اغتيال أبو العطا.. قتل القادة يزخّم قوة المقاومة
مرة جديدة تفشل الحسابات الإسرائيلية في الاستفادة من اغتيال أحد قادة المقاومة في غزة لإيقاف قدرتها على إطلاق الصواريخ. الرد المؤلم يثبت من جديد أن قوة المقاومة وحضورها مرتبطان بإرادة شعبية مقاومة وليس بأشخاص قادتها فقط.
شن الاحتلال الإسرائيلي في الأيام الماضية عدواناً جديداً على قطاع غزة، استهدف بصورةٍ أساسية حركة الجهاد الإسلامي وذراعها العسكرية "سرايا القدس"، وذلك عقب قيامها باغتيال أحد قادة السرايا الشهيد بهاء أبو العطا، الذي روّج إعلام العدو لاسمه بشكلٍ مكثّف خلال الفترة الماضية على أنه المسؤول الأول عن إطلاق كلّ الصواريخ باتجاه المستوطنات.
اختارت "إسرائيل" توقيت اغتيال أبو عطا في لحظة إقليمية حساسة تجهد فيها الولايات المتحدة لحصار قوى المقاومة والجمهورية الإسلامية التي تدعمها. هذه اللحظة التي تعتقد "إسرائيل" فيها أن قوى المقاومة لن تكون قادرة على الرد، أثبتت خلالها "سرايا القدس" وهم الاعتقاد الإسرائيلي، فردت بعنف وبفاعلية. فقبل أيام حذّر قادة أمنيون إسرائيليون من أن كيانهم يواجه عاصفة إيرانية تقترب من حدوده. لكن حجم الرد ونوعيته دفع بكيان الاحتلال إلى طلب وقف إطلاق النار. وحاول الإسرائيليون جس نبض "سرايا القدس" للتأكد من الفرضية الإسرائيلية التي تقول إن قوى المقاومة غير قادرة على الرد في هذه الظروف.
"سرايا القدس" كانت متحسبة لما تخطط له "إسرائيل". فهي لم تذهب بعيداً في استهلاك قدرتها على الردع في هذه اللحظة الإقليمية، بل ردت بعنفٍ مضبوط، يؤلم لكنه أيضاً يقتصد ويوفّر القوة لزمن أولى بها. وهي في الوقت نفسه تعلم أن انخراطها بمواجهة كبيرة اختار العدو توقيتها ليهرب من مأزقه الداخلي لا يخدم في المعركة الكبرى معه. لتفشل "إسرائيل" مرةً جديدة في لعبة تقرير المصائر التي كانت تمارسها مع العرب فتختار لهم زمن الحرب وشكلها وساحتها.
هذا المعنى عبّر عنه في حوار خاص مع الميادين أمين عام حركة "الجهاد الإسلامي" زياد النخالة الذي أكّد أن "سرايا القدس" لم تستنفذ كل ما في جعبتها من صواريخ وأسلحة، وأنها عملت خلال المواجهة بمستوى منخفض وفق الأداء العسكري العام، ومع ذلك فإن "إسرائيل" هي التي بادرت إلى طلب وقف إطلاق النار.
لكن اللافت كثيراً خلال هذا العدوان كان خسارة "إسرائيل" معركة الإعلام والرأي العام مرة جديدة، على الرغم من التواطؤ الواضح لكبريات منصات التواصل مع المحتل، من خلال إغلاق صفحات حركات المقاومة وحساباتها، بل وحسابات المؤيدين لها. الصورة العامة فضحت زيف الدعاية الإسرائيلية، وضعف الجبهة الداخلية المتصدعة والخائفة دائماً.
"إسرائيل" التي تفتح أمامها وسائل الإعلام العالمية والمنصات الإلكترونية، منعت في عصر التواصل الاجتماعي خروج الصور ومقاطع الفيديو من المناطق التي قصفتها المقاومة الفلسطينية في ردها المباشر، حتى يسهل على قيادتها المأزومة تسويق اغتيال أبو العطا كإنجازٍ أمنيٍ كبير. لقد وصل قادة كيان الاحتلال إلى قمة ضعفهم. الكيان الذي كان يخوض الحروب الشاملة ويحقق الانتصارات على الجيوش العربية، بات اليوم بحاجة إلى اغتيال الأفراد خلسةً، وتسويق ذلك على أنه انتصار كبير.
"إسرائيل" تتخبط، في كل مرة تظن أنها وجّهت ضربةً للتهديد الذي تعاني منه، فتجد أنها كانت تساهم في تقويته. لا تريد "إسرائيل" أن تفهم الحقيقة، المسألة ليست في الأشخاص. إن عدوانيتها هي ما يعزز قدرة المقاومة ويحفز كوادرها. المقاومون أقوياء لأنهم محقّون، ولأنهم يُقتَلون، ولأنهم يعانون.
العدوان الأخير على غزة توغل إسرائيلي جديد في الدم الفلسطيني سينتج حتماً كوادر جدداً أكثر إصراراً، وبالضرورة أكثر احترافاً نظراً لتقدم الزمن الذي يعيشون فيه. نتنياهو يقول: "أعداؤنا تلقوا الرسالة، يمكننا الوصول لأي شخص". لكن اغتيال أبو العطا الذي صُوِّر على أنه إسكات نهائي للصواريخ المنهمرة على المستوطنات، لم يوقف تلك الصواريخ، بل زاد منها.
حسناً، لنفترض أنهم وصلوا لأي شخص، ما النتيجة؟ مقاومون جدد، وصواريخ متساقطة بكميةٍ وفاعلية أكبر، وتهديدٌ أكبر، حتى نهاية الاحتلال.