أزمة تشكيل الحكومة التونسية وأبرز السيناريوهات
رغم أن حركة النهضة فازت بالمركز الأول في الانتخابات التشريعية التونسية، إلا أن عدد المقاعد النيابية التي تحصلت عليها (52 مقعدا)، لا يمكّنها من تشكيل حكومة تحظى بثقة البرلمان الجديد.
لم تفرز الانتخابات التشريعية 2019 في تونس، أغلبية واضحة لتشكيل الحكومة المقبلة، ما يجعل المفاوضات شاقة وصعبة لتشكيل تحالف برلماني بمقدوره الأخذ بزمام الأمور، إذ توزعت المقاعد كما يلي:
قائمة حركة النهضة 52 مقعداً وقائمة قلب تونس 38 مقعداً، ثم التيار الديمقراطي بـ 22 مقعدا وائتلاف الكرامة بـ 21 مقعداً يليه قائمة الحزب الدستوري الحر بـ 17 مقعداً ثم قائمة حركة الشعب بـ 16 مقعداً فحركة تحيا تونس بـ 14 مقعداً وحركة مشروع تونس بـ 14 مقعداً وقائمات أخرى بـ 33 مقعدا.
وينص الفصل 89 من الدستور على أن يكلف رئيس الجمهورية مرشح الحزب المتحصل على أكبر عدد من المقاعد النيابية بتشكيل الحكومة ويتولى القيام بهذه المهمة في أجل شهر قابل للتجديد مرة واحدة، وإن لم تتم المصادقة على الحكومة الجديدة في أجل شهرين يقع المرور إلى المرحلة الإجرائية الثانية وهي أن يتولى رئيس الجمهورية تعيين الشخصية الأقدر لرئاسة الحكومة ويمكن أن تكون من خارج الأحزاب والكتل البرلمانية، يقع تكليف هذه الشخصية بتشكيل الحكومة في أجل أقصاه شهر ثم يتجه إلى البرلمان للحصول على الأغلبية (109 صوت)
وفي حال لم تتشكل الحكومة في ظرف 4 أشهر من الانتخابات فإن الدستور ينص على إمكانية حل البرلمان من طرف رئيس الجمهورية والدعوة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.
ووفق العديد من المحللين والمتابعين للشأن السياسي، فإن فرضية حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها واردة جدا، لذلك انطلقت النهضة في مساعيها لتكوين التحالفات اللازمة.
النهضة تحسم تحملها مسؤولية تشكيل الحكومة وترأسها
وفي تصريح لـ "الميادين نت" قال القيادي بحركة النهضة العجمي الوريمي إن الحركة قامت باتصالات أولية مع أحزاب "التيار الديمقراطي" و"حركة الشعب" و"تحيا تونس"، و"ائتلاف الكرامة"، والاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والاتحاد التونسي للفلاحة واصيد البحري، ووصف هذه الاتصالات بـ"الإيجابية"، مؤكدا أن النهضة استثنت في مشاواراتها الحزب الدستوري الحر وحزب قلب تونس.
كما أكد أن النهضة لم تحسم بعد في اسم مرشحها لرئاسة الحكومة مبينا أن المكتب التنفيذي طرح اسم رئيس الحركة راشد الغنوشي على مجلس الشورى الذي رحّل الحسم في المسألة إلى وقت لاحق.
وكانت حركة النهضة أصدرت بياناً ختامياً حول أعمال مجلس الشورى المنعقد يوم الأحد 20 أكتوبر 2019، أكدت فيه قرارها تحملها مسؤولية تشكيل الحكومة وترأسها وسعيها إلى تعميق الحوار مع مختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين على قاعدة برنامج يضمن لها حزاما سياسياً واسعا.
مأزق المفاوضات
اعتبر المحلل السياسي جمعي القاسمي في تصريح للـ "الميادين نت" أن مخرجات مجلس الشورى الأخير عكس بأن حركة النهضة تستشعر مأزق المفاوضات حول تشكيل الحكومة، مشيرا إلى أن هذا الاستشعار يتضح من خلال ترحيل تسمية الشخصية القيادية من داخل الحركة التي ستتولى رئاسة الحكومة القادمة إلى وقت لاحق.
وأضاف القاسمي أن ترحيل النهضة لاسم مرشحها يحيل إلى عدة أسئلة وسيناريوهات أولها أن هناك خلافات صلب الحركة في ما يتعلق باسم المرشح لرئاسة الحكومة وثانياً يندرج في إطار تكتيك سياسي في سياق المفاوضات والمشاورات المرتقبة بحيث تكون الحركة بذلك قد تركت الباب مفتوحاً لإمكانية التراجع عن أن يكون رئيس الحكومة من داخلها، وفق تقديره.
وبين جمعي القاسمي أن هناك إجماع بأن حركة النهضة تواجه صعوبات في إيجاد شركاء لها لتشكيل هذه الحكومة، خاصة وأن الأحزاب المحسوبة على الخط الديمقراطي والثوري رفضت الانخراط في حكومة ترأسها النهضة، كما فرض بعضها شروطاً وصفت بالمجحفة.
التيار الديمقراطي غير معني بحكومة تترأسها النهضة
في تصريح لـ "الميادين نت" جدّد القيادي بالتيار الديمقراطي غازي الشواشي تمسك حزبه بضرورة أن يكون رئيس الحكومة القادم شخصية وطنية مستقلة ذات كفاءة في المجال الاقتصادي وقادرة على أن تكوّن فريقاً حكومياً متجانسا.
كما جدد أيضاً تمسك حزبه بثلاث حقائب وزارية وهي الداخلية والعدل والإصلاح الإداري.
وتابع الشواشي قائلاً "اليوم وبعد إعلان النهضة بأن رئيس الحكومة سيكون من داخلها فإن التيار الديمقراطي غير معني بهذه الحكومة".
كما اعتبر الشواشي أن حجم النهضة في البرلمان لا يخول لها أن تختار رئيس حكومة من داخلها، داعياً إياها إلى التواضع والتوافق مع بقية الأحزاب وضرورة تشكيل حكومة إنقاذ وطني قادرة على مجابهة الوضع الاقتصادي.
حركة الشعب ترفض الدخول في ائتلاف حكومي تقوم بتشكيله النهضة
بدورها عبرت حركة الشعب عن رفضها الدخول في ائتلاف حكومي تقوم بتشكيله حركة النهضة، وشددت على أنها لا ترغب بتقلد مناصب وزارية بقدر ما تسعى إلى تشكيل حكومة مستقلة وفق برنامج اجتماعي واضح
واقترح عدد من قيادات حركة الشعب أن يكون الكاتب والإعلامي الصافي سعيد رئيسا للحكومة القادمة.
وإذا اخذنا بتصريحات الأمين العام لحركة تحيا تونس سليم العزابي الذي أكد أن الحركة غير معنية بالحكومة القادمة فإن الأقرب لحركة النهضة هو ائتلاف الكرامة وهو ما يشكل جدلا بالنسبة لحركة النهضة وأيضا بالنسبة لبقية الأطراف السياسية الأخرى.
حكومة مصغرة ببرنامج وأولويات محددة
وفي ظل هذه الأجواء، قال المحلل السياسي جمعي القاسمي إن الصعوبات كبيرة أمام النهضة وهي تدرك ذلك ومن خلال هذا الادراك لوحت بامكانية الذهاب لانتخابات سابقة لأوانها، مشيرا إلى أنها مسألة محفوفة بالمخاطر ليس فقط بالنسبة لحركة النهضة ولكن بالنسبة أيضا للأحزاب والقوى السياسية الأخرى.
وبين جمعي القاسمي أن النهضة تبحث حاليا عن حزام برلماني وهو ما اعتبره أمرا صعبا وفق الحسابات على مستوى تشكيل البرلمان، وأضاف في ذات السياق أن التقديرات كلها تذهب في اتجاه تشكيل حكومة مصغرة ببرنامج وأولويات محددة لن يتجاوز عمرها 6 أشهر يتم بعدها البحث عن صيغة تشاركية أخرى يتم فيها اشراك منظمات وطنية وخاصة الاتحاد الوطني للفلاحة والصيد البحري؟
وفي حال استمرت حركة النهضة في خطابها الراهن يتوقع القاسمي بأن الوضع سيتجه نحو الانسداد (blockage) الذي سيولد مأزقا لا يمكن بمقدور النهضة التخطي منه وفق تقديره.
يبدو أن تشكيل الحكومة لن يكون أمرا سهلا إذ أنه يفترض تحالف أكثر من أربعة أحزاب ما يعني أن الائتلاف الحكومي قد يكون هشا وأن العودة إلى التوافق حول حكومة وحدة وطنية أو مصلحة وطنية هي مسألة وقت.