيون بين من يقدّم أرضه ومن يقدم مجهوده أو آلاته الزراعية.

مبادرات واعدة ... على امتداد لبنان

هذه المبادرات تلقفتها سريعاً البلديات المعنية ووزارة الزراعة اللبنانية من خلال تنظيم الأراضي الصالحة للزراعة والتواصل مع أصحابها، وتقديم القمح مجاناً للمساهمين.

البداية من عيناتا وبني حيّان وبنت جبيل جنوباً، مروراً بالمبادرة الفردية الشابة التي أطلقتها د. لورانس حسون البعيني في مزرعة الشوف (جبل لبنان)، وصولاً إلى الكورة شمالاً، كان المشهد واضحاً "الأزمة ليست قدراً". ولم تتوقف عمليات الزراعة عند القمح، بل تعدّت ذلك إلى مختلف أنواع المزروعات، لكنّ مسألة زراعة القمح أخذت أولويةً انطلاقاً من أهميته كمنتج، وتأثره المباشر بالأزمة، في حين يُنتظَر أن تشهد البلاد مبادرات أخرى تطال مختلف أنواع المزروعات، والمأمول هو القدرة على إنتاج البذور في مختلف المحاصيل الزراعية، عوضاً عن استيرادها من الخارج.

اللقيس: الهدف هو تقوية زراعة "القمح الطري" للاستغناء تدريجياً عن الاستيراد

يقول وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، حسن اللقيس، إن الوزارة انطلقت في مبادرتها من "حسّ المسؤولية وتخفيف الأعباء عن المواطنين في ظلِّ الأزمة الاقتصادية وتعذّر الاستيراد". ويضيف اللقيس خلال حديثٍ لـ "الميادين نت"، أن الوزارة عمدت إلى شراء "القمح الطري" ومن ثم توزيعه على المزارعين بشكلٍ مجاني، مؤكداً أنها "المرة الأولى التي تقوم الوزارة بهذه المبادرة".

ويوضح اللقيس أن القرار أصدره مجلس الوزراء اللبناني مجتمعاً لنقل اعتماد مالي بملياري ليرة من أجل شراء كميات "القمح الطري" والذي يستخدم في "الخبز والكعك ومختلف أنواع المعجنات". ويضيف بأن "القمح الطري كان يُستورد من الخارج بمعدّل 450 ألف طن قبل الأزمة السورية، لكن مع بدء الأزمة وما خلّفته من نزوح سوري بات لبنان يستورد حوالي 900 ألف طن بما معدله مليارين وسبعمائة ألف دولار سنوياً".. "الرقم كبير جدًا في ظل العجز التجاري"، يقول اللقيس، مشدداً على أن "الوزارة عمدت إلى شراء القمح وتوزيعه على المزارعين من أجل تخفيف أعباء العجز التجاري الذي يتراوح بين 20 مليار دولار استيراد و2 مليار دولار تصدير".

الوزير اللبناني يشير إلى أن "الهدف هو تقوية زراعة القمح الطري في لبنان للاستغناء بشكلٍ تدريجي عن استيراده من الخارج وتوفير المبلغ من اعتمادات السلع المستورَدة".

وبينما يؤكد أن "الإقبال على زراعة القمح واعد جداً"، يرى اللقيس أنه "إذا استمرت المبادرة ضمن المخطط المرسوم لها فسنصل إلى مراحل متقدمة في موضوع الاكتفاء الذاتي، وسنكون قادرين على تغطية حاجة السوق اللبناني من القمح"، مستطرداً بأن الأمر "لا ينحصر في الاكتفاء الذاتي وحاجة السوق، بل أيضاً في التوفير على المواطن من جهة الأسعار التي ستصبح غير مشمولة بكلفة الاستيراد من الخارج".

وحول الخطوات المقبلة يلفت الوزير اللبناني إلى أن "استقالة الحكومة اللبنانية أثرّت على مشاريع الوزارة بما يخص المزروعات الأخرى، لا سيما تلك التي تتعاون فيها الوزارة مع البنك الدولي ومنظمة الفاو"، بالإضافة إلى "اعتمادات كانت مخصصة في الموازنة من أجل مشروع الأعلاف لدعم المزارعين اللبنانيين".

على هذا النحو تسير الخطة الزراعية، شعبياً ورسمياً، باتجاه إنتاجٍ وطني للسلع الغذائية. وتبقى النتيجة مرهونة بالجدية في إتمام الخطة الموضوعة من جهة، وفي القدرة على تحدّي الشركات التي تحتكر استيراد تلك السلع من جهةٍ أخرى.

ويبدو أن الوضع الاقتصادي المأزوم الذي تعاني منه البلاد كان كفيلاً بتحويل التهديد إلى فرصة، وفي دفع الشعب اللبناني بمختلف مكوناته وأطيافه إلى إيجاد بدائل محلية تغنيهم عن الحاجة إلى الخارج، ولعلّ الأزمة وما رافقها من تحديات تكون نقطة الصفر التي تؤسس لمرحلةٍ جديدة في الاقتصاد اللبناني.

  • لبنانيون ينتجون قمحهم.. الأزمة ليست قدراً!
    الوضع المأزوم الذي تعاني منه البلاد كان كفيلاً بتحويل التهديد إلى فرصة

وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى تقاطع تصريحاتٍ عديدة من مسؤولين لبنانيين دعت إلى الذهاب باتجاه حلولٍ داخلية بعيداً عن الارتهان للخارج في عملية الاستيراد، كان أبرزها ما قاله رئيس الجمهورية اللبنانية، ميشال عون، الذي دعا إلى ضرورة تحويل الاقتصاد اللبناني من "اقتصاد إستهلاكي إلى اقتصاد إنتاجي".

في الـ 17 من تشرين الأول/أكتوبر اندلعت احتجاجات في لبنان بسبب تردي الأوضاع المعيشية ونية الحكومة فرض ضرائب جديدة، هذه الاحتجاجات ألقت بظلالها على المشهدين السياسي والاقتصادي المترديين أصلاً.

اخترنا لك