هيئة الأمر بالمعروف السعودية "بلا عمل".. هل يتم حلها قريباً؟

أفراد سابقون من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية يعبرون عن امتعاضهم من تهميش دور الهيئة في المجتمع السعودي، ويعتبرون أن سياسة الانفتاح التي يشهدها الشارع السعودي هي مقدمة لحل الهيئة بشكل كامل.

  • هيئة الأمر بالمعروف السعودية
    الانفتاح السعودي يهمش هيئة الأمر بالمعروف

حظيت "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" بمكانة هامة في الشارع السعودي على مدى سنوات طويلة، وتشهد اليوم تراجعاً في تواجدها بالشارع ذاته، وترافق هذا الخفوت مع انفتاح ملحوظ في معظم المجالات الحياتية في السعودية.

ووصف أفراد لطالما عملوا في هذه الهيئة سابقاً، أن ما يحدث في السعودية هو تهميش واضح لها، حيث "بات وجودها شكلياً فقط"، حسب تعبيرهم.

كل الممنوعات أصبحت مباحة

تحدث مدّرس سعودي عمل سابقاً في الهيئة السعودية، عن أسباب دفعته إلى ترك هذا الالتزام، قائلاً أن الهيئة أصبحت "مهمشة للغاية" خلال السنوات الأخيرة.

وقال فيصل، وهو اسم مستعار، (37 عاماً) الذي استقال قبل أشهر من الهيئة، لوكالة فرانس برس "تم انتزاع كافة صلاحيتنا، ولم يعد لنا دور واضح على الإطلاق"، مضيفاً أنّ "كل الممنوعات والمحظورات التي لطالما عمل على تطبيقها خلال مسيرته في الهيئة أصبحت مباحة"، لذا وجد أنّه من الأفضل اليوم، تقديم الاستقالة.

وعقّب ساخراً: "في الماضي كانت هناك هيئة واحدة معروفة في السعودية وهي هيئة الأمر بالمعروف، اليوم أهم هيئة هي هيئة الترفيه"، في إشارة إلى هيئة الترفية التي استحدثتها السعودية في أيار/مايو 2016، والمنوط بها إدارة وتنظيم فعاليات ترفيهية متنوعة تشهد إقبالاً كبيراً في السعودية.

وجود الهيئة "شكلي"

أما تركي، وهو اسم مستعار أيضاً لعضو سابق في الهيئة، قال إنّ "وجود الهيئة بات شكلياً تماماً"، وأضاف أنّه "لم يعد من المسموح لأعضاء الهيئة التدخل وتغيير أي سلوكيات كانت تعتبر غير لائقة في السابق".

لافتاً إلى أن استمرارية العمل عند البعض رغم رفضهم لما تنتهجه الهيئة حالياً من آلية عمل، هو من أجل "الراتب فقط".

ومع التغييرات الجارية في الشارع السعودي تقلصت مهام العاملين في الهيئة إلى إطلاق حملات للتوعية بالأخلاق، ومواجهة الوباء، والتحذير من مثيري الفتن، من على الشاشات الرقمية واللوحات الإعلانية في الشوارع ومنصات التواصل الاجتماعي.

ويقضي عدد كبير من عناصرها حالياً غالبية وقتهم في مكاتبهم دون الاحتكاك بالناس بالشوارع، ما يثير إحباط الأكثر تشدداً منهم، حسب مصادر مطلعة على أنشطة الهيئة.

بدوره قال مسؤول سعودي طلب عدم ذكر اسمه لوكالة "فرانس برس" إن "الهيئة باتت معزولة "، مشيراً إلى "تقليص كبير لعدد عناصرها خصوصاً من غير المؤهلين للدعوة".

فخ الهيئة.. ملاحقة الأخطاء الفردية

وقال أحمد بن قاسم الغامدي، وهو مسؤول كبير سابق بالهيئة أطيح من منصبه في 2015 بسبب آرائه التقدمية، أنّ "أعظم أخطاء الهيئة أنها كانت تتّبع الأخطاء الفردية للناس"، وهو ما قال إنه "تسبّب بأثر عكسي وسلبي" على صورتها.

وفي السياق تحدثت شابة سعودية أن الهيئة كانت تلاحق الأخطاء الصغرى لدى السعوديين، وتراقب تصرفاتهم اليومية، ساخرةً من "الخيزرانة" التي كان يلوح بها أفراد الهيئة للمدخنين في الشوارع السعودية.

وعلقت الشابة أنها لم تفكر قط من قبل بالتدخين مع زميلاتها في شوارع الرياض، خوفاً من ضربها بالعصي، مشيرةً إلى تعرضها لمضايقات من رجال الهيئة بسبب ملابسها الملونة، وخروجها دون غطاء رأس.

تغييرات جذرية.. "لا ضرورة لإزالة المنكر"

أقر رئيس هيئة الأمر بالمعروف عبد الرحمن السند في مقابلة في تشرين الأول/أكتوبر الفائت مع محطة "الإخبارية" التلفزيونية الحكومية بـارتكاب الهيئة سابقاً عدة مخالفات.

وأرجع السند، وهو أستاذ جامعي، ذلك إلى أنّ أعضاء الهيئة كانوا يمارسون "مسائل أمنية من دون أي مرجعية أو خلفية أو تأهيل مسبّق"، قائلاً إن "شريعة المسلمين لا تنص على أن النهي عن المنكر يعني بالضرورة إزالة المنكر"، وهو ما يعد تغييراً كبيراً في فكر الهيئة في الماضي.

من جانبه، أقر الكاتب السعودي سعود الكاتب بحدوث "تغيير كبير وجذري" في عمل الهيئة التي قال إنّ "دورها لا بدّ أن يكون محدوداً ولا يتجاوز دور الهيئات الرقابية الرسمية".

هل تتجه السعودية نحو حل الهيئة؟

استبعد الأستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس ستيفان لاكروا أن تتجه السعودية لحلّ الهيئة، قائلاً إنها "تظل علامة على هوية سعودية يرتبط بها العديد من السعوديين المحافظين".

ولفت لاكروا أنّه بدلاً من حل الهيئة قد تتجه السعودية نحو الاستمرارية في إعادة توظيف دورها بما يتناسب مع الانفتاح الحالي في الشارع السعودي.

ولسنوات، حظيت الهيئة التي كانت بمثابة شرطة دينية، بنفوذ وهيبة كبيرة في الشارع السعودي حيث كان عناصرها يراقبون عن كثب تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية، قبل تجريدهم عملياً من صلاحياتهم في 2016.

وكانت للهيئة التي أسست عام 1940 في السابق صلاحيات كبيرة، من بينها التأكد من تطبيق الناس لقواعد الآداب العامة ومنع الاختلاط، الأمر الذي كان يشمل الحقّ بطلب وثائقهم الشخصية ومطاردتهم وتوقيفهم.

وأيضاً كانت سيارات الهيئة تطوف في الشوارع، ويتأكد أفرادها من التزام النساء بارتداء العباءة السوداء حصراً، ويلاحقون روّاد المقاهي والمراكز التجارية ويجبرون المحلات على الإغلاق وقت الصلاة، وتدريجياً، اختفى رجالها من الشوارع.

وبدأ دورها بالأفول بدءاً من عام 2017، بعد أن أقر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سياسة انفتاح كانت مفاجئة بالنسبة لمجتمع كالمجتمع السعودي، الذي لطالما فاقت محظوراته المسموح، حيث بدأت الحفلات الموسيقية المختلطة من كلا الجنسين تأخذ حيزاً واسعاً من الجانب الترفيهي في السعودي، وسمح للنساء بقيادة السيارات، والخروج وحدهن، والاختلاط بالرجال في المقاهي والشوارع وأماكن العمل.

وحتى الآن، يشهد هذا الانفتاح معارضةً من قبل المتشددين دينياً في السعودية، بينما يصفق له جملة من الذين شعروا بانفكاك القيد الذي لطالما التف حول أعناقهم، لكن المفاجئ هو المشهد الذي يراه العالم من داخل السعودية، فالبعض يصفه "تمادياً في الانفتاح"، خاصةً أنه جاء على حين غرة، وليس تدريجياً.

اخترنا لك