"تعدد الجبهات" ..ما هي النسخة المعدّلة من حرب أكتوبر التي تخشاها "إسرائيل"؟
إنّ الوحدة بين سوريا ومصر وبعض الدول العربية في حرب أكتوبر كادت أن تصنع نصراً على الكيان الإسرائيلي في العام 1973، واليوم مع تعدّد الجبهات التي فرضتها المقاومة في مختلف الساحات فإنّ الكيان أقرب إلى هزيمة جديدة.
"اختنقت إسرائيل، بكلّ ما للكلمة من معنى"، كان هذا خلال حرب أكتوبر عام 1973، عندما اتّحد الجيشان العربيان السوري والمصري، وساندتهما دول أخرى. ووصل الكيان الإسرائيلي حينها إلى حافة استخدام السلاح النووي، بعد شعور المسؤولين بأنّ الحرب ستُنهي كيانهم. وقد أكّد الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، أنّ هذه الوحدة "كادت أن تَصنع نصراً تاريخياً حاسماً" (3 تشرين الأول/أكتوبر 2023).
حركات المقاومة تفرض تعدّد الجبهات
تعود مشاهد حرب أكتوبر اليوم إلى كيان الاحتلال، ضمن عنوانٍ أوسع هو الحرب متعدّدة الجبهات. مع التأكيد أنّ الكيان بعد 50 عاماً، يجد نفسه في مواجهة تنظيمات وحركات مقاومة من مختلف الساحات (فلسطين، لبنان، اليمن، والعراق) إلى جانب إيران وسوريا، على عكس حربه السابقة مع الدول.
هذه الحركات، التي اتحدت في الرؤية والأهداف مع مراكمة القدرات، فرضت واقعاً جديداً، أجبر الاحتلال على تغيير عقيدته العسكرية، تحت مزاعم "التكيّف"، للتعامل مع واقع تعدّد الجبهات.
نظر كيان الاحتلال إلى ما حدث خلال شهر رمضان الماضي (نيسان/أبريل 2023)، بالتزامن مع "عيد الفصح" اليهودي، كنموذج من تعدّد الجبهات، حين تمّ إطلاق عدد من الصواريخ من جنوب لبنان ومن سوريا وقطاع غزة، ونُفّذت، بالتزامن، عمليات في الضفة الغربية.
مخاطر أكبر من حرب أكتوبر
شملت الخطّة متعدّدة السنوات لرئيس أركان "جيش" الاحتلال هرتسي هاليفي، الذي تسلّم المنصب في تشرين الأوّل/أكتوبر 2022، أي في ذروة مؤشرات تعدّد الجبهات في المنطقة، صياغة استراتيجيات "بناء قوّة لحرب متعددة الجبهات".
كذلك، تحدّث الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، اللواء احتياط عاموس يادلين، ومعه الخبير في الاستراتيجية وتخطيط السياسات الإسرائيلية، العقيد في الاحتياط، أودي أبينثال، في تقرير لهما في موقع "غلوبس" الإسرائيلي، عن الأخطار التي قد تواجهها "إسرائيل" في السنة العبرية الجديدة الحالية.
ومن بين 5 سيناريوهات، فإنّ السيناريو الأخير يقوم على حرب شاملة. وهنا، ذكّر يادلين وأبينثال، بحرب "يوم الغفران" (حرب أكتوبر بالتسمية الإسرائيلية)، وحينها كانت "إسرائيل"، أمام "هجوم مشترك من الجنوب والشمال، ما شكّل لها تهديداً خطيراً". ولفتا إلى أنّ نجاح العملية المشتركة تمثّل بـ"إدراك مصر وسوريا الميزة العملياتية والاستراتيجية الواضحة للهجوم من عدة جبهات في الوقت نفسه، فنفّذتا ذلك بشكل غير متوقع".
رئيس أركان "جيش" الاحتلال هيرتسي هاليفي، أكّد أنّ أعداء كيان الاحتلال اليوم سيستفيدون من ميزة التهديد الذي يشكّله تعدّد الجبهات للكيان. ونبّه، في 11 أيلول/سبتمبر 2023، من الاحتمال المرتفع "أكثر من أيّ وقت مضى"، لوقوع مواجهة عسكرية متعددة الساحات وواسعة.
مؤخراً، قال قائد الفرقة الـ162 في "جيش" الاحتلال الإسرائيلي، العميد نداف لوتان، بأنّ تهديد الجبهات المتعدّدة بات ملموساً أكثر بالنسبة إلى "إسرائيل"، في لبنان وقطاع غزة والضفة الغربية والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، إضافة إلى ساحة سوريا، وتهديدات الصواريخ من مناطق أبعد، مثل العراق واليمن.
بينما، طرح اللواء احتياط في "جيش" الاحتلال إسحاق بريك، إشكالية، في أيار/مايو 2021 بعد معركة "سيف القدس" في قطاع غزّة، مفادها "إذا لم ننجح طوال 11 يوماً في إيقاف نار الصواريخ، كيف سنقوم بذلك مقابل حرب متعدّدة الجبهات ينضم إليها حزب الله؟".
يخشى كيان الاحتلال، ليس فقط مواجهة التنظيمات المقاوِمة في مختلف الساحات، إنّما أيضاً يأخذ التحركات الشعبية للفلسطينيين في الداخل المحتل بجديّة. استطاعت هذه التحركات خلال معركة سيف القدس أن ترجّح كفّة المعركة أكثر لصالح المقاومة الفلسطينية، خاصة وأنها جاءت مفاجئة وخارج التوقعات الإسرائيلية، بأنّ تتحرّك هذه الجبهة أيضاً، بالتزامن مع جبهتي قطاع غزّة والقدس.
في هذا الشأن، حذّر القائد العام لشرطة الاحتلال، يعقوب شبتاي، في السادس من حزيران/يونيو 2023، من "وضع كارثي" تُعاني منه القوة البشرية في أقسام الشرطة، مؤكّداً أنّها لن تحتمل حالة حربٍ متعددة الجبهات، تُضاف إليها "هبّة" من المحتمل أن تندلع في الأراضي المحتلة عام 48.
هل "إسرائيل" مستعدة؟
خصّص "جيش" الاحتلال مناوراته باسم "القبضة الساحقة"، في حزيران/يونيو 2023، لمحاكاة تدريب عملي تجريبي على القتال متعدّد الجبهات، براً وبحراً وجوّاً، وعبر الفضاء الإلكتروني.
وذكر موقع "واللاه" الإسرائيلي أنّ سيناريو هذه المناورات بيّن إصابة البنى التحتية للكهرباء والمياه، وهروب آلاف العمال من منشآت حيوية كالمستشفيات، وإنشاء قيادات في كل أنحاء "إسرائيل"، إضافةً إلى استخدام تكنولوجيا إنذار مبكر جديدة.
وقال محلّل الموقع للشؤون العسكرية، أمير بخبوط، إنّه "لا يمكن تصوّر سير الحرب وحجم الخسائر والأضرار ومدى صمود وتقبّل الجبهة الداخلية للرشقات الصاروخية من الاتجاهات كافة".
سابقاً في العام 2021، قدّم "معهد الأمن القومي الإسرائيلي"، سيناريو الحرب متعدّدة الجبهات في الشرق الأوسط. إذ يبدأ القصف على الكيان الإسرائيلي من العراق مع قدرة على اختراق المنظومة الاعتراضية الإسرائيلية.
وتصوّر السيناريو ضربات متتالية ومتزامنة، إذ أشار إلى سلسلة من عمليات إطلاق النار، تنفّذها إيران على ممشى "المارينا" في دبي، وفي مركز تجاري ضد "سيّاح إسرائيليين". أمّا حركة أنصار الله في اليمن، فتقصف منشآت تكرير النفط في مدينة جدة السعودية.
وبعدها يبدأ الاعتداء الإسرائيلي على سوريا ولبنان، وفق السيناريو المزعوم، فيرد حزب الله بدوره من خلال إطلاق الصواريخ نحو الشمال في المرحلة الأولى، مع احتمال أن ينتقل إلى استهداف حيفا.
يمكن اختصار مدى عمق الهاجس الإسرائيلي من تعدّد الجبهات في تسمية هذه الحرب بـ"سيناريو يوم القيامة". وإن كان حجم المشاكل في الصفوف العسكرية والأمنية للاحتلال أقل في حرب أكتوبر، فكيف ستكون تداعيات الحرب متعدّدة الجبهات اليوم، في ظل أكبر مشاكل الانقسام والتخلّف عن الخدمة في مختلف وحدات "الجيش" وتضرّر كفاءته؟