من بحر البلطيق إلى "الصين الجنوبي".. 5 بحار تشكّل الجغرافيا السياسية للعالم
محلّلون سياسيون يتحدثون عن الأهداف التي تدفع الدول العظمى إلى التواجد في البحار، والأسباب التي تدفعها إلى ضخ ميزانيات ضخمة لتعزيز قدراتها البحريّة.
للبحار دورٌ كبيرٌ ورئيسٌ في تبلور الواقع السياسي العالمي بعنوان الجغرافيا السياسية. وبحسب مجلّة "فورين بوليسي" الأميركية، هناك 5 بحار (البحر الأسود، بحر الصين الجنوبي، البحر الأحمر، بحر البلطيق، البحر الأبيض المتوسّط) في العالم كانت ولا تزال على مدى التاريخ ساحة حربٍ دمويّة ونزاعاتٍ وصراعاتٍ مؤثّرةً جداً في العلاقات الدوليّة.
لماذا تتسابق الدول العظمى إلى توسيع تواجدها في البحار؟
قال محلّل الميادين للشؤون العسكرية والأمنية، شارل أبي نادر، إنّ "البحار بشكل عام هي مسرح لانتقال وتمركز القدرات البحرية مثل حاملات طائرات، السفن الحربية، المدمّرات، والطرّادات. وهذه القدرات البحرية هي القوى الضاربة لكل الجيوش تقريباً، بمعزل عن القدرة البحرية أو القدرات الأخرى".
وأضاف أنّ "هناك إمكانيّة لمناورة هذه الجيوش عبر البحار، لأنّها غير القواعد العسكرية الثابتة التي تكون مقيّدة في جغرافيّتها، بينما حاملة الطائرات مثلاً، تستطيع أن تشكّل قاعدة عسكرية متحرّكة في كل هذه البحار، كما أنّ هناك إمكانيّة أيضاً للتدخّل عسكرياً من كل البحار، في عمليّات خاصّة على الدول المحيطة".
ولفت أبي نادر إلى "أهمّية البحار بشكل عام، مقارنةً مع المحيطات". وبيّن أنّ "المسافات في البحار بسيطة، ويمكن التدخّل بسرعة، عكس المسافات داخل المحيطات الكبيرة مثل المحيط الهادي أو الهندي". وقال: "نتكلّم ربّما عن آلاف الكيلومترات، بينما داخل البحار هناك تحرّك بسيط لا يتجاوز مئات الكيلومترات".
وعن الرابط ما بين جغرافيا البحار الـ 5، وما بين الملفّات الأكثر حساسيّةً اليوم على مستوى العالم، اعتبر أبي نادر أنّ هناك "رابط متبادل، فأحياناً هناك بحار مهمّة أكثر من الدول المحيطة بها أو أكثر من الملفّات، فالبحر الأحمر مثلاً وبحر الصين الجنوبي، بمعزَل عن أهميّة ملفّات بحر الصين الجنوبي أو الخلافات على الجزر". وقال إن الأهميّة الأساسيّة هي في "تواجد وانتشار دائم وتحرّك بحري دولي للقوى الكبرى عبر بحر الصين الجنوبي".
أما بالنسبة للبحر الأسود، رأى أبي نادر أنّ "البحر الأسود ليس مهمّاً بشكل كامل، إلا أن ملفّات الدول التي على هذا البحر هي المهمّة".
وقال: "نتكلّم عن الصراع الأساسي اليوم بين الغرب وبين روسيا، ونتكلّم أيضاً تاريخيّاً عن تركيا، وعن دول القوقاز. كل هذه المناطق ملفّاتها هي الأساسيّة، لذلك تتواجد القوى الكبرى في هذه البحار لكي تضغط أو تؤثّر في هذا الملفّ".
وذكر أنّ "البحر الأبيض المتوسّط يتأثّر بالملفّات، والملفّات تتأثّر به، لأنه يجمع بين 3 قارّات. بين سواحل آسيا الغربيّة، وبين تقريباً كل السواحل الجنوبية الأوروبية، والمناطق الأفريقية الشماليّة".
ووفقاً لأبي نادر، "سوف يكون للبحرين الأحمر والمتوسط، امتداد مرتبط ببعضهما، لأن الأهميّة المرتقبة مستقبلاً له هي من الناحية العسكرية الاستراتيجية، كنقطة وصل بين أوروبا وسواحل أميركا الشرقية، وبين الصراع الرئيسي الأساسي باتّجاه شرق آسيا، وأيضاً نقطة وصل أساسيّة في مشروع الحزام وطريق الصين".
تسابق بين الدول العظمى لتوسيع تواجدها في البحار بشكل عام و5 بحار أساسيّة؛ #البحر_الأسود، بحر الصين الجنوبي، البحر الأحمر، بحر البلطيق، و #البحر_الأبيض_المتوسّط بشكل خاص.
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) February 20, 2023
لماذا؟
محلل #الميادين للشؤون الأمنية والعسكرية شارل أبي نادر في #التحليلية@Fotoun_Abbassi@abinadercharle1 pic.twitter.com/7IS6OrXC2v
ما هي أهمّ بنود العقيدة البحريّة الروسيّة؟
بدوره، قال مدير مكتب الميادين في موسكو، سلام العبيدي، إنّ "العقيدة الروسية موجودة منذ القدَم، ونظراً للتطوّرات الأخيرة والتهديدات الجديدة، تمّ تجديد هذه العقيدة وتبنّيها في منتصف العام الماضي، أي بعد العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا".
وأضاف أنّ "في هذه العقيدة الكثير من البنود والأولويّات والقضايا الأساسيّة التي تتعلّق بالأمن الروسي، فكل ما يتعلّق ببحار روسيا من الدول البحريّة العظمى يُشاطئها محيطان و12 بحر بالإضافة إلى بحر قزوين الذي يُعتبَر بحيرة داخليّة".
فلذلك، من أولويّات العقيدة البحريّة الروسيّة تأمين المصالح الروسيّة، هذه المصالح هي تجاريّة واقتصاديّة، وأيضاً استكشافيّة جغرافيّة، ولكن في مقدّمة كل هذه الأمور تأتي القضايا التي تتعلّق بالمصالح القوميّة أي حماية المحيط الروسي والدفاع عن روسيا من كل تهديدات قادمة من البحار، حسب قوله.
وأشار العبيدي إلى أنّ "حماية خطوط أنابيب الغاز تأتي في سياق العقيدة البحريّة الروسيّة، وحادثة تفجير خطّيّ أنابيب "نورد ستريم 1 و2" دليل على ذلك".
اقرأ أيضاً: لافروف: الأميركيون أقرّوا بتفجير خطي أنابيب "نورد ستريم"
وعن أولويّة روسيا في المسطّحات المائية الـ5، اعتبر العبيدي أنّه "وفق العقيدة البحريّة الروسيّة، فإنّ هذه المسطّحات المائية كلّها مهمّة، وأهميّتها متدرّجة بين استراتيجيّة قصوى مثل البحر الأسود وبحر البلطيق، ومهمّة جداً وذات طابع استراتيجي مثل البحر الأبيض المتوسّط"، علماً أنّ "قصّة روسيا وصراعها التاريخي من أجل الوصول إلى مياهها الدافئة عبر المضائق انطلاقاً من البحر الأسود وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسّط معروفة".
وقال العبيدي إنّ "البحر الأحمر أصبح من الأولويّات، إذ تقوم روسيا في الآونة الأخيرة باتّصالات مع دول في تلك المنطقة خاصّةً السودان من أجل بناء قاعدة بحريّة هناك"، مضيفاً أنّ "بحر الصين الجنوبي يكتسب أهميته من كونه جزءاً من المحيط الهادئ".
وعن الخطر الأكبر الذي يتهدّد أمن موسكو ومصالحها القوميّة، لفت العبيدي إلى أنّ "روسيا لديها 5 أساطيل في البلطيق، المحيط الهادئ، بحر الشمال، بارنتس، والبحر الأسود بسبب الأخطار التي تتهدّدها هناك"، مشيراً إلى أنّ "أسطول الشمال الروسي الذي يتضمّن بحر بارنتس هو أقوى الأساطيل الروسيّة ويملك أكبر عدد من الغواصات النووية".
ما أهم بنود العقيدة البحرية الروسية؟
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) February 20, 2023
مدير #مكتب #الميادين في #موسكو سلام العبيدي في #التحليلية @Fotoun_Abbassi pic.twitter.com/qA0awDc9T4
ماذا يكمن وراء التركيز الأميركي على تفوّق قوّاتها البحريّة؟
وفي السياق، قال محلّل الميادين للشؤون الدوليّة والاستراتيجيّة، منذر سليمان، إنّ "الولايات المتّحدة تعتبر أنّ حاملة الطائرات تعادل 100 ألف طن من الدبلوماسيّة في أوقات السلم".
وفي أوقات السلم، الاستراتيجيّة الأميركية تنطلق من السيطرة على عُقَد التجارة العالميّة، وكما نتحدّث عن 5 بحار، يمكن أن نتحدّث عن 5 مضائق استراتيجيّة عالميّة تشكّل عصب التجارة العالميّة".
وأضاف سليمان أنّ "الولايات المتّحدة وزّعت أساطيلها البحريّة في مضيق هرمز، مضيق باب المندب، مضيق جبل طارق، مضيق البوسفور، ومضيق ملقة بين المحيطين الهندي والهادي لكي تكون في أوقات السلم قادرة على التحكّم بالتجارة العالميّة والسيطرة عليها، وفي نفس الوقت، الاستعداد في حال نشوب حرب للتمكّن من التحرّك العسكري السريع خاصّةً بوجود حاملات الطائرات التي يمكن أن تتدخّل بسرعة".
وعن احتمال نشوب نزاع عسكري بين واشنطن وبكين بسبب بحر الصين الجنوبي، شدّد سليمان على أنّ "البحر الأحمر هو المرشّح الأوّل لأنّ هناك توتّرات حقيقيّة تجري في بحر العرب وخليج عدن، وهي تتعلّق باستهداف سفن. منذ أيّام مثلاً، تمّ استهداف ناقلة مملوكة للكيان الاسرائيلي".
اقرأ أيضاً: إعلام إسرائيلي: حرس الثورة الإيراني هاجم سفينة إسرائيلية في الخليج
وذكر سليمان أنّ "البحر الأحمر مرشّح أكثر للانفجار بسبب الحرب السعوديّة على اليمن، وبسبب التوتّر الذي يمكن أن ينشأ بين الكيان الإسرائيلي وإيران بسبب الغواصات الإسرائيلية والغواصات الإيرانية التي تتحرّك في نفس المنطقة".
ماذا يكمن وراء تركيز #واشنطن على تفوق قواتها البحرية، ونشرها حاملات الطائرات على أساطيلها البحرية الموزعة حول العالم؟
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) February 20, 2023
محلل #الميادين للشؤون الدولية والاستراتيجية منذر سليمان في #التحليلية @Fotoun_Abbassi pic.twitter.com/Y7XsylRbyP