الصين تطلق سباق تسلح من نوعٍ آخر: الجيل السادس من الإنترنت آتٍ
يُمكن القول إن الصين أطلقت سباق تسلّح عالمي جديد تفوق أهميته تطوير الأسلحة النووية! فمَن يمتلك البنية التحتية لشبكة الإنترنت القادمة يسيطر ببساطةٍ على العالم.
هذا بالتحديد سبب العقوبات الأميركية المتلاحقة على بكين في عهد الرئيس دونالد ترامب الذي يخشى حيازة الصين على الحصّة الأكبر من هذا القطاع الحيوي الأثمن في المستقبل القريب، بعد أن نجح القطاع الخاص الصيني، وفي مُقدّمه شركة "هواوي"، في تطوير العديد من التقنيات والبرمجيات التي تستند إلى الجيل الخامس من الإنترنت.
وفي وقتٍ ينشغل فيه الأميركيون، ومعهم الأوروبيون، بمحاولة احتواء التقدّم الصيني في هذا المجال، أعلنت بكين أنها بدأت أبحاث تطوير الجيل السادس بشكلٍ رسمي.
وكشفت وزارة العلوم والتكنولوجيا الصينية أن 37 عالماً بدأوا العمل معاً ضمن مشروع مُشترَك للتوصّل إلى تصوّر حول الجيل الجديد من الإنترنت.
الإعلان الصيني من شأنه إشعال نيران التنافس على سباقٍ محمومٍ يخوضه أقطاب العالم حول مَن يتحكَّم بـ"إنترنت الأشياء"، أو بكلماتٍ أخرى كل الأجهزة الذكيّة التي ستكون مربوطة بشبكة الإنترنت خلال عقد من الزمن.
هذا هو جوهر الموقف الأميركي ضد شركة "هواوي" الصينية التي تعرَّضت إلى عقوباتٍ من إدارة ترامب، بسبب مساعيها المتسارعة في تطوير البرمجيّات والأدوات التي تعتمد على الجيل الخامس من الإنترنت.
يختصر مصطلح الجيل الخامس من شبكة الإنترنت 5G تقنيات التشبيك التي تسمح بربط الأجهزة الإلكترونية ببعضها، بدءاً من السيارات إلى أجهزة التكييف، فالغسّالات والبرّادات! مثال بسيط على ذلك، سيقوم جهاز التكييف في منزلك بتشغيل نفسه على حرارةٍ محسوبةٍ حين تصله بيانات عبر شبكة الجيل الخامس من الإنترنت بأنك قد قطعت المسافة اللازمة من عملك باتجاه منزلك كي تصل وتكون غرفة معيشتك على درجة حرارة مناسبة مع درجة حرارة الخارج، بل ودرجة حرارة جسمك في حال كنت ترتدي أيضاً ساعة ذكيّة تقيس الإشارات الحيوية.
كل هذه العمليات المُماثِلة في الاستخدامات المدنية يمكن أن تتمّ في سرعة 20 جيغابايت في الثانية، عِلماً أن أول اختبار للجيل الخامس قبل أعوام قليلة بلغت 1 جيغابايت في الثانية. بمعنى آخر، سيكون بمقدور مُستخدِم الإنترنت تنزيل فيلم سينما بجودةٍ عاليةٍ في ثانيةٍ واحدةٍ على أبعد تقدير.
وتعتمد التقنية الجديدة على تردّدين في آن يضمنان سرعة أعلى بكثير في نقل البيانات من التردّد الذي تستخدمه تقنية "واي فاي" أو الجيل الرابع الحالي من الإنترنت.
ويتطلَّب استخدام التردّد الثاني الجديد لعمل شبكة الجيل الخامس وجود العديد من الناقلات Transmitters، لأن الموجات التي يتمّ نقل البيانات من خلالها هي موجات "ميلليمترية" تعمل على مسافاتٍ قريبة. بكلماتٍ أخرى، ستكون هناك حاجة لتنصيب العديد من الناقلات لتأمين الاتصال بين مختلف الأجهزة، وهذا ما دفع العلماء إلى تطوير تقنية "ميمو" MIMO التي توفّر عمليات استقبال كثيرة وعمليات إرسال كثيرة في الوقت نفسه في عملية مُتزامِنة بسرعةٍ قياسية.
ماذا تعني هذه العمليات الألكترونية المُتطوّرة؟ وما علاقة كل ذلك بقضية شركة "هواوي"؟ وما الذي يؤجِّج الصِراع العالمي على تقنية الجيل الخامس؟
التقديرات الأولية تشير إلى أن حجم سوق تقنية الجيل الخامس سيتجاوز 123 مليار دولار في سنوات إطلاقها الخمس الأولى. تمتلك شركة "هواوي" القدرة على إغراق حاجة السوق بالأدوات الشبكية والأجهزة الذكيّة المُتوافِقة مع الجيل الخامس من الإنترنت.
العامِل الأمني حاضر أيضاً في حسابات الدول الغربية. السماح لشركة صينية بأن تحتل السوق عبر أجهزتها أمر لا يخلو من الشكوك بشأن الخصوصية وأمن المعلومات.
نحن إذًاً أمام صِراع على "بنية" الجيل الخامس من الإنترنت. مَن يُدير البنية ويصنع عناصرها يمتلك ببساطةٍ القدرة على التحكّم بالعالم. وإعلان الصين البدء بأبحاث الجيل السادس يعني فتح الباب على مصراعيه أمام اشتداد الصِراع الدولي حول السلاح الجديد الذي باستطاعة مَن يمتلكه أن يحكم العالم.