سبب توترات اللحظة الأخيرة بين الروس والأميركيين في سوريا

يبدو تلويح ترامب بالعقوبات على تركيا محاولةً لرسم حدودٍ للتقارب التركي-الروسي من جهة، ورعايةً مواربة للتحولات الجديدة في سوريا والمنطقة من ناحية أخرى.

مع تكشّف المزيد من التفاصيل حول أسرار الانسحاب الأميركي من سوريا، تتضح الصورة أكثر فأكثر بخصوص نهاية الحرب السورية، ومستقبل البلاد التي تعاني من حربٍ طاحنة مستمرة منذ نحو ثماني سنوات.
المعطيات الأخيرة تشير إلى الاتفاق الذي وقعته روسيا وتركيا بخصوص عملية "نبع السلام" التي تشنّها أنقرة على مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من أميركا، بعدما تخلّت الأخيرة عن الكرد وأعلنت انسحاباً مفاجئاً من مناطقهم.
الرئيسان الروسي والتركي فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان وقعا الاتفاق الذي ينص على التزام الطرفين بالحفاظ على الوحدة الإقليمية والسياسية لسوريا وعلى حماية الأمن الوطني لتركيا، ومحاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، وتعطيل المشاريع الانفصالية في الأراضي السورية، والحفاظ على الوضع الراهن في منطقة عملية "نبع السلام" الحالية، التي تغطي تل أبيض ورأس العين بعمق 32 كم، وتأكيد أهمية اتفاقية أضنة، ودخول الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري إلى الجانب السوري من الحدود السورية التركية، خارج منطقة عملية نبع السلام، بغية تسهيل إخراج عناصر "قسد" وأسلحتهم حتى عمق 30 كم من الحدود السورية التركية، والانتهاء من ذلك خلال 150 ساعة، وفي تلك اللحظة بدء تسيير دوريات تركية وروسية مشتركة غرب وشرق منطقة عملية "نبع السلام" بعمق 10 كم، باستثناء مدينة القامشلي، وإخراج جميع عناصر "قسد" ووحدات الحماية وأسلحتهم من منبج وتل رفعت، ومنع تسلل عناصر "إرهابية"، وإطلاق جهود مشتركة لتسهيل العودة الطواعية والآمنة للاجئين، وتشكيل آلية مشتركة للرصد والتحقق لمراقبة وتنسيق تنفيذ هذه المذكرة، والعمل على إيجاد حل سياسي دائم للنزاع السوري في إطار آلية أستانة، ودعم نشاط اللجنة الدستورية.

لكن تطبيق هذا الاتفاق على الأرض سبقه تصريح لافت جداً للرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يجد فيه ضيراً من أن تتولى روسيا حل الأزمة السورية، ولا يرى فيه أيضاً أي مصلحة لبلاده في الانخراط ضمن مواجهةٍ بين قوميتين تعود إلى 200 عام، وهو زمن الصراع التركي الكردي.

هذه التطورات وغيرها تشير إلى اتفاق أكثر اتساعاً بين الأميركيين والروس، يقضي بتسليم الولايات المتحدة الساحة السورية بصورةٍ كاملة إلى روسيا، على أن تأخذ ضماناتٍ معينة تتعلق بحماية الكرد خلال مرحلتين، الأولى عند التفاوض مع الأتراك بخصوص حدود عملية "نبع السلام"، والثانية عند رسم ملامح الحل النهائي للأزمة السورية.

وعلى هذا الأساس سارت الأمور في الشمال السوري بحسب الخطة المرسومة، قبل أن يفاجىء ترامب اللاعبين الآخرين بإخراجه أرنباً من كمّه، ليطلب تمكين الكرد من إدارة حقول النفط في مناطقهم، وإعلان بلاده في الوقت نفسه إرسال مئات الجنود مجدداً إلى تلك المناطق من أجل "حماية حقول النفط".

موسكو من ناحيتها سارعت إلى حماية التفاهم السابق، وطالبت بمغادرة أي جنود أميركيين باقين في سوريا، متهمة الولايات المتحدة بأنها قوة احتلال هناك، وأنه «بالنسبة لوجود جنود أميركيين في سوريا، فإن موقفنا معروف جيداً. وجود الوحدات الروسية في سوريا هو فقط الشرعي بدعوة من القيادة السورية» بحسب ديمتري بيسكوف وهو المتحدث باسم لكرملين.

وفي الوقت الذي أعلنت فيه روسيا عن عزمها إرسال المزيد من قوات الشرطة العسكرية ومعدات إلى سوريا خلال أيام، تتجه أنظار المحللين عن السبب الذي أدى إلى توترات اللحظة الأخيرة بين الروس والأميركيين.

ويمكن في هذا السياق تبين سببين أساسيين:
أولاً: صراع روسي-أميركي محموم منذ سنوات حول استقطاب تركيا. فموسكو وواشنطن تريدان التقرب من أنقرة، بوصفها الدولة الإسلامية الأكثر تناسباً كشريكٍ للدول الكبرى، والأقوى لقيادة العالم الإسلامي السني، خصوصاً وأنها تدير نموذجاً اقتصادياً وسياسياً ناجحاً في المنطقة.

ثانياً: محاولة الأميركيين لحفظ العلاقة مع الكرد، خصوصاً بعد شعورهم بتخلي واشنطن عنهم. ومحاولة واشنطن إيجاد مكاسب لهم تمنعهم من الذهاب بعيداً إلى أحضان الجيش السوري، وإشعارهم بأن واشنطن انسحب من مناطقهم بعد أن أمّنت لهم مكاسب كبيرة في الحل النهائي، بالإضافة إلى رغبة أميركية بحفظ مصالح واشنطن في مناطق حقول النفط السورية. لذلك فقط أعاد ترامب التلويح بعقوبات على تركيا إذا أطلقت النار على الكرد أثناء انسحابهم.

لكن هذه المحاولات الأميركية لا يبدو أنها تستحق تأخير سير الاتفاق، خصوصاً وأن أنقرة تبدو قادرةً على إحداث التوازن بين علاقاتها الأطلسية، وخصوصاً الأميركية، وبين موسكو التي قد تسلم أنقرة المزيد من أنظمة إس-400 الدفاعية المضادة للصواريخ، بحسب وكالة انترفاكس.

وبذلك يبدو تلويح ترامب بالعقوبات على تركيا محاولةً لرسم حدودٍ للتقارب التركي-الروسي من جهة، ورعايةً مواربة للتحولات الجديدة في سوريا والمنطقة من ناحية أخرى.

اخترنا لك