القانوني المتواضع والمحب لفلسطين.. لماذا أحب التونسيون قيس سعيّد؟

يُعتبر قيس سعيّد اليوم بالنسبة للكثير من التونسيين باباً جديداً للتغيير ولتثبيت معالم نجاحات ثورة 2011، فبرأيه إنّ "العصفور الذي انطلق من القفص، جاء ليخبركم أنّه لن يعود إليه ولن يرضى بالفتات". 

من العلامات التي شكلت شخصيته لدى المواطن التونسي، هي تواضعه الشديد وانحداره من الطبقة الوسطى / رويترز

من أبناء الطبقة الوسطى، لم يتولى يوماً منصباً سياسياً، لم يُعرف في الأوساط الشعبية إلا بعد ثورة 2011، بل اكتفى بتكريس حياته لدراسة القانون. قيس سعيّد (61 عاماً)، هو الرئيس السادس للجمهورية التونسيّة بنسبة 76.9% من أصوات التونسيين في الانتخابات الديمقراطية المباشرة التي شهدتها تونس مؤخراً بعد وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي.

حصل سعيّد على شهادة الدراسات المعمقة في القانون الدولي العام من كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة تونس الرسميّة، وعلى دبلوم الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري ودبلوم المعهد الدولي للقانون الإنساني بسان ريمو في إيطاليا.

عمل سعيّد كمدرس في كل من كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية في سوسة عام 1986، وكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس العاصمة عام 1999، كما شغل منصب مدير قسم القانون العام بكلية الحقوق في سوسة بين 1994 و1999.

تمرّس في القانون الدستوري، فعمل في منصب كاتب عام ثم نائب رئيس الجمعية التونسية للقانون الدستوري، ورئيساً لمركز تونس للقانون الدستوري من أجل الديمقراطية. وتوسعت أعماله إلى خارج تونس، فشغل منصب مقرر اللجنتين الخاصتين لدى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية لإعداد مشروع تعديل ميثاق الجامعة ولإعداد مشروع النظام الأساسي لمحكمة العدل العربية لعامي 1989 و1990.

رغم شخصيته الجديّة وندرة ابتسامه، عرف سعيّد شهرة واستحساناً من قبل التونسيين خلال ظهوره المتعدد منذ عام 2011، وخلال كتابة الدستور الجديد للبلاد عام 2014.

ولا ينسى التونسيون حين أجاب مرّة: "الدستور أكله الحمار" حينما سُئل في مقابلة تلفزيونيّة عام 2013 عن رأيه بالدستور قبل الانتهاء من صياغته.

أثار الجدل منذ إعلان ترشحه للرئاسة لقلّة المعلومات عنه ولقربه من شخصيات سياسية محافظة، وانقسم حوله الناس بين من اعتبره يسارياً ومن اعتبره إسلامياً محافظاً.

يدافع بشدة عن لامركزية القرار السياسي وضرورة توزيع السلطة على الجهات، وتعرّض للكثير من الانتقادات بسبب مواقفه المحافظة في بعض القضايا الاجتماعية، كرفضه لاقتراح قانون المساواة في الميراث بين الجنسين، لكنه في خطاباته لا يستند إلى مرجعيات دينية وعقائدية.

طمئن التونسيين مراراً منذ ترشحه على أنّه "لا رجوع عن المكتسبات في ما يتعلق بالحريات وحقوق المرأة"، معتبراً أنّ "الشعب التونسي خرج من القفص ولن يعود إليه أبداً".

وعد سعيّد التونسيين خلال المناظرة الأخيرة التي جمعته مع منافسه مرشح حزب "قلب تونس" نبيل القروي، أنّه سيحاسب جميع المسؤولين على أخطائهم بما فيهم نفسه.

بروز سعيّد كمرشح مستقل ساعده كثيراً على كسب شعبية استثنائية في الشارع التونسيّ. فالأزمات الاقتصادية التي عانى منها الشعب، خاصةً فئة الشباب التي خنقتها البطالة وارتفاع كلفة المعيشة، جعلتهم يتوجهون إلى انتخاب رئيس لا يشبه الطبقة السياسية الحاكمة منذ ثورة 2011، رئيس أقرب لهم، مستقل عن الأحزاب الحاكمة التي تتحمّل مسؤولية ما وصلت إليه تونس اقتصادياً اليوم.

وكانت فلسطين محوراً أساسياً في الحملة الانتخابية لقيس سعيّد. بالإضافة إلى كونه من بين قلائل المرشحين الذين ركزوا على القضية الفلسطينية، أكد سعيّد مراراً على أنّ تونس "في حالة حرب مع إسرائيل"، مشدداً على أنّه سيقترح قانوناً يُحاكم كل مطبّع مع العدو بالخيانة العظمى. 

تمنيه رفع العلم الفلسطيني إلى جانب العلم التونسي في احتفالات فوزه، وهتافات أنصاره "الشعب يريد تحرير فلسطين"، جعله يترك أثراً كبيراً لدى الشعبين التونسيّ والفلسطينيّ خاصة والشعوب العربية عامةً، التي ترفض التطبيع بكل أشكاله.

كما كان تركيز سعيّد على القضية الفلسطينية، محط اطمئنان لدى التونسيين، خاصة بعد الضجة التي أحدثتها زيارة سيّاح إسرائيليين إلى تونس خلال شهر حزيران/يونيو الماضي، وتخوّف الشارع من التطبيع.

من أبرز العلامات الفارقة التي شكلت شخصيته كمرشح للرئاسة لدى المواطن التونسي، هي تواضعه الشديد وانحداره من الطبقة الوسطى بحيث يسكن منزلاً في منطقة اجتماعية متوسطة، وبالإضافة إلى اعتماده على الشباب المتطوعين، كان مقر حملته الانتخابية مكتباً متواضعاً وسط العاصمة تونس.

التونسيون اختاروا في تصويتهم تواضع سعيّد وتقشفه في حملته الانتخابيّة، على ثراء نبيل القروي، صاحب قناة "نسمة" التلفزيونية، والشخصية المثيرة للجدل الذي يواجه تهماً بتبييض الأموال والتهرب الضريبي مما تسبّب في قضائه أغلب فترة حملته الانتخابية خلف القضبان.

ونشر سعيّد انشاد التونسيين المحتفلين بفوزه مساء أمس للأغنية الشعبية المغربيّة "في بلادي ظلموني" التي تتردد في الملاعب والمظاهرات العربيّة المطالبة بالحقوق وتحصيل الحريّات العامة، ليشارك العرب غضبهم من الوضع الصعب الذي وصلوا إليه خاصة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي. 

سعيّد أكد أكثر من مرّة أنّه "ليس لديّ أيّ أموال وحتى منزل والدي قمت ببعيه ولديّ قرض أدفعه من راتب تقاعدي"، ما جعله قريباً من التونسيين ومشاركاً إيّاهم همومهم الحياتية والمعيشية.

صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي حديثة لا يتعدى تاريخ انشائها عدة أشهر، لكن التفاعل عليها سرعان ما تزايد، خاصة مع تركيز سعيّد على شكر المصوّتين له، وتشجعيه خاصة للذين يعانون من مشاكل صحيّة أو جسديّة بممارسة حقهم في الانتخاب، بالإضافة إلى شكر المتطوعين في حملته وجمهوره بشكل متكرر.

وحصد شكره لزوجته على دعمها له خلال حملته اهتمام التونسيين. حيث أكد في منشور له تضمن صورة لها على أنّ "وراء كل رجل عظيم امراة حرة قادرة"، مضيفاً: "أريد لهذه الصورة أن تدور العالم، لكي نعلّم العالم أن في تونس نساء مجندات لحماية العلم".

من النقاط البارزة في شخصيّة سعيّد، كانت اتقانه اللغة العربية الفصحى بفصاحة. ففي الوقت الذي يستخدم فيه السياسيون التونسيون اللهجة العامية خلال خطاباتهم ومقابلاتهم، فضّل الرئيس الجديد لتونس استخدام اللغة الفصحى التي تميّز بها، وبتدعيم كل كلماته بأمثال وأقوال وقصص من التاريخ العربيّ.

واعتبر ناشطون تونسيّون أن اختيار سعيد كرئيس للجمهورية، سيعزز اللغة العربية في تونس وسيساعد على استبدال الفرنسية باعتبارها لغة الاستعمار، بالإنجليزية كلغة ثانية. كما استغل الناشطون العرب لغة سعيّد الفصحية للمقارنة مع الرؤساء العرب الذين لا يتحدثون العربية بطلاقة.

ويعتبر سعيّد اليوم بالنسبة للكثير من التونسيين باباً جديداً للتغيير ولتثبيت معالم نجاحات ثورة 2011، فبرأيه إنّ "العصفور الذي انطلق من القفص، جاء ليخبركم أنّه لن يعود إليه ولن يرضى بالفتات". 

اخترنا لك