سوريا ولبنان.. أفق التكامل التجاري والاقتصادي في الأزمة الراهنة
تُظهِر الأزمات الأخيرة التي يعاني منها لبنان وسوريا على الصعيدين الإقتصادي والنقدي، مدى الخطورة التي يمكن أن تنتج عن التباعد بينهما. وإذا كان القرار السياسي في التقارب لا يزال خاضعاً لضغوطٍ خارجية، فإن التعاون بين بيروت ودمشق يمكن أن يأخذ مسارات متنوعة لمصلحة الشعبين.
أجمع اقتصاديون على أن الأزمة النقدية التي يمر بها لبنان ألحقت ضرراً شديداً بالاقتصاد السوري المحاصر أصلاً، بفعل إغلاق الباب أمام دخول الدولار إلى البلاد عبر المصارف اللبنانية.
وكانت وكالة "رويترز" نقلت خلال الأيام الماضية عن رجال أعمال ومصرفيين قولهم إنه مع عدم قدرتهم على تحويل الدولارات مباشرةً إلى سوريا، يلجأ السوريون خارج منطقة الشرق الأوسط إلى النظام المالي اللبناني كقناة لإرسال الأموال إلى أقاربهم تقدر بمئات الملايين كل عام، وهذا تضرر بفعل الأزمة النقدية التي يمر بها لبنان منذ منتصف تشرين الأول/أكتوبر.
يضاف إلى ذلك، أنه لدى سوريين أثرياء ودائع بمليارات الدولارات في المصارف اللبنانية تقدّر قيمتها بـ19 مليار دولار، والفوائد التي تدفع على ودائع السوريين في لبنان وتحول إلى داخل سوريا هي مصدر مهم لدولارات الاقتصاد السوري. ولم يكن الهبوط المفاجئ لليرة السورية أمام الدولار، والذي وصل إلى حد الـ 30% بموازاة ما يعيشه لبنان من أزمة نقدية واقتصادية، إلا دليلاً على عمق الترابط بين بيروت ودمشق على الصعيدين المالي والاقتصادي، وتأثيرهما على بعضهما البعض. وهذا يبدو واضحاً في أحد أسباب الأزمة اللبنانية ذاتها، والتي لا يمكن في مواضع عديدة فصلها عن الأحداث التي مرّت بها سوريا خلال السنوات الماضية، لا سيما وأن الأخيرة هي المتنفس البرّي الوحيد للبنان.
إذاً وفي ظلِّ الأزمات التي يعيشها البلدان، تساؤلات عديدة تُطرح حول قدرتهما على الخروج منها متحديّن، مع تعذّر ذلك منفرديّن، وفق ما تؤكده تجارب السنوات المنصرمة وما مرَّ فيها من تحديات.
ناصر الدين: الحاجة التكاملية بين سوريا ولبنان تفرض نفسها على البلدين
يلّخص الخبير الاقتصادي اللبناني زياد ناصر الدين، خلال حديثه لـ "الميادين نت" الحاجات المتبادلة بين لبنان وسوريا وفق قاعدة ثابتة، هي أن "نقاط القوة في الاقتصاد اللبناني، نقاط ضعف في الاقتصاد السوري، ونقاط القوة في الاقتصاد السوري، نقاط الضعف في الاقتصاد اللبناني".
ناصر الدين يرى أن الحاجة التكاملية بين البلدين "ضرورية جداً"، موضحاً أن لبنان في الأمن الغذائي الاجتماعي يحتاج إلى الكثير من المواد الأساسية المتواجدة في سوريا، فالأخيرة رغم الحرب لديها إنتاجٌ في المواد الغذائية وفائض في القمح وقدرات زراعية كبيرة جداً، وبالتالي فإن "الأسواق اللبنانية ولأنها أسواق استهلاكية غير إنتاجية فهي تحتاج إلى الانفتاح على سوريا".
لا يتوقف ناصر الدين عند الأمن الغذائي الاجتماعي، بل يذهب إلى قطاع الدواء والمستلزمات الطبية، فسوريا التي افتتحت منذ فترة مصنعاً لتصنيع أدوية السرطان قادرة، وفق ناصر الدين، على "تأمين حاجات لبنان في هذا القطاع استناداً إلى الاكتفاء الذاتي والإنتاج الداخلي الذي تعيشه على مستوى الدواء".
وبينما يعتبر الخبير الاقتصادي أن "قدرة لبنان على الاستفادة من سوريا أكبر من قدرة سوريا على الاستفادة من لبنان"، فإنه يشير إلى أن دمشق تستطيع أن تستفيد من قدرات بيروت في "اقتصاد المعرفة"، لا سيما وأن الأخيرة لديها "بنى تحتية أساسية في علوم التكنولوجيا والإنترنت والكثير من التقنيات المتطورة في هذا المجال التي تحتاجها سوريا". وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لسوريا أن تستفيد، حسب ناصر الدين، من "الواقع الطبي والاستشفائي اللبناني مع وجود مستشفيات متطورة جداً". والى جانب السياحة فإن القطاع التعليمي أيضًا في لبنان على صعيد الجامعات والمدارس "يشكّل عنصر إفادة للسوريين".
التعاون بين البلدين في هذه المرحلة تحديداً سيعطي نتائج مهمة بالنسبة لكليهما على مستوى انقاذ الوضع الداخلي، يؤكد ناصر الدين، لافتاً إلى "إمكانية التعامل التجاري والاقتصادي بعملة البلدين بعيداً عن الدولار الأميركي، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على الوضع النقدي".
ويوضح أن "التعامل بعملة البلدين في الوقت الحالي وفي ظلّ الحصار الذي تشهده عملة الدولار سيجعل سوريا تستفيد من تخزين عملة لبنانية، ليتم استبدالها داخل الأسواق اللبنانية أو بعملة الدولار لاحقاً إذا استتبت الأمور في سوق الصرف اللبناني"، وسوريا في هذه الحالة تقدّم "خدمة للبنان".
وفي هذا السياق، يعتبر ناصر الدين أن جزءاً أساسياً من عدم وجود قرار سياسي لبناني حتى الآن للتعاون الكامل مع سوريا يعود إلى "ضغوط الولايات المتحدة التي تريد إطباق الحصار على لبنان لما تمثله سوريا له من متنفس تجاري واقتصادي ونقدي هام".
خضّور: الطاقة الإنتاجية السورية متاحة للبنانيين في كافة المجالات
ينطلق رسلان خضّور، الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، من المثل الشعبي "إذا جارك بخير فإنت بخير"، ليؤكد أنه بحكم الجوار والتشابك والتشبيك بين سوريا ولبنان في مختلف المجالات فإن "أي طرف سيؤثر على الآخر".
ويرى خضّور خلال حديثه لـ"الميادين نت" أن "لبنان بحكم نظامه المصرفي المتطور ضمن العلاقات الدولية كان بالنسبة للسوريين قناة مهمة في عملية التحويلات المالية والاعتمادات"، موضحاً أن "تقييد هذه العمليات من قبل الجانب اللبناني كان له تأثير مباشر على الاقتصاد السوري".
وبينما يشكك خضّور في حقيقة الوضع النقدي اللبناني، ويضعه في خانة "المبالغة لأهداف سياسية"، يشدد على أنه من حيث المبدأ وفيما يخص التعاون السوري-اللبناني فإن "الطاقة الانتاجية السورية في كافة المجالات متاحة للبنانيين للتبضع بهدف الحاجة الشخصية أو التجارة".
وإلى جانب إمكانية التبادل بعملة البلدين بعيداً عن الدولار، تحدث خضّور عن "المقايضة"، بحيث يتم تبادل السلع بين الطرفين، قائلاً: "هناك على سبيل المثال بعض السلع الزراعية قد يكون إنتاجها فائضاً في لبنان وسوريا، لكن يمكن مقايضتها بسلعٍ أخرى ولو اختلفت بين زراعية أو غذائية أو الصناعية"، موضحاً أنه "يمكن على سبيل المثال للبنان أن يرسل الموز إلى سوريا مقابل أن ترسل الأخيرة ملابساً أو أي سلعة أخرى.. وقِس على ذلك".
"على غرف التجارة والصناعة التابعة للبلدين أن تجتمع وتضع خططاً لعمليات تبادل السلع وفق الجداول والقوائم الموجودة لديها، بعد دراسة احتياجات السوق اللبنانية والسورية"، يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق، معتبراً أن "السوق اللبنانية بحاجة إلى السوق السورية والعكس صحيح".
ويتابع بأن "هناك طاقات لا تعمل في سوريا أو لبنان يمكن أن تعود إلى إنتاجها في حال عودة الطلب عليها"، مشيراً الى أن "الاستغناء بالمطلق عن السوق الخارجية لا يمكن أن يتم أقلها في المرحلة الحالية، لكن هناك مجالات عديدة يمكن للبنان وسوريا التكامل بها بعيداً عن تلك الأسواق".
ووفق خضوّر فإن "سوريا جاهزة على الصعيدين السياسي والتجاري للتعاون مع لبنان"، مشدداً على أن "العائق الوحيد حالياً هو القرار السياسي اللبناني الذي يتعرّض لضغوطٍ خارجية تمنعه من ذلك"، في حين أن "المصلحة الثنائية للدولتين والشعبين هي التعاون والتعامل والتكامل تجارياً واقتصادياً".