نازحون من دونباس تحت وابل القصف الأوكراني

أكثر من 60 ألف نازح يصلون الأراضي الروسية قادمين من إقليم دونباس، فالقصف الأوكراني الذي اخترق اتفاقيات وقف إطلاق النار السابقة بات يستهدف مناطق مأهولة بالسكان، ولربما وجد سكان دونتيسك ولوغانسك في روسيا آملاً بالنجاة.

  • نازحو دونباس.. عودة إلى الهوية الروسية تحت القصف الأوكراني
    نازحون من دونباس يصلون روسيا عبر القطارات

بينما يزعم الغرب وحلفه "الناتو" الداعم لأوكرانيا، في تصريحات متعاقبة أن روسيا تُحضّر لهجوم عسكري على الأراضي الأوكرانية "في أي وقت"، وفق الادعاءات التي تنفيها موسكو، خرجت الشرارة الأولى للحرب من الجانب الأوكراني الذي أقدم على قصف إقليم دونباس، وجمهوريتيه لوغانسك ودونتيسك المعلنتان من طرف واحد.

احتقان تشهده العلاقات بين روسيا وأوكرانيا في الفترة الأخيرة، فالأولى لا نية لديها لافتعال حرب، والثانية تصر على دعم وجهة النظر الغربية بأن حشد القوات الروسية على الحدود ما هو إلا تمهيد للهجوم على أراضيها. هذا الإصرار وصفه المسؤولون الروس بـ"الاستفزاز"، الذي بقي مستمراً رغم التصريحات الروسية الرسمية ألا نيّة أبداً لدى روسيا بالهجوم المزعوم.

حركة نزوح قابلها احتضان روسي

أمام هذا التصعيد الأوكراني في دونباس والقصف العشوائي لمناطق مأهولة بالسكان، شهدت المنطقة حركة نزوح لافتة نحو الأراضي الروسية، وبحسب الأرقام الأخيرة، أعلن القائم بأعمال وزير الطوارئ الروسي، ألكسندر تشوبريان، أن نحو 61 ألف لاجئ من جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك المعلنتين من جانب واحد، قد عبروا الحدود إلى روسيا.

وقال تشوبريان إنه "وفقاً لنتائج العمل خلال الليل، ارتفع عدد الأشخاص الذين وصلوا من المنطقتين المجاورتين في أوكرانيا إلى 61 ألف شخص"، وأشار إلى أنّ "9 قطارات محملة باللاجئين غادرت إلى مناطق أخرى من الاتحاد الروسي خلال اليوم الماضي".

وكان تشوبريان كشف أمس الأحد أنّ أكثر من 40 ألف لاجئ من دونباس وصلوا بالفعل إلى روسيا، في وقت أعلنت فيه وزارة الطوارئ الروسية أمس تجهيز 250 نقطة إقامة مؤقتة، بقدرة استيعابية تصل لأكثر من 28 ألف شخص، لاستقبال اللاجئين من دونباس.

وأعلن عدد من الأقاليم الروسية الاستعداد لاستقبال اللاجئين من مناطق دونباس بشرق أوكرانيا على إثر إعلان دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين إجلاء المدنيين من أراضيها وسط التصعيد العسكري، ومع وصول الحافلات الأولى إلى مقاطعة روستوف الروسية، المتاخمة لدونباس، أعلن مسؤول في حكومة المقاطعة، أن السلطات المحلية قررت إعلان "حالة التأهب" لاستقبال اللاجئين.

كما أعلنت مقاطعة تشيليابينسك عن استعدادها لاستقبال نحو 600 شخص، وأكدت كذلك مقاطعات بينزا وكالوغا وأرخانغيلسك ومورمانسك استعدادها لاستقبال اللاجئين، كما صرح منسق لجنة التكامل "روسيا – دونباس" في القرم الروسية أندريه كوزينكو عن إمكانية استقبال اللاجئين في حال الضرورة.

تأتي حركة الهجرة بعد تصريحات لرئيس جمهورية دونيتسك المعلنة، دينيس بوشيلين، الذي أشار إلى أن قوات الحكومة الأوكرانية تستمر على مدى الأشهر الأخيرة في حشد قوات وأسلحة على طول خط التماس في دونباس، منها راجمات صواريخ ومنظومات أمريكية الصنع من طراز "ستينغر" و"جافلن"، معلناً أن "الناس يموتون".

وأشار بوشيلين إلى أن قوات جمهورية دونيتسك على أهبة الاستعداد القتالي، مبدياً قناعته بقدرتها على حماية المدنيين والبنى التحتية في الجمهورية، وفي الوقت نفسه، أقر رئيس جمهورية دونيتسك بأن القصف الأوكراني سيشكل خطراً على حياة وصحة المواطنين، مضيفاً: "اعتباراً من يوم 18 شباط/فبراير تم تنظيم عملية جماعية ومنسقة لانسحاب المواطنين إلى روسيا".

وكان قد أعلن رئيسا دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، دينيس بوشيلين وليونيد باسيتشنيك، يوم السبت، بدء التعبئة العامة في أراضي الجمهوريتين، وقالت مساعدة رئيس جمهورية دونيتسك، فكتوريا تالانكينا، في مكالمة هاتفية مع موفد الميادين إلى القرم، إنّ الرئيس بوشيلين وقّع مرسوماً رئاسياً دعا فيه المواطنين الذين يشكلون الاحتياط العسكري في الجمهورية إلى التوجه إلى دوائر التجنيد العسكرية.

لماذا ينزح سكان دونباس إلى روسيا؟

لعل السبب الأبرز في نزوح سكان الإقليم نحو الأراضي الروسية يرجع إلى الجذور التاريخية التي تربطهم بروسيا، فغالبية سكان دونباس هم من الروس الذين اختاروا قديماً هذا الإقليم بغرض العمل، وعاشوا فيه حتى امتزجوا بفئاته وأصبحوا جزءاً أصلياً منه.

وتكمن أهمية الإقليم في كونه صناعي، ويعتبر ثروة حقيقية إذا ما تعلق الأمر بصناعة الفحم، ولأن غالبية سكانه من الروس، فهم يتكلمون اللغة الروسية، ويتعاملون مالياً بالروبل الروسي، كما حصل نحو 700  ألف من سكانه خلال السنوات الأخيرة على الجنسية الروسية.

في وقت صوّت مجلس الدوما الروسي مؤخراً، لصالح مشروع قرار الاعتراف بجمهوريتي لوغانسك ودانيتسك، واستقلال دونباس. ووفق رئيس المجلس فياتشيسلاف فولودين، فإنّ إرسال هذا القرار إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك المعلنتين من جانب واحد قد تمّ في حينها.

وحول ذلك، أشار رئيس مركز الحوار الروسي العربي، مسلم شعيتو، للميادين، إلى احتمال إجراء استفتاءٍ في لوغانسك ودانيتسك للإقرار بالانضمام إلى روسيا، قائلاً إنّ "مسألة الاستفتاء في تلك المنطقة محسومة لصالح روسيا، لغالبية السكان الذين يتحدثون الروسية وأيضاً يمتلكون الجنسية الروسية، وهي خطوة تحتاج فقط إلى الحركة السياسية لكسب الشرعية الدولية". 

وأردف أنّ "هذه المنطقة غنية بالموارد الاقتصادية، خصوصاً مناجم الفحم التي تشتري منها أوكرانيا إلى الآن لتشغيل مصانعها ومحطاتها الكهربائية". 

دونيتسك ولوغانسك

يقع إقليم دونباس بين روسيا وأوكرانيا، ويتألف الإقليم من جمهوريتين شعبيتين هما دونتيسك التي تبلغ مساحتها نحو 26.5 ألف كيلومتر مربع، وهي مقسمة إلى 18 منطقة وتضم 52 مدينة و131 بلدة، ويبلغ عدد سكانها الإجمالي نحو 4.3 ملايين نسمة.

ولوغانسك، التي تبلغ مساحتها نحو 26.6 ألف كيلومتر مربع، وهي مقسمة إلى 18 منطقة إدارية وتضم 37 مدينة، و109 بلدات، كما يبلغ عدد سكانها الإجمالي نحو 2.2 مليون نسمة وفق إحصاء عام 2014.

أعلنت جمهوريتا "دونيتسك الشعبية" و"لوغانسك الشعبية" في 12 أيّار/مايو 2014 استقلالهما، وذلك بعد أن صوّت معظم سكان مقاطعتي لوغانسك ودونيتسك في استفتاء عام لصالح الانفصال عن أوكرانيا.

وبدأ الشرخ يتسع بسرعة بين كييف من جهة ودونيتسك ولوغانسك وعدد من المناطق الأخرى في شرق أوكرانيا، من جهة أخرى، عقب انقلاب في كييف في شباط/فبراير 2014، أطاح بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش، المنحدر من دونيتسك، وأدّى إلى وصول قوى اليمين القومي المتطرفة التي تتمركز قاعدتها الحاضنة في غرب البلاد، إلى السلطة. 

رفض سكان الشرق الناطقين بغالبيتهم باللغة الروسية والمؤيدين للعلاقات الجيدة مع روسيا، الاعتراف بالسلطة الجديدة في كييف التي تصاعدت في داخلها الأصوات الداعية لحظر استخدام اللغة الروسية.

وعمّت موجةُ احتجاجاتٍ مناهضة لسلطات كييف، ومطالبةً بإقامة نظام فيدرالي في البلاد، في مناطق جنوب شرق أوكرانيا، خاصة دونيتسك ولوغانسك، حيث تمكّن المحتجون في نيسان/أبريل 2014 من السيطرة على مقرات إدارية ومؤسسات حكومية، ليُعلنوا بعد ذلك تأسيس جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين.

وفي 5 أيلول/سبتمبر 2014، وقّعت أوكرانيا وروسيا وكل من دانيتسك ولوغانسك اتفاقية لوقف إطلاق النار، سميت "بروتوكول مينسك"، لكن وقف إطلاق النار انتُهك مراراً من قبل الجانبين، قبل أن ينهار تماماً في كانون الثاني/يناير 2015، ثم وافقت الأطراف المعنية على وقف إطلاق نار جديد، سمي "مينسك 2"، في 12 شباط/فبراير 2015. 

ونصت اتفاقية "مينسك" التي مثلت حلاً للنزاع آنذاك، على التنفيذ الصارم للوقف الفوري والشامل لإطلاق النار في مناطق معينة من منطقتي دونيتسك ولوغانسك ابتداء من في 15 من شباط/ فبراير عام 2015، وقيام كلا الجانبين بسحب جميع الأسلحة الثقيلة على مسافات متساوية من بعضهم البعض من أجل إنشاء منطقة آمنة. وبدء الحوار في اليوم الأول بعد الانسحاب بشأن طرق إجراء الانتخابات المحلية وفقاً للتشريعات الأوكرانية.

لكن وقبل أيام، أعلنت الشرطة الشعبية في جمهورية لوغانسك المعلنة من جانب واحد أن القوات الأوكرانية تستخدم على نحو نشط أسلحة محظورة بموجب اتفاقات "مينسك"، وقال المتحدث باسم الشرطة الشعبية في لوغانسك، إيفان فيليبونينكو، إن "العسكريين الأوكرانيين يستخدمون بنشاط أسلحة محظورة بموجب اتفاقات مينسك"، مشيراً إلى أن "الوضع على خطوط التماس في لوغانسك ما زال محتدماً"، كما أحصت ممثلية دونيتسك الشعبية في المركز المشترك للرقابة والتنسيق سقوط قرابة الـ200 قذيفة من مختلف العيارات خلال يوم واحد.

وتدفع سلطات كييف، منذ فترةٍ، بقوات إضافية ومعدات عسكرية ثقيلة إلى خط التماس الفاصل بين قواتها المسلحة والقوات التابعة لجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، الأمر الذي يرفع حدّة التوتر القائم في منطقة دونباس، ووصف الكرملين الحشد الأوكراني قرب الإقليم بأنّه "خطيرٌ جداً".

اخترنا لك