يقدسون الروابط الأسرية وأذلوا الاستعمار.. ما هي قبائل الزولو الأفريقية؟
قبائل "الزولو"، التي ظهرت خلال عشرينيات القرن الثامن عشر، بزعامة شاكا، انتهجت مهاجمة الشعوب المجاورة لها باستمرار لفرض قوتها وسيطرتها، واشتهر المنتسبون إليها بكونهم مقاتلين مدرّبين وملتزمين بالنظام والعرف العشائري.
عبر تاريخ مليء بالتحديات والانتصارات، وعادات اجتماعية صارمة، تأسست قبيلة الزولو في القرن الـ 18 تحت قيادة شاكا زولو، وبقيت حاضرة حتى يومنا هذا، كواحدة من أهم القبائل في الجنوب الأفريقي.
ويشير أبناء الزولو إلى أنفسهم على أنهم "شعب السماء"، وهم أكبر مجموعة عرقية في جنوب أفريقيا، حيث يقدّر عدد سكانها بنحو 10 ملايين يعيشون في منطقة كوازولو ناتال، ويتحدثون لغةً تسمى "isiZulu"، وهي لغة شعب الزولو الرسمية التي يجيدها أغلبية السكان.
وتعني كلمة الزولو "العائلة"، أي تشمل جميع الأشخاص الذين يقيمون في منزل واحد، ويكونون مرتبطين ببعضهم البعض، إما بالدم أو الزواج أو التبنّي.
ويعتبر تاريخ شعب الزولو مليئاً بالأحداث، فقد واجهت القبيلة صعوبات كبيرة بسبب تعرّضها للاستعمار والاستبداد، لكنها تمكّنت في النهاية من الحفاظ على استقلالها، واستقرارها الاجتماعي بناءً على نظام صارم، يعتمد على قيم البساطة والاحترام المتبادل.
"شاكا".. قوة التأسيس
بعد وفاة والده، لم يكن شاكا مرغوباً به في القبيلة، لكنه تحدى الرفض المحيط به، وعمل على تأسيس قبيلة قوية البنيان، تتمكّن من مواجهة المخاطر الخارجية والداخلية المحيطة بها، فأسس لأول مرة في تلك المنطقة جيشاً احترافياً منظّماً، واستبدل الرماح الخفيفة بسهام حادة ثقيلة، وزوّد جنوده بدروع ثقيلة، ودرّبهم على الأسلحة الجديدة.
وأدخل شاكا تكتيكات جديدة في القتال، فبدلاً من الهجوم الجماعي كان يقسّم جيشه إلى ما سماه "تكتيك الجاموس"، ما كان يتيح له الهجوم الفعّال مع محاصرة الفارين من جيش العدو، وكان يخيّر الناجين بين الموت أو الانضمام إلى قواته، شريطة التخلي عن ولائهم القبلي القديم، وخلال العام الأول فقط، تزايد عدد قواته – من قبيلة صغيرة لا يتجاوز عددها 350 شخصاً فقط – بمقدار 4 أضعاف.
تمكّن شاكا من توسيع مملكة الزولو حتى صارت أكبر إمبراطورية في جنوب أفريقيا، وامتدت مساحتها على مليوني ميل مربع (من مستعمرة الكيب جنوباً إلى تنزانيا الحديثة شمالاً)، وأصبح عدد سكانها ربع مليون نسمة، وقوام جيشها 40 ألف محارب، وراح ضحية حروب شاكا نحو مليوني شخص، حيث كان يستخدم سياسة "الأرض المحروقة" مع أعدائه.
وانتهت حكاية شاكا في أيلول/سبتمبر 1828، حيث نفّذ الأخوان غير الشقيقين له – دنجان وماهلنجانا – عملية قتله، ليتسلّم بعده دنجان مقاليد حكم القبيلة، لكنه لم يحقّق نجاحات شقيقه، ففشلت أغلب الحملات العسكرية التي قادها.
صراع الزولو مع الهولنديين
في عام 1837، كان الفلاحون الهولنديون الذين عرفوا باسم "البوير" (وهم أحفاد المستوطنين الهولنديين الأوائل الذين شكّلوا أول مستوطنة في جنوب أفريقيا عام 1652)، قد هربوا من مناطق السيطرة الإنكليزية، ودخلوا في عمق أراضي الزولو، محاولين تأسيس دولة هولندية خاصة بهم.
حاول زعيم البوير، بيت رتيف، التفاوض مع دنجان لمنحه جزءاً من الأرض للبوير، وقد خشي ملك الزولو من الرفض الصريح للطلب، فتظاهر دنجان بالموافقة، وأقام في الليلة التالية احتفالات في قصره دعا إليها بيتر رتيف وقادة البوير، وفيما كان الجميع منشغلين في الحفل، أطبق دنجان ورجاله عليهم، وجرى إعدامهم جميعاً.
وفي عام 1838، وقعت معركة "نهر الدم" بين قبيلة الزولو، والبوير، وهُزم جيش الزولو هزيمة ساحقة رغم تفوّقه في العدد على جيش المستوطنين الهولنديين، الذي كان أكثر تنظيماً، وانتهت بانتزاع البوير الأراضي التي أرادوها لدولتهم.
بعد ذلك بعامين فقط فقدَ دنجان عرشه لصالح شقيقه مباندي، قبل أن يقتله أحد رجاله، وقد تحالف مباندي مع الهولنديين، وحين حلّ البريطانيون محلهم حافظ على علاقات جيدة معهم كذلك، واستعاد معظم الأراضي التي كانت قد فقدتها مملكة الزولو لصالح البوير.
الإنكليز.. كرٌ وفر
بعد انتهاء الصراع مع الهولنديين، أرسلت الحكومة الإنكليزية أحد رجالاتها، وهو السير بارتل فرير إلى جنوب أفريقيا، بغرض تكوين اتحاد كونفدرالي يضم المستعمرات البريطانية، وأراضي البوير، وكل الدول السوداء المستقلة في تلك المنطقة، وتوصّل فرير إلى رأي حاسم: لا يمكن لبريطانيا إقامة تلك الكونفدرالية المنشودة من دون إخضاع مملكة الزولو القوية، بمحاربيها المنضبطين البالغ عددهم 40 ألف محترف.
ولم تكن الحكومة البريطانية في لندن راغبة في الحرب،لكن فكرة إخضاع الزولو كانت قد سيطرت على فرير تماماً، فقرّر التحرّك منفرداً، حيث قام بتوجيه إنذار للملك سيتشوايا ابن مباندي، الذي استلم الحكم بعد أبيه، دعاه فيها إلى مطالب تعجيزية، من بينها حل جيش الزولو تماماً، فكانت الحرب بين الطرفين حتمية.
وتحرّك اللورد تشيلمس فورد، على رأس جيش قوامه 5 آلاف جندي لدخول مملكة الزولو، وسارت الأمور في البداية بالسلاسة المتوقعة، فدخل الإنكليز إلى عمق أراضي المملكة، ثم ارتكبوا أكبر أخطائهم خلال المعركة، وهي سحب عدد من الجنود من معسكر في منطقة إيساندلوانا، التي نسب اسم المعركة إليها.
وبعد الانسحاب، وجد الإنكليز المتبقون في المعسكر أنفسم محاصرين من قبل آلاف الزولويين، الذين ارتكبوا فيهم "مذبحة" لا ينساها التاريخ الإنكليزي.
وأعاد البريطانيون الكرة، ونجحوا في هزيمة مملكة الزولو، وجرى تقسيمها إلى عدة مقاطعات صغيرة، والقبض على سيتشوايا وإرساله إلى كيب تاون، وكل المحاولات الخجولة لإعادة أمجاد إمبراطورية الزولو، كان مصيرها الفشل.
نضال ضد الفصل العنصري
"الأبارتايد" أو التمييز العنصري هو نظام الفصل العنصري الذي حكمت من خلاله الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا من عام 1948 وحتى تم إلغاء النظام بين الأعوام 1990 - 1993، وهدف نظام الأبارتايد إلى خلق إطار قانوني يحافظ على الهيمنة الاقتصادية والسياسية للأقلية ذات الأصول الأوروبية.
وقامت قوانين الأبارتايد بتقسيم الأفراد إلى مجموعات عرقية - كانت أهمها: السود، البيض، الملوّنون، والآسيويون (هنود وباكستانيون) تم الفصل بينهم.
وبحسب قوانين الأبارتايد اعتُبر أفراد الأغلبية السوداء مواطنو بانتوستانات ذوي سيادة إسمية، لكنها كانت في الواقع أشبه بمحميات الهنود الحمر في الولايات المتحدة الأميركية.
وعملياً، منع هذا الإجراء الأفراد غير البيض - حتى لو أقاموا في جنوب أفريقيا البيضاء - من أن يكون لهم حق الاقتراع، إذ تمّ حصر تلك الحقوق في "أوطانهم" البعيدة، تمّ فصل أجهزة التعليم،الصحة، والخدمات المختلفة، وكانت الأجهزة المخصصة للسود أسوأ وضعاً بشكل عام.
وخاضت "الزولو" صراعاً منظّماً وطويلاً ضد سياسة الفصل العنصري التي ارتكب فيها البيض مجازر مروّعة، ومع نهاية تلك السياسة العنصرية في بداية التسعينيات كان الزولو قوة سياسية مخضرمة لا يستهان بها، ممثّلة في حزب الحرية أو "أنكاثا"، وجعلوا شعار الحزب الفيلة.
عادات اجتماعية
يمتاز مجتمع الزولو ببنية هرمية تسمح لكل مجموعة ضيقة أو أسرة كبيرة باختيار زعيمها الخاص والمحلي، ويتيح هذا التنظيم وجود عدد كبير من الأمراء والسلاطين الصغار الذين يتبعون الملك العام للزولو.
ويمتاز الزولو بمجموعة من العادات الغريبة في مختلف طقوس الحياة، خاصة الملابس التقليدية التي تتشكّل من تنانير قصيرة معدة من جلود النمور أو الثيران، ويمتاز زي الرجل أيضاً بعنصر مهم وهو الرمح المسنن، أو السهام التي براها من أشجار مختارة لهذا الغرض، ويقوم مجتمع الزولو على مجموعة من التقاليد تتضمن احترام الأكبر، وتقدير الزعماء والخضوع لسلطة السحرة والحكماء.
ويتولى الرجال رعاية المواشي التي تُعفى المرأة من خدمتها، لكنها تقوم بأعمال الزراعة ومهام الطبخ وسائر أعمال البيت.
وتشتهر قبائل الزولو بصنع الفخار، وتعمل النساء والأطفال على نسج الحصير للاستخدام اليومي، كما يصنعون السلال للأغراض المنزلية، بينما الرجال والأولاد فيقومون بنحت أشياء منزلية مختلفة، وزخارف من الخشب والعظام.
وفي الزواج، يكون المهر غالباً بين 11 و24 بقرة فأكثر، بحسب الظروف والقدرة المادية للعريس، ويشيع تعدّد الزوجات، وقد يتزوج الرجل الواحد في القبيلة من عشرات النساء.
ويمثّل الرقص عنصراً أساسياً في حياة الزولو، وبإيقاع فريد يقفز الجميع إلى الأعلى ويركّزون رماحهم أو عصيهم الطويلة في الأرض، ويأتي الرقص عندهم تعبيراً عن الفرح والحزن، أو استعداداً للحرب والسلم، أو احتفاء بالعريس، أو توديعاً للميت.
أما السحر عند الزولو، فهو شيء مباح ومقدّس، إذ تعتبر الساحرة طبیبة القبیلة، وتسمى "أيسانغوما"، وتتمتع بقدر كبیر من الاحترام، ولھا لباس ممیز، وتتقلّد بعِقدٍ من الخشب.
كما تعتبر "الأرواح" وارتباطها بالأجداد مهمة في الحياة الدينية لقبائل الزولو، إذ يتم تقديم القرابين والتضحيات للأجداد للحماية والصحة الجيدة والسعادة، ويعتقدون أن أرواح الأسلاف تعود إلى العالم في شكل أحلام وأمراض، وأحياناً ثعابين.
ويتنوّع فولكلور قبائل الزولو فيما بين رواية القصص وقصائد المديح والأمثال، وكل هذا يفسّر تاريخ الزولو وتعليم الدروس الأخلاقية، وأصبحت قصائد الثناء التي تدور حول الملوك والمتفوّقين في الحياة جزءاً من الثقافة الشعبية.
وينتمي إلى الزولو عدد كبير من الشخصيات المهمة، من بينها رئيس جنوب أفريقيا السابق جاكوب زوما، ومفوضة الاتحاد الأفريقي السابقة، كما يعد حزب الحرية إنكاتا الصوت السياسي لهذه القبائل في أفريقيا.