ميلوني تُعيد التموضع بالحضن الأطلسي.. وتلتزم مساعدة أوكرانيا
إضافة الى حفاظها على علاقاتها الأطلسية، تجهد حكومة ميلوني في تنويع شراكاتها الخارجية، فضلاً عن تحسين الجوانب الدفاعية والإستراتيجية للتعاون مع دول أخرى خارج الاتحاد الأوروبي.
مع تولي جورجيا ميلوني زعيمة اليمين المتطرف، رئاسة الحكومة الإيطالية، في أعقاب فوز حزبها "إخوة إيطاليا" في الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في 25 أيلول/سبتمبر الماضي، برز عدد من الأحاديث والتكهنات والتحليلات، عن تحول وزلزال سياسي كبير، لم يضرب روما وحسب، بل أوروبا كلها، وتبعاً لذلك دبّ الخوف والهلع في أوساط الغرب والاتحاد الأوروبي من أن تعمد هذه الشخصية اليمينة إلى السباحة عكس التيار وتكرّر تجربة "المجر" إذ كان المشرّعون في الاتحاد الأوروبي، قد تبنوا في أيلول/سبتمبر الماضي تقريراً يؤكد أن الحكومة المجرية تقوض قيم الاتحاد الأوروبي، وقد أصبحت "نظاماً هجيناً من الاستبداد الانتخابي".
لكن المفاجأة أن ميلوني، خالفت التوقعات والرهانات، وسارعت إلى الارتماء في أحضان الاطلسي والتزام السياسات والإستراتيجية التي يتبعها ضد موسكو، والانضواء تالياً تحت المظلة الأميركية.
التزام السياسات الغربية الأطلسية
تأكيداً لهذا التوجه، اختارت رئيسة مجلس الوزراء الإيطالية في أول زيارة خارجية لها، السفر إلى بروكسل، حيث التقت أعضاء من المستويات العليا في الاتحاد الأوروبي. كما رحّبت بالأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ في روما، وشدّدت على التزام إيطاليا المستمر تجاه الحلف.
فضلاً عن ذلك، استغلت ميلوني حضورها قمة مجموعة العشرين، G20 في جزيرة بالي الإندونيسية منتصف الشهر الفائت، وحرصت على عقد لقاءات ترسّخ تموضعها هذا، وذلك من خلال لقائها الرئيسين الأميركي جو بايدن، والتركي رجب طيب إردوغان، فيما أتى اجتماعها بالرئيس الصيني شي جين بينغ، في صيغة ربما تمهّد لتعزيز التعاون مستقبلاً.
ما يجدر التوقف عنده، أن القصد من هذا التسلسل الزمني والإشارات السياسية لأجندة السفر هذه، وهو إرسال رسائل تطمين لدحض التكهنات حول "المجرية" المحتملة للسياسة الخارجية الإيطالية، التي كانت مقلقة لشركاء روما في الناتو والاتحاد الأوروبي، بمعنى أن البلاد لن تجري أي تحول في علاقاتها ولن تبدّل تحالفاتها مع الغرب، ولن تكون معزولة عن محيطها وبيئتها الأوروبية كما رجّح كثيرون، مع إبقاء باب المساعدة لأوكرانيا مفتوحاً
التوجهات الخارجية والدفاعية
في الواقع بالتوازي مع جهود ميلوني الدبلوماسية العامة، أصدرت الحكومة الجديدة قرارات تشير إلى نهج روما الشامل في السياسة الخارجية والدفاعية والأمنية، وهو في الحقيقة، استمرارية كبيرة لنهج الحكومة السابقة، لا بل أضافت إليها عدداً من المساعي الجديدة، خصوصاً ما يتعلق منها بالوقوف إلى جانب أوكرانيا وتقديم جميع أنواع المساعدة لها.
من هنا، وبعد نقاش برلماني صاخب، وافقت الحكومة الإيطالية، في الأول من كانون الأول/ديسمبر الجاري، على إقرار مرسوم يسمح للبلاد بتقديم مساعدات عسكرية – على سبيل الاستثناء – إلى أوكرانيا، من دون إخضاعها لتصويت برلماني آخر، حتى نهاية عام 2023.
الأكثر أهمية، أن هذه السياسة، تشكّل امتداداً لمرسوم الحكومة السابقة الصادر في 25 شباط/فبراير الماضي -كان جرى تعديله على نحو مختلف على مدار العام- والذي صدر في الأصل للرد بسرعة على العملية الروسية ضد أوكرانيا، مع الإشارة إلى أنه من دون التمديد، كان سينتهي مفعول هذا المرسوم في نهاية هذا العام الحالي.
من جهة أخرى، فإن لهذا التمديد معنى سياسياً أكثر بكثير من محتواه التقني. فمن الواضح أنه جرى دفعه بانتظام من قبل حزب ميلوني، والأهم أنه حظي بدعم بقية الأغلبية الحاكمة. ومع ذلك، فإن المعارضة، المكونة جزئياً من "حركة خمس نجوم" لرئيس مجلس الوزراء السابق جوزيبي كونتي، والتحالف الصغير "للخضر"، فضلاً عن أحزاب اليسار يعارضون هذا الإجراء بشدة.
وعليه، فإن الحقيقة الراسخة والمتعددة المعاني، هي أن إيطاليا لا تزال تقدم أجزاء من حزمة المساعدات الخامسة والأخيرة، التي جرت الموافقة عليها في تشريع 25 شباط/فبراير.
واللافت أن محتوى هذه الحزمة، كما هي الحال بالنسبة إلى جميع "مراسيم المساعدات الأوكرانية" الأخرى، وكأمر نادر بين جميع الشركاء الأمنيين الأوروبيين الآخرين، يجري الحفاظ على سريته بسبب الحاجة إلى تقييد وصول روسيا إلى هذه المعلومات المهمة (بحسب سياسيين إيطاليين)، على الرغم من إمكانية معرفة ما قدمته إيطاليا إلى أوكرانيا من مصادر مفتوحة، كما هي الحال، حين كشفت الصحافة عن بعض الأجزاء.
بموازة ذلك، واقفت إيطاليا، في الأول من كانون الأول الجاري أيضاً، على مرسوم لتمديد مشاركة الأفراد العسكريين الإيطاليين في قوة المهام المشتركة عالية الاستعداد التابعة للناتو. ليس هذا فحسب، إذ أعرب وزير الدفاع الإيطالي جويدو كروسيتو في مقابلة مع الصحافة الإيطالية، عن رغبة هذه الحكومة في متابعة نسبة 2%، من إجمالي الناتج المحلي المخصصة للإنفاق العسكري كما يطلب حلف الأطلسي.
موقف الجمهور الإيطالي من نهج ميلوني
بعيداً من دور إيطاليا في الناتو، يُظهر التصويت الأخير على مساعدة أوكرانيا، حتى الآن، أن ميزان القوى الحالي في البرلمان الإيطالي للعلاقات الإيطالية الروسية، لا يسمح بالتأثير المباشر في صنع القرار الحكومي.
غير أن المثير في الأمر، أنّ لروسيا تأثيراً كبيراً في أوساط الجماهير داخل إيطاليا، فضلاً عن وجود عدد كبير من الناشطين الروس في "المناطق الرمادية" في المجتمع والتجارة.
ولهذه الغاية، يطالب عدد من الخبراء والسياسيين الإيطاليين الموالين المتحمسين للأطلسي، بضرورة إجراء إصلاح لأجهزة الاستخبارات الإيطالية ـــ لدفع ما يسمّونه "التهديدات الروسية" -هو لم يجرِ تغييره إلى حد كبير منذ الإصلاحات الأخيرة عام 2007. أما سبب هذه المطالبة، فهو إظهار ولاء إيطاليا الأوروبي، إذ غالباً ما توصف روما بأنها خط المواجهة في الحرب الباردة بين الشرق والغرب، وينظر إليها من بعض دول الاتحاد كعش للتجسّس الروسي.
موقع إيطاليا داخل الاتحاد الأوروبي
في الواقع، صحيح أن روما سخّرت تموضعها في المعسكر الأطلسي، لكنها تسعى لزيادة فعالية أدوارها (وإيجاد مساحة فريدة وخاصة في إدارة سياستها الخارجية الأوروبية منها خصوصاً) ولهذا تُظهر إيطاليا اهتماماً متجدداً ببعض الشركاء المهمين، وإن كانوا مهملين جداً حتى الآن: قد تكون البلقان خير مثال.
ما ينبغي معرفته، أنه نظراً إلى تاريخ وجود إيطاليا في المنطقة، كانت دول البلقان تنتظر (حتى الآن) عبثاً، أن تؤدي روما دوراً مركزياً في تسهيل علاقات المنطقة بالاتحاد الأوروبي، خصوصاً فيما يتعلق بعملية الانضمام إليه، وكوسيط لحل نزاعاتهم الخاصة.
ففي أواخر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، في أعقاب فشل صربيا وكوسوفو في التوصل إلى اتفاق بخصوص النزاع المستمر في شأن "لوحات ترخيص السيارات" - مع استعداد الناتو للتدخل في حال تأزم الأمور أكثر- قام كروسيتو ووزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني بزيارة كلا البلدين على أمل التوسط في حوار بنّاء بين الجانبين.
المفاجأة، أنه في الليلة نفسها، جرى التوقيع على اتفاق في نهاية المطاف بين بلغراد وبريشتينا أنهى الخلاف القائم.
وانطلاقاً من هذه النقطة، نجحت إيطاليا في تحقيق ما لم يستطع الاتحاد الأوروبي ككل تحقيقه مع صربيا وكوسوفو. وهذا يعود إلى أن روما كانت قادرة وراغبة في الاستفادة من علاقاتها الخاصة بالمنطقة، واستفادت منها لمصلحة المجتمع الأوروبي كله.
في الحصيلة، إضافة إلى حفاظها على علاقاتها الأطلسية، تجهد حكومة ميلوني، في تنويع شراكاتها الخارجية، فضلاً عن تحسين الجوانب الدفاعية والإستراتيجية للتعاون مع دول أخرى حتى خارج الاتحاد الأوروبي.
المصادر:
https://tg24.sky.it/mondo/2022/11/15/giorgia-meloni-g20-bali#07