بعد صدمة الصندوق: أي رد فعل لليسار التونسي؟
تغيرت اليوم، الخارطة السياسية في تونس وأفرزت الانتخابات التشريعية الأخيرة واقعاً سياسياً جديداً، ائتلافات جديدة برزت في الواجهة وأخرى تفككت وتقلص حجمها لعل أبرزها القوى اليسارية.
تغيرت اليوم، الخارطة السياسية في تونس وأفرزت الانتخابات التشريعية الأخيرة واقعاً سياسياً جديداً، ائتلافات جديدة برزت في الواجهة وأخرى تفككت وتقلص حجمها لعل أبرزها القوى اليسارية.
هزيمة ثقيلة مُنيت بها الأحزاب اليسارية في تونس في الانتخابات الرئاسية والتشريعية 2019، بعد فشل الجبهة الشعبية في الحفاظ على وحدة صفها ودخولها السباق الانتخابي في حالة انشقاق وتفكك.
ويتواصل إلى اليوم هذا التفكك، فقد أعلن مؤخراً وبصفة رسمية حزب "التيار الشعبي" فك ارتباطه بائتلاف الجبهة الشعبية بعد انعقاد اللجنة المركزية للحزب يوم 24 تشرين الاول/ أكتوبر 2019، والتصويت بالأغلبية الساحقة على الخروج من ائتلاف الجبهة.
هزيمة متوقعة رغم الصدمة
فقدت الجبهة الشعبية النجاح الذي حققته سنة 2014 بفوزها بـ 15 مقعداً ليقتصر حضورها في البرلمان الجديد على مقعدين.
ولئن مثلت نتيجة الانتخابات التشريعية التي جرت في 6 تشرين الاول/ أكتوبر 2019 صدمة في صفوف قيادات العائلة اليسارية في تونس، فإن كل المعطيات كانت تشير إلى أن التفكك الذي تشهده الجبهة الشعبية وانقسامها إلى شقين سيؤثران على حظوظها في الاستحقاقات الانتخابية.
فقد تفجرت الخلافات في الجبهة الشعبية، منذ أذار/ مارس الماضي، عندما قررت اللجنة المركزية لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد اقتراح القيادي منجي الرحوي، مرشحاً للانتخابات الرئاسية، في الوقت الذي كان فيه الاتجاه يسير نحو تجديد ترشيح حمة الهمامي.
وتطورت بسرعة الأزمة الداخلية في صلب الجبهة لينتج عنها حل الكتلة البرلمانية وانسحاب كلّ من حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد ورابطة اليسار العمالي وليعلن فيما بعد تسعة نواب -أغلبهم من حزب الوطد الموحد ورابطة اليسار العمالي- تشكيل كتلة برلمانية تحمل الاسم ذاته “كتلة الجبهة الشعبية" ما أنتج صراعاً قانونياً حول الملكية القانونية لتسمية الجبهة والشعار الانتخابي.
ضرورة المراجعة
بعد صدمة الصندوق، تنكب حالياً الأحزاب اليسارية على القيام بمراجعات وتقييمات تعيد تمركزها من جديد في الحياة السياسية.
ولئن اختار حزب التيار الشعبي فك الارتباط مع الجبهة الشعبية، فإنه في المقابل لم يعلن القطيعة نهائياً وقد أكد في هذا السياق بأنه سيحافظ على العلاقات الودية مع حلفاء الأمس وسيسعى إلى العمل المشترك معهم لكن من دون الدخول في تحالف على الصيغة القديمة.
وفي هذا السياق، صرّح القيادي في حزب التيار الشعبي محسن النابتي لـ "الميادين نت" أن التيار الشعبي قدّر من موقعه بأنه لم يعد قادرا على مواصلة العمل داخل الجبهة الشعبية لأنها لم تعد في نظره قادرة على التقدم باعتبار الارتباك والاختراق الذي شهدته الجبهة من الداخل
وأضاف النابتي أن خروج التيار الشعبي من الجبهة الشعبية لا يعني الخروج من المشروع الوطني التقدمي التحريري (الأحزاب القومية واليسارية)، مشيرا إلى أن العمل المشترك لا يزال قائماً مع الأحزاب اليسارية في انتظار أن تتضح الرؤية وفق الواقع الجديد.
كما أكد أن التيار الشعبي "سيعمل على إعادة بنائه التنظيمي وإبراز مشروعه السياسي كحزب قومي عربي وحدوي".
من جهته، أكد القيادي في حزب العمال الجيلاني الهمامي في حديثه لـ "الميادين نت" أن اليسار في تونس قدم تجربة فريدة من نوعها بتوحيد القوى اليسارية في مشروع واحد وهو الجبهة الشعبية، مشيراً إلى أن هذه التجربة لم يُكتب لها النجاح بسبب دخولها الانتخابات مشتتة وأيضاً لأسباب أخرى تعود إلى شراسة حملات التكفير التي طالتها وأيضاً المال الفاسد الذي قال إنه شوّه العملية الانتخابية وأفقدها مصداقيتها، بحسب تعبيره.
وأعلن الهمامي أن حزب العمال، سينكب طيلة الشهرين القادمين على التفكير في تطوير أساليب العمل والمشاريع والبحث عن الأدوات الحقيقية لمواصلة المسار السياسي، مشيراً إلى أن الحزب سيفتح باب الحوار والنقاش ليس مع القواعد فقط وإنما أيضا مع الأطراف السياسيين الآخرين
وأشار إلى وجود قناعة داخل الأحزاب التي كانت تشكل الجبهة الشعبية بأن الصيغة التي كانت تنتهجها وتعمل عليها قد استنفدت كل طاقتها وأنه بات اليوم من الضروري قيام كل حزب بمراجعته على حدة وتطوير أساليب عمله وبناء تصور ورؤية جديدة يتم في ضوئها بناء التحالفات المقبلة
ولم يختلف كثيرا موقف القيادي في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد أيمن العلوي عن موقف القيادي في حزب العمال الجيلاني الهمامي، الذي أكد لـ "الميادين نت" أن الوطد في صدد القيام بتقييم هادئ وموضوعي لعمل الحزب طيلة الفترة السابقة.
ودعا العلوي بقية الأحزاب اليسارية إلى أن تتحلى بالصبر والهدوء وأن تقوم بمراجعاتها، مشيراً إلى أن الحزب لن يتحالف إلا مع من سيتفق معه حول البرنامج.
وأضاف أن المكتب السياسي لحزب الوطد دعا اللجنة المركزية إلى الانعقاد في ظرف لا يتجاوز شهراً ونصف الشهر لوضع الملامح الكبرى والخط السياسي للحزب والتحالفات المقبلة.
اليسار موجود ولم ينتهِ
لئن راهن بعض المتابعين للشأن السياسي على صعوبة عودة تجربة تكتل الأحزاب اليسارية في جبهة واحدة أو تنظيمها كما كانت في السابق، وإعلان موتها نهائيا بعد الهزيمة الكبرى في الانتخابات، فإن المحلل السياسي والأستاذ الجامعي فريد العليبي أكد لـ "الميادين نت" أن اليسار لا يزال يمثل قوة كبيرة في تونس، متمركزا في النقابة والثقافة.
وقال إن هناك قوى يسارية دعت الى مقاطعة الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية وقد تبعها، وفق تقديره، جمهور لا يُستهان به من اليساريين وطيف واسع من الشعب "الذي لم يعد يثق بالعملية الانتخابية بالنظر الى سيطرة المال السياسي وتأثير العامل الخارجي"، مشيرا إلى أن هذه القوة ربما تتجه الى الشارع مجددا لكي تعيد ترتيب صفوفها وتنظيمها على قاعدة جديدة.
من جهته، دعا المحلل السياسي وأستاذ التاريخ المعاصر عبد اللطيف الحناشي الأحزاب اليسارية إلى ضرورة القيام بمراجعات تتعلق أساسا بخطابها السياسي وبآليات العمل حتى تتمكن من النهوض مجددا.
كما دعا أيضا إلى ضرورة التجديد على مستوى قياداتها، مشيرا إلى أن اليسار موجود كفكر في الساحات ومنظمات المجتمع المدني كالاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية لحقوق الإنسان وهيئة المحامين، ولا يمكن أن ينتفي، لكن يجب أن يتجدد حتى يتكيف مع الواقع، بحسب تعبيره
تنكب حاليا الأحزاب اليسارية على العمل للبحث عن حلول من أجل تدارك الوضع بعد التراجع المفزع في الانتخابات، وتتجه إلى وضع المقاربات الكفيلة لتطويق أزمتها، فهل هي قادرة على أن تتعافى وتكوّن مجددا قوة يسارية لها وزنها على الساحة السياسية التونسية؟